يبدو أن الأيام المجيدة قد ولت للنادي الكتالوني الأشهر “برشلونة”، صاحب الفلسفة والكرة الجميلة وكذلك الألقاب والإنجازات التاريخية، لاسيما في آخر 14 عامًا شهدت لمعانًا فوق الاعتياد لفريق كرة عبر العصور، لامس خلالها البارسا نجوم السماء حقًا وقدم معروفًا لا ينسى للعبة الأكثرة شهرة وإمتاعًا، بتقديم نجوم ومواهب خارقة للطبيعة، وكرة قدم خيالية وسينمائية في بعض الأحيان، ولكن كما عودتنا الحياة والكرة أن لكل شيء جميل نهاية ومن الواضح أن اللحظات الحالية تشهد نهاية الزمن الجميل كرويًا لبرشلونة.

فبعد مباراة سيلتا فيجو الأخيرة في الليجا والتي فرط بها برشلونة بقيادة مدربه الحالي كيكي سيتين في 3 نقاط كانت في المتناول، ساهمت في انفراد الغريم ريال مدريد بصدارة الترتيب وربما مهدت له طريق الفوز باللقب، دخل اللاعبون في نقاش حاد مع المدرب وصل لحد الشجار كما وصفت صحيفة “ماركا” الإسبانية في تقرير لها، اعتراضًا من نجوم “البلوجرانا” على بعض تكتيكات المدرب وأفكاره وتغييراته في المباراة، التي لن تقود الفريق لأي فوز وبالتالي لأي لقب في المستقبل القريب.

فهل يتحمل سيتين “المسكين” كل هذا العبء وحده؟ هل هو سبب كل البلاء الذي يعانيه برشلونة منذ 3 سنوات على الأقل، وكان يختبئ وراء انتصارات خادعة دون أداء أو روح برشلونة المعروفة، وربما وراء تألق فريد لنجم من كوكب آخر “ليونيل ميسي”، حمل الفريق على أكتافه في السنوات العجاف فنيًا وأنسى الجميع كل المآخذ الأخرى.

 

أم هناك أسباب أخرى وراء هذا التراجع الفني التدريجي للفريق العظيم صاحب الفلسفة والفكر الكروي المميز والمختلف عن باقي أقرانه؟ هذا ما نناقشه في السطور القادمة ونبرز بعض العوامل التي ساهمت في وصول الفريق لتلك النقطة السوداء وربما لموسم خالي الوفاض بلا أي ألقاب.

إدارة خارج الخدمة

النسبة الأكبر من هذا التراجع أو ربما الفشل بالسنوات الأخيرة، تتحمله الإدارة الحالية برئاسة جوسيب ماريا بارتوميو بدون أدنى مجال للشك، الرجل الذي يبدو هادئًا طوال الوقت ولكنه متوتر دائمًا، تسبب في صدع كبير داخل أروقة الفريق بشكل جعله يفقد هويته وفلسفته المعروفة ويبتعد خطوات كثيرة للوراء، فبخلاف سوء إدارته لأكثر من ملف إداريًا وآخرها ملف التعاقد مع شركة تسويق إلكتروني لمهاجمة معارضيه، فشل فنيًا بشكل مخزي.

 

اقرأ أيضًا:

“سحر الفراعنة”.. الملك صلاح “رمسيس” يعيد ليفربول إلى عرش الكرة الإنجليزية

 

فتعاقدت الإدارة الفنية في عهده مع لاعبين وصفقات بملايين اليوروهات ولم يستفد منهم برشلونة، لاعبون لا يعرفون أو يجيدون تطبيق فلسفة برشلونة الفنية وطريقة 4-3-3 الشهيرة بالفريق، لا يحملون جينات برشلونة الفنية ولا يدركون قيمة هذا النادي وهويته وغير مناسبين تمامًا لما رآه يوهان كرويف للبلوجرانا قبل عشرات السنوات عندما اعتمد فلسفة التيكي تاكا والكرة الشاملة الممتعة بتقاليد وسمات معينة للنادي الكتالوني العريق.

 

باولينيو، عثمان ديمبلي، أرتورو فيدال، نيلسون سيميدو، جونيور فيربو، فيليب كوتينيو، أنطوان جريزمان.. كل هؤلاء وأكثر، لم يتم ذكرهم مثالًا حيًا على فشل كامل للإدارة في ملف دعم الفريق بصفقات جديدة تساعده على التحسن وتوافق وتلائم فلسفته الفنية وطريقة لعبه وأسلوبه، فرغم أن منهم لاعبون أصحاب إمكانيات هائلة لكنهم لا يناسبون طريقة البارسا أو لم يتأقلموا مع “ميسي” أو تم توظيفهم خطأ من قبل المدربين الخطأ كذلك التي تعاقدت مع إدارة بارتوميو.

فلا يوجد واحد من هؤلاء استطاع ملء الفراغ الذي تركه “نيمار” برحيله لباريس سان جيرمان قبل 3 أعوام، فلا يوجد بهم جناح واحد قادر على تعويضه ولعب نفس دوره في فتح الملعب للقادمين من نصف الملعب ليقوموا بالعجب مع ميسي كما كان يحدث، إبان فترة بيب جوارديولا وحتى مع لويس إنريكي فيما بعد بوجود الرسام إنييستا، وهي النقط التكتيكية الأبرز في شكل برشلونة الهجومي وفاعليته.

 

 

فعندما اختفت تلك الإمكانيات والأمور التكتيكية التي أظهرت من قبل قوة وتألق البارسا، قل المردود الفني كثيرًا للفريق وقلت فاعليته وأصبح العبء كله على ميسي فقط لكي يصنع كل ذلك ومع تقدمه بالعمر وقلة لياقته عن قبل تاه برشلونة وسط باقي الفرق وفقد هويته وقوته المعتادة، كذلك على مستوى نصف الميدان لم تعوض الصفقات الجديدة تشافي وإنيستا ودورهما في الضغط العالي وصناعة اللعب وتحريك الفريق كاملاً، فساعد ذلك في تراجع أداء وشكل البارسا.

مدربون دون الطموح

كذلك تعاقدات الإدارة مع مدربين ليسوا على قدر برشلونة، مثل إرنستو فالفيردي، الذي لم يعمل بفلسفة برشلونة واتبع أسلوبه الخاص بحجة أنه لا يتوافر لديه نفس العناصر السابقة التي تناسب هوية البارسا الفنية، فضاعت معه كل الأمور الجيدة تدريجيًا إلى أن قررت الإدارة إقالته والعودة لمدرب يميل لنفس مدرسة برشلونة المعروفة، وأتت بكيكي سيتين.

 

صحيح هو يملك نفس الأفكار ولكنه قليل الحيلة فنيًا مقارنة بأسماء بيب جوارديولا ولويس إنريكي وحتى فرانك ريكارد في السابق، كما أنه ضعيف الشخصية مقارنة بهؤلاء، وكذلك استلم فريقًا مترهلاً ضعيفًا لا يستطيع تطبيق تلك الأفكار بسرعة كبيرة، فظهر التخبط وتذبذب النتائج قبل وبعد التوقف وصولاً للشجار العلني الذي حدث عقب مباراة سيلتا فيجو الأخيرة، كل ذلك تتحمله الإدارة كليًا.

أزمة بدنية حادة

صاحب كل هذه الأسباب الفنية السابقة، أزمة بدنية كبيرة وواضحة على المستوى الفردي لكل لاعبي برشلونة، والمستوى الجماعي للفريق ككل في التحرك وحدة واحدة للدفاع أو الهجوم، وظهر كثيرًا في الفترات الأخيرة من كل المباريات قبل التوقف وبعده، والتي يستقبل فيها برشلونة أهداف تعادل أو خسارة، وكذلك عدم قدرته على تحقيق الفوز بهدف في الدقائق الأخيرة كما كان يفعل في الماضي.

 

اقرأ أيضًا:

استكمال الدوري ورفض الزمالك.. تصعيد متبادل ومصير مجهول

 

ذلك العامل البدني كان يخفي بعض العيوب الفنية الأخرى بالسنوات الأخيرة، ما وضعه في محنة أكبر على مستوى النتائج والشكل العام داخل أرضية الميدان، وظهر جليًا في بطولة السوبر الإسباني التي لعبت بداية العام الحالي وخسرها الفريق وأدت لإقالة فالفيردي.

معدل أعمار مرتفع وفقدان الرغبة

الأمر الأخير والمساهم كذلك مع الأمور السابقة في وصول برشلونة لهذه الحال التي يرثى لها فنيًا وعلى مستوى النتائج والخروج من الكأس وكذلك الليجا مع توقعات قليلة بفوزه بدوري أبطال أوروبا وسط هذا المستوى، ارتفاع معدل أعمار أغلب النجوم أو من تبقوا من الجيل الذهبي الذي صنع مجد برشلونة بالسنوات الماضية، مثل بيكيه وألبا وبوسكيتس وميسي ولويس سواريز، هؤلاء يمثلون العمود الفقري والأساسي والأهم للفريق وكلهم فوق 32 عامًا.

 

وهذا يعني أن هناك أزمة حقيقية بالفريق، تتطلب تجديد دماء فوري وسريع وبنجوم مثل هؤلاء أو في نفس مستواهم وسماتهم المتوافقة مع فلسفة وهوية البارسا، وإلا ستكون هناك معضلة خانقة ستجعل أزمة النادي مستمرة لسنوات قادمة أخرى لن تقدر الجماهير على تحملها بدون نتائج جيدة أو ألقاب، في ظل صعود نسبي للغريم التقليدي ريال مدريد وتفوقه وربما سيطرته على البطولات بالسنوات القادمة إذا ما بقي حال برشلونة على هذا النحو.