حالة من الترقب والحذر تسود المشاورات حول قضية سد النهضة، بعد إرسال مصر وإثيوبيا والسودان رسائل لمجلس الأمن الدولي، على خلفية المفاوضات الثلاثية التي تعثرت خلال الأسابيع الأخيرة، تزامنًا مع مناوشات عسكرية على الحدود بين السودان وإثيوبيا، ما دفع بعض المنظمات الحقوقية لدق ناقوس الخطر من وقوع كارثة إنسانية في منطقة حوض النيل.

ويعقد مجلس الأمن الدولي، اليوم الاثنين، جلسة مفتوحة بشأن مفاوضات السد، بعدما تقدمت الخارجية المصرية بطلب للمجلس التابع للأمم المتحدة، بالتدخل في المفاوضات التي شهدت تعثرا خلال الأسابيع الماضية.

وأكدت رسالة الحكومة المصرية، أهمية مواصلة الدول الثلاث التفاوض “بحسن نية”، تنفيذا لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي، من أجل التوصل إلى حل “عادل ومتوازن” للقضية.

وكان الاتحاد الأفريقي، قد تدخل لمساعدة الأطراف الثلاثة، وأبلغ مجلس الأمن الدولي، بأن المسالة أصبحت الآن قيد النظر بواسطة الاتحاد، موضحًا في بيان عقب عقد قمة – عن بعد – دعا لها رئيس الاتحاد الحالي، رئيس جنوب أفريقيا، ماتاميلا سيريل رامافوسا، أنه رفع التمثيل في اللجنة الثلاثية التي تضم كل من مصر والسودان وإثيوبيا، لتضم خبراء من الاتحاد الإفريقي كمراقبين ليساعدوا الأطراف الأساسية في الوصول لحلول للمسائل العالقة بينهم والتوصل لحل مرض للجميع.

واتفق رؤساء الدول والحكومات المشاركين، على الاجتماع مرة أخرى في غضون أسبوعين من تاريخ إصدار هذا البيان، للنظر في تقرير حول نتائج المفاوضات حول القضايا العالقة المتعلقة بمسألة بسد النهضة.

وشدد الاجتماع كذلك على أهمية التوصل إلى نتيجة يكون الجميع فيها رابح، وفي روح التضامن والتعاون.

وأعرب الاتحاد عن تقديره العميق للطريقة الإيجابية والبناءة التي أبدتها الأطراف الثلاثة للتوصل إلى تسوية سلمية عبر التفاوض حول جميع المسائل المعلقة.

ورحب بالتزام الأطراف الثلاثة بالعملية التي يقودها الاتحاد، وفي هذا الإطار، وافق على المشاركة في اللجنة الثلاثية التي تعالج قضية سد النهضة ، والتي تتكون من مصر وإثيوبيا والسودان بإضافة مراقبين من جنوب أفريقيا بصفتها رئيس الاتحاد الأفريقي وأعضاء مكتب الاتحاد الأفريقي وخبراء من المفوضية، بهدف معالجة القضايا الفنية والقانونية العالقة، وستقدم اللجنة المعززة تقريرها إلى الرئيس رامافوسا خلال أسبوع من تاريخ إصدار البيان.

أنقذوا الأرواح

مع استمرارا حالة التوتر التي ترافق مسألة سد النهضة، دشنت الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات ومؤسسة الحق لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، حملة “أنقذوا الأرواح”، في 23 يونيو، للضغط على الأطراف المعنية للعودة إلى التفاوض مرة أخرى، حفاظًا على حياة الكثيرين التي من الممكن أن تتأثر سواء بالمناوشات العسكرية على الحدود السودانية الإثيوبية، أو الضرر الذي سيقع من ملء السد في وقت قصير على دول المصب مصر والسودان، مما ينذر بكارثة إنسانية.

وأكدت الحملة أن أي إجراءات أحادية في هذا الصدد تنذر بكارثة إنسانية، وتجاهل للحقوق التاريخية الخاصة بحصص مياه النيل لكافة دول الحوض.

وتستمر الحملة بجمع توقيعات للمزيد من الضغط على كافة الأطراف للانتهاء من الدراسات والآليات والوصول إلى صيغة تساهم في حماية الأرواح في البلدان الثلاث، موضحة “أن حماية الأرواح هي الهدف الإنساني الذي نسعى إليه من أجل مزيد من التنمية لدول أفريقيا فنحن دائما مع أفريقيا”، بحسب مطالب الجمعية.

 

انهيار السد

على مدى السنوات العشر الماضية، سادت حالة من التوتر بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن بناء سد النهضة، دون التوصل إلى الاتفاق على مدة ملء الخزان والتحقق من مطابقته للمعايير والتدابير الدولية وضمان حقوق وسلامة جميع الأطراف، وهو ما يشدد على ضرورة الوصول إلى تسوية للوضع القائم، بعيدًا عن التحركات والمشاورات الفردية.

وتوقفت المحادثات بشأن السد الإثيوبي مرة أخرى الأسبوع الماضي، وذلك قبل أسبوعين من بدء تشغيله المتوقع، وقد اعتبر بعض الخبراء أن هذه المماطلة وترحيل الأزمة من اجتماع لآخر ومن مكان لغيره، تهدف من خلاله إثيوبيا إلى كسب الوقت لاستكمال البناء وملء الخزان، ووضع مصر والسودان في حكم الأمر الواقع وفرضه، وهو سلوك مهدد للأمن الإقليمي.

وقد تعددت الدراسات والأوراق العلمية التي تناولت الآثار التدميرية للسدود التي يتم بناؤها على منابع نهر النيل، ومن ضمن تلك الآثار أن مصر سوف تعاني من عجز في إيراد النهر بمتوسط سنوي مقداره 9 مليار متر مكعب، وسيزداد العجز المائي الى 16 مليار متر مكعب سنويا مع التغيرات المناخية، وستخسر مصر ما لا يقل عن مليونيْ فدان من الأراضي الزراعية، كما سيترتب على إنشاء السدود انخفاض في إنتاج الكهرباء من السد العالي وخزان أسوان بنسبة 20 بالمائة.

كما حذر خبراء بمعهد ماساتشوستس الدولي للتكنولوجيا، البريطاني، من الآثار السلبية لسد النهضة الإثيوبي على مصر، وأكدوا في تقرير أن السد الذي يعد واحداً من أكبر 12 سدا على مستوى العالم، ستكون له تداعيات على دول المصب والتي تعتمد بشكل كبير على مياه النيل في الزراعة والصناعة وقبل ذلك كله، الشرب، وبخلاف ذلك فإن إثيوبيا ستكون لديها مشكلات كبرى في إدارته.

ومن بين المشكلات الفنية التي تطرق إليها الخبراء، ملف “تقديرات المخاطر”، حيث أجمعوا على أن مخاطر بناء السد بصورته الحالية تضمن مخاطر عالية، إذ يتطلب تصميم سد النهضة بناء “سد سرج” كبير جدا لمنع تسرب المياه المخزنة خلف النهضة من الطرف الشمالي الغربي للخزان ربما لم يتم تقدير المخاطر المصاحبة لفشل محتمل في هذا السد، ويجب إدارتها بعناية.

 

اقرأ أيضًَا: الأحزاب المصرية ودعم مفاوضات السد.. التهميش يشل الدبلوماسية الشعبية

 

وأشاروا في هذا الصدد إلى أن التصميم يتطلب بناء سد السرج ليحتفظ بـ89% من التخزين المباشر لخزان سد النهضة  وبناء خطوط نقل الكهرباء إلى مصر والسودان يستغرق 5 سنوات على أقل تقدير أما المناطق الضعيفة فى الأساسات من المحتمل أن تكون موجودة وقد تؤدى إلى زيادة تسريب المياه من خلال “سد السرج” ما يؤدى إلى تشقق سطحه ثم انهياره.

وبحسب الخبراء، فان خطر انهيار السد قائم وسيؤدي  إلى نتائج كارثية تحل بالسودان ومصر، تشمل انهيار سدود وغرق العديد من المدن الكبرى والقرى، وتعرض ملايين الأرواح إلى مخاطر الموت والتشرد.

وبشأن أمان السد، فأن الأمر، وفق الخبراء، يتعلق بالقشرة الأرضية ورد فعلها على ثقل وزن بحيرة السد خصوصا إن القشرة الأرضية في منطقة حوض النيل الأزرق قشرة نشطة وغير مستقرة، لذلك يجب عمل دراسات محاكاة لتوقع رد فعل القشرة لوزن بحيرة السد قبل الشروع في ملء السد، خاصة مع اشارت بعض المختصين بامكانية بانهيار السد خلال 5 سنوات.

للتدليل على أهمية تلك الدراسات، ما لوحظ من حدوث هبوط واضح في القشرة الأرضية في منطقة هيوستن تكساس بالولايات المتحدة نتيجة من ثقل وزن الماء على القشرة الأرضية بعد الفيضانات المصاحبة لإعصار هارفي في عام 2017م.

أما في حالة سد النهضة فستكون القشرة الأرضية في حالة صعود وهبوط طوال العام تبعا لحجم الماء في بحيرة السد مما يزيد حالة الاجهاد في القشرة الأرضية.

نماذج مشابهة

ولا يعتبر سد كاليفورنيا أول السدود التي تسببت في حدوث الذعر بين الأشخاص، فقد تسببت العديد من السدود فى مختلف أنحاء العالم فى إثارة الرعب وخسارة العديد من الأرواح، ففي عام 2014 انهار جسم أحد السدود بمحافظة دنيزلى بغرب تركيا، ما تسبب بمقتل اثنين من العمال، وأصيب آخر بإصابات خطيرة، وتم نقله إلى أحد المستشفيات .

بينما فى عام 2013 انهار سد تبالة، الواقع فى بيشة، جنوب السعودية، بعد هطول الكثير من الأمطار التى سببت السيول الجارية مع وادى تبالة، وتم تحذير المواطنين فى مناطق شديق والثنية، وإخلاء عدد من القرى القريبة من السد احترازيا، علما أن السد ركامى من الحجارة وليس من الإسمنت .

أما في اليابان، فقد انهار سد فى مقاطعة فوكوشيما شمال شرق اليابان، عام 2011، وجرفت مياهه العديد من المنازل، وذلك فى أعقاب تسونامى اجتاح البلاد بعد أن ضربها أقوى زلزال تشهده اليابان فى تاريخها.

 

اشتباكات على الحدود

 ويبدو أن مخاطر انهيار السد ليست المشكلة الوحيدة التي توتر الأفق، حيث وقعت اشتباكات عسكرية بين السودان وإثيوبيا، حيث هاجمت الميليشيات الإثيوبية الحدود السودانية مرارًا وتكرارًا في مايو ويونيو من العام الجاري، الأمر الذي ينذر بزيادة التوترات في المنطقة وتهديداتها للسلم والأمن العام.

 

اقرأ ايضًا:

 النظام السابق والكهرباء.. لماذا يتأرجح موقف السودان الرسمي من سد النهضة؟

 

وفي 20 يونيو الجاري، شنت ميليشيات إثيوبية مدعومة من الجيش الإثيوبي شنت هجوماً على معسكر للجيش السوداني، فيما تصدت القوات المسلحة السودانية للهجوم الذي شنته الميليشيات التي دعمها الجيش الإثيوبي بالمدرعات والراجمات، على معسكر الأنفال في محلية القلابات بشرق السودان على الحدود مع دولة إثيوبيا.

ولم تصدر أي جهة رسمية في السودان أو إثيوبيا تأكيداً أو نفياً للحادث، وكان حادث مشابه قد وقع قبل 3 أسابيع، حين شنت ميليشيات إثيوبية هجوماً مماثلا، أدى إلى مقتل ضابط سوداني برتبة نقيب في منطقة على الحدود بين البلدين.