في منتصف شهر مارس الماضي، أصدر وزير العدل قرارًا بوقف العمل بالمحاكم والشهر العقاري، ضمن الإجراءت الاحترازية التي اتخذتها الدولة للحد من تفشي فيروس كورونا، ثم توالت القرارات تباعًا باستئناف العمل بشكل جزئي، وتخلل تلك الفترة قرارات متذبذبة مابين الفتح والإغلاق لمحاكم بعينها بعد اكتشاف بعض حالات الإصابة بها.

عاد الوزير مؤخرًا، وأصدر قرارًا بعودة العمل بشكل كامل بالمحاكم وديوان عام الوزارة والمصالح التابعة لها، في إطار سياسة التعايش مع فيروس “كورونا” التي أعلنت عنها الدولة، اعتبارًا من السبت 27 يونيو، مع الالتزام بالإجراءات الاحترازية، وترك الوزير لرؤساء المحاكم حرية إجراء التناوب بين العاملين بنسبة لا تتجاوز 20% من القوة الإجمالية وبما لا يؤثر على سير العمل.

خلال الأشهر الأربعة الماضية منذ قرار الإغلاق وحتى الآن عانى أكثر من200 ألف محام من المشتغلين، ظروفًا اقتصادية صعبة نتيجة توقف العمل، دفعت البعض لغلق مكاتبهم، وحتى مع التوجه لاستئناف العمل، يرى محامون أن الوضع ليس مؤهلًا للتحسن على المدى القريب بسبب عدم استقرار الوضع مع تزايد حالات الإصابة بـ”كورونا”، مما يجعل قرارات استئناف العمل على “كف عفريت”، إضافة لامتداد أثر الفيروس لأشهر وربما لأعوام على النشاط الاقتصادي ككل.

 

الأزمة أعمق

محمود حسن، أحد المحامين الذين أغلقوا مكاتبهم خلال الأزمة، يقول لـ “مصر 360”: “مع استئناف العمل ربما تتحسن الظروف، لكن الموضوع أعمق من مجرد فترة إغلاق، النشاط الاقتصادي ككل تأثر بحكم أزمة كورونا، بل إن التأثر الكبير سيظهر خلال الأشهر المقبلة”، مضيفًا: “موكلينا ليسوا رجال أعمال، هم عمال وموظفون أو تجار صغار تأثروا أيضًا وتراجعت دخولهم بفعل الأزمة ستكون قدرتهم على  دفع الأتعاب محدودة، لن نستطيع ضغطهم بأتعاب كبيرة أو حتى متوسطة، نحن نتعامل مع بشر، هم بدورهم سيبحثون عن محامين يتقاضون أتعابًا أقل، ناهيك عن ضعف عمليات البيع داخل قطاعات مثل العقارات وغيرها من أوجه النشاط الاقتصادي، والتي تعتبر منفذًا آخر للمحامين، خاصة الصغار من خلال كتابة العقود وقضايا صحة التوقيع وما إلى ذلك”.

 

اقرأ أيضا:

تعطل 26% من المصريين عن العمل ومطاردة طائرات الورق.. نشرة 360 لحقوق الإنسان

 

ويوضح “حسن” أن غلق مكتبه كان مؤقتًا لتخفيف النفقات في ظل وضع اقتصادي سيء، مشيرًا إلى أنه ليس الوحيد الذي أغلق مكتبه، حتى أن أحد المحامين الشباب الذين يعرفهم  اضطر للعمل “تباع” على سيارة نقل حتى يستطيع سداد احتياجات أسرته.

المحامون واستئناف العمل.. 

 قرارات غير نهائية

محمد سيد، محام، يقول لـ”مصر 360″: “مع صدور قرار الإغلاق توقف عمل الشهر العقاري من عمل التوكيلات وتسجيل الأراضي، وتوقف رفع القضايا الجديدة، فتوقف عملنا تمامًا، حتى عندما عاد الشهر العقاري والمحاكم للعمل جزئيًا أُجلت  القضايا القديمة لمواعيد بعيدة، وصلت لستة أشهر، والقضايا الجديدة، كانت  تؤجل إداريًا، وبالتالي فلم يكن لنا الحق في طلب أتعاب من موكلينا”.

ويرى “سيد”، “أن الضرر الاقتصادي خلال الفترة المقبلة لن يكون كالسابق بالطبع سيتحسن الوضع مع استئناف العمل، لكن قرارت عودة العمل ليست نهائية، الزحام قد يؤدي لزيادة الإصابات، وبالتالي إلى الغلق مجددًا، وهي فرضية مطروحة بشدة، وهذا ما نتخوف منه”.

 

تأثير كورونا سيستمر

محمد نعيم، محام، يقول لـ”مصر 360″ :”إن الدخل مرتبط بصيرورة العمل، إن عُقدت الجلسات، وأُصدرت الأحكام، ستحصل على أتعابك، توقف هذا سيتوقف دخلك”، مشيرًا: خلال الفترة الماضية لم يكن يعمل سوى محاكم الأسرة، وأغلب موكلات قضايا الأسرة ظروفهن الاجتماعية منخفضة، وبالتالي فالأتعاب ضعيفة.

ويرى نعيم أن: “تأثير كورونا على المحامين سيستمر بعد قرار عودة العمل، فعمل المحامين مرتبط بالظروف الاجتماعية”، مضيفا “جزء من عملنا مرتبط بحركة التجارة وعمل الأسواق وتأسيس الشركات والأنشطة الاقتصادية، وهو ما يمر بحالة خمول، وبالتالي سيفقد المحامون أجزاء من مصادر الدخل”.

انخفاض بنسبة 100%

عبد التواب سلطان، محام، يقول لـ”مصر 360″: “إن دخل المحامين انخفض بنسبة 100% خلال الأشهر الأربعة الماضية، أضف إلى ذلك إيجارات المكاتب وأجور الموظفين”، ويضرب “سلطان” مثالًا بمكتبه:  “لدي اثنان من المحامين المتدربين وعاملة بوفيه، وفتاتين تعملان بالسكرتارية دفعت لهم نصف الراتب لمدة أربعة أشهر، فلم أستطع أخلاقيًا تسريحهم، إضافة لالتزامات المكتب المالية من إيجار وكهرباء ومياه وغاز”.

ويضيف: “من منتصف مارس صدر قرار بتعليق جميع الجلسات عدا جلسات التجديد، فمن أين سيأتي الدخل، شارحًا عملنا مرتبط بالجلسات، يأتي الموكل عشية الجلسة فيعطيك جزءًا من أتعابك ثم يستكمل الأتعاب بعد صدور الحكم، وبالتالي فلن تحصل على شيء طالما العمل متوقف.

 

تنظيم استئناف العمل

وعن قرار تجربة العودة للعمل يقول “سلطان”: “لا نعرف هل ستنجح تجربة فتح المحاكم بكامل طاقتها، أم سيؤدي ذلك إلى زيادة الإصابات، وبالتالي سنعود إلى الإغلاق مجددًا ما سيحدث ضررًا اقتصاديًا جسيمًا للمحامين قد يضطر الكثيرين لتغيير مجال أعمالهم، ولكي لا يحدث ذلك نحتاج إلى مستوى عال من التنظيم وإدارة الجلسات لمنع التزاحم”.

وهو ما يشكك به معظم أصحاب الشهادات التي وردت في التقرير، مؤكدين أن تنظيم العمل وسط الزحام الشديد سيكون أمرًا صعب، معربين عن تخوفهم من زيادة الإصابات وسط المحامين والعاملين بالمحاكم.

 

اقرأ أيضًا:

جهود نقابية تسفر عن إخلاء سبيل 5 صحفيين

 

دور النقابة

جميع المحامين الذين تحدثنا إليهم رأوا أن دور النقابة غائبا، خاصة مع وجود مجلس جديد عجز حتى وقت قريب عن تشكيل مكتبه، وأضافوا أنه كان هناك مطالبات بدور للنقابة في الأزمة الاقتصادية التي لحقت بالمحامين بمنحهم إعانات شهرية بسيطة، خاصة لصغار المحامين أو بتسهيل حصولهم على قروض صغيرة بقيمة خمسة أو عشرة آلاف جنيه حتى تمكنهم تخطي هذه الفترة لكن النقابة لم تفعل شيئًا.

وحتى فيما يتعلق بإجراءات تأمين المحامين خلال عملهم الفترة الماضية، رأوا أن تحرك النقابة في تشكيل لجنة لإدارة الأزمة وتلقي البلاغات حول المصابين، وتوفير الكمامات وأدوات الحماية جاء متأخرًا، وحتى بعد تشكيلها فهي لا تعمل بالكفاءة اللازمة، مؤكدين أن الدور الأكبر في علاج مصابي كورونا من المحامين كان لمبادرات فردية من المحامين في المحافظات.