“أنا عايزة ألبس، أخرج، أسهر، أرجع البيت وقت ما أنا عايزة، من غير ما حد يتحكم فيا”، “أنا عندي شهادة وأنت عندك شهادة، أنا بشتغل وأنت ليك شغل، أنا زيي زيك بالظبط، ومن حقي أني أحصل على حريتي”.. بهذه العبارات حاولت الفنانة لبنى عبد العزيز أن تعبر عن رأي العديد من السيدات في حقهن في الحصول على حريتهن في الحياة وفي كل شئ، والرغبة في التخلص من السلطة الأبوية والمجتمعية التي تم فرضها على السيدات حتى بداية خمسينيات القرن الماضي، باعتبار إحداهن تابعة وليست شخصًا له حقوق منفردة، وكان هذا من خلال أحد أشهر الأفلام التي دافعت عن حقوق المرأة وهو “أنا حرة”.
هكذا كانت المرأة في مصر حتى بداية ثورة يوليو 1952، والتي بدأت أنترسم ملامح لشخصية المرأة في الحياة السياسية، وتعطها الفرصة في الحلم لتحقيق الذات، وترسم رغبتها في التطلع إلى مشاركة الرجل في مجالات العمل والسياسة وكل الفنون، لتكسر إطار الزواج الذي وضعت فيه وكأنها لم تخلق لغيره.
ساهمت السينما بشكل كبير في هذه الفترة الزمنية بصحوتها ووجود قائمين عليها يمتلكون من الوعي والثقافة والرغبة في الثورة على ما هو بالي من عادات وتقاليد، ما ساهم في إنتاج أعمال تشجع على صحوة الفتيات وثورتهن على القيم المجتمعية البالية وتشجعهن على تحقيق ذواتهن.
المحاماة طريق الوصول
قدم أكثر من عمل سينمائي، فتاة تحلم بأن تمتهن المحاماة، لعلو قدر هذه المهنة في هذا التوقيت، واحتلال أصحاب المحاماة المناصب الكبرى في الدولة، فكانت البداية مع الفنانة فاتن حمامة التي شاركت في العديد من الأعمال التي تناقش قضايا المرأة وعلى رأسها “الأستاذة فاطمة”.
وقد حاول هذا الفيلم الذي كان في طليعة الأعمال المُنتجة للدفاع عن حقوق المرأة عام 1952، أن يناقش الأمر بشكل كوميدي، لتهيئة الجمهور لتغيرات المجتمع بشكل هين في البداية، فهي الفتاة التي تواجه خطيبها وترفض تسلطه عليها برفضه عملها وعدم إيمانه بقضية عمل المرأة وأنها لم تُخلق لهذا، لتدور الأيام وتقف أمامه بالمحكمة في إحدى القضايا كمحامي للخصم وتنتصر عليه، لتثبت للجميع أن المرأة قادرة على العمل وتحقيق النجاح.
شارك في بطولة الفيلم كمال الشناوي وعبد الفتاح القصري ومن تأليف علي الزرقاني، وإخراج فطين عبد الوهاب.
أفكار الحرية المنغمسة بالخوف
أن تحصل الفتاة على جزء من حريتها لم يأت ذلك إلا بمجهود وعناء كبير، وخاصة حين يكون المجتمع في حالة من الانغلاق لوقت طويل كما كانت مصر في العشرينيات وما تبعها، وبالتالي فمن الطبيعي أن يدب الخوف في قلب أي فتاة تسعى للحصول على حريتها، وكان من أفضل الأمثلة التي ناقشت رغبة الفتيات في الحرية وخوفهن منها والصراعات الفكرية للفتاة بين ذاتها أولًا ومع المجتمع ثانيًا هي أفلام “أنا حرة” و”الباب المفتوح”.
تشابه العملان في الصراع الذي دار بين كل من لبنى عبد العزيز في “أنا حرة” وفاتن حمامة في “الباب المفتوح”، وأنفسهما، حول عدة أشياء وهي ما هو معنى الحرية بالأساس وكيف يمكن الحصول عليها، وهل من الحرية أن ترتبط حياتي برجل أم من الأفضل الابتعاد عن الزواج كفكرة للتقييد؟.
ودار أثناء الفيلمين حوارات من أهم ما يمكن أن يُناقش حرية المرأة ومعاني الحرية وما إلى ذلك، لنخرج في النهاية إلى أن الحرية لها قواعدها، ومتطلباتها وأن الإنسان مهما كان نوعه هو القادر أن يحصل على حقوقه، في زمن أصبح منفتحًا ويسعى إلى حقوق وحرية الجميع.
الغزو الخليجي
تحولت مصر اجتماعيًا بعد ما يسمى بالغزو الوهابي لمصر، والذي طرق أبواب البلاد بعد سفر الكثير من المصريين للعمل في الخليج، ليعودوا محملين على أجسادهم بالعبايات الرجالي والحريمي ومحجبي الرؤوس والأفكار، ومع انتشار هذا الفكر الذي يحرم كل شئ، من ملابس وأفكار وعادات وتقاليد، جرّم أيضًا حرية المرأة، بل ووضعها في قالب لا تخرج منه أكثر من أيام الجاهلية وليس فقط، أيام الثلاثينيات والأربعينيات.
وانعكس ذلك على سينما المرأة التي حجبتها فكريًا واجتماعيًا، فظهرت أمامنا البطلات المطيعات لأوامر رجالهن، والخاضعات بشكل كامل للسلطة الأبوية المجتمعية وكأن الزمان يعود بظهره إلى الوراء.
تيمور وشفيقة .. المرأة داخل الحجر
ويعد فيلم “تيمور وشفيقة” مثالًا لعرض قضية مناقشة السينما لحقوق المرأة خلال الـ20 عامًا الأخيرة، نجد أننا أمام كارثة في حق الإنسانية وليست المرأة فقط، فقدم الفيلم البطلة “منى زكي”، على أنها ممتثلة لأوامر الحبيب بشكل كامل، والذي لا يراها إلا مطيعة لأوامره ورغباته الذكورية بالكامل، وحين لم تمتثل لذلك تركها وغضب عليها، كارهًا أن تكون ذي مركز مرموق وأنا تتساوى به كأنثى.
ونجد أيضًا فيلمًا آخر ناقش بحرفية كبيرة تناقضات المجتمع حول المرأة، ما بين رغبته في الاستفادة منها ماديًا لتحقيق مكاسب شخصية وبين النظر إليها كسلعة للجنس تتوقف حياتها حين صدور بعض الشائعات عنها كأنثى، وهو “فتاة المصنع”.
اقرأ أيضًا:
حاول المخرج محمد خان أن يحصر تضادات المجتمع تجاه الفتاة العاملة، وأن الفتيات هن الأساس في حقوق بعضهن البعض، ومابين ثورة يناير وعرضها في جانب آخر في إشارة منه إلى رفض الفكر الوهابي الذي انتشر خلال سنوات مؤكدًا” صوت المرأة هو الثورة”.
فالتغير واضح وملحوظ ما بين عصرين سينمائيين، حاول أحدهما بعد فترة انغلاق فكري أن تضع رواسخ للحرية النسوية والتعبير عن حقوقها، وبين عصر آخر مع ما وصل إليه من انفتاح وتطور تكنولوجي، أغلقت أفكاره وتحولت سينماه من “أنا حرة” إلى “تيمور وشفيقة”.