“أم تخنق طفلتيها حتى الموت”، عنوان تداولته الصحف المصرية لواقعة مأساوية، تخلت خلالها أم عن مشاعر الأمومة، وخنقت طفلتيها حتى الموت، وكان مبررها رحمتهما من قسوة الأب، وحاولت الانتحار عقب ذلك لكنها فشلت، فحاولت إسعاف الطفلتين، ولكن بعد فوات الأوان، لتطرح تلك الحادثة الأليمة سؤالا هل الأمومة غريزة تولد مع الأم، وتمنح الأطفال حبا غير مشروط وتضحيات؟ أما أنها مشاعر تتغير من سيدة لأخرى.

غزيرة الأمومة

الأم القاتلة أدلت بإعترافات تفصيلية أمام النيابة، وقالت إنها رزقت 3 أطفال، بنتين وولد، وتوفى الولد بعد فترة قصيرة، فحملها الزوج الأمر، ودخل في حالة نفسية سيئة بعد وفاة نجله، وبدأ يضرب طفلتيه ويعاملهما معاملة قاسية، حتى قررت الأم وضع نهاية لهذا العذاب، وخنق طفلتيها وهما نائمتان.

لم تستجب الأم لحديث الطفلة الصغيرة، التي ظنت أن الأم تداعبها وهي تخنقها، وقالت لها: “أنا هموت يا ماما”، وأكملت ما نوته حتى لفظت الطفلتين أنفاسهما الأخيرة، فهل حقا الأمومة غريزة؟ أم أنها قرار تتخذه الأم، فتلك الحادثة القاسية لم تكن الأولي من نوعها، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة أيضا.

الطبيبة النفسية إستير بو أنطون، عرفت غريزة الأمومة، من خلال اختبارات ودراسات علمية، توصلت إلى أن بعض الأمّهات لا يمتلكن هذه الغريزة، ويمتلكن مشاعر مختلفة تجاه فكرة الإنجاب والأمومة، فالشعور بالأمومة هو نتيجة لعملية نفسية معقدة تحيط بها عوامل اجتماعية وثقافية وتربوية، وهنا لا يمكن الجزم بأن هذا الشعور غريزي.

 

اقرأ أيضًا:

“كورونا” وعاملات المصانع.. سيف التسريح يهدد الأمهات

 

ويفسر هذا العديد من الجرائم التي ترتكبها الأمهات بحق الأطفال، أو سوء المعاملة للأطفال، فالأمومة عمليّة تكتسبها الأم خلال علاقتها بطفلها وعنايتها به، وهناك أمهات تترك أمر العناية بأطفالها للمربية حتى وإن كانت لا تعمل لعدم قدرتها على تحمل هذا الأمر، كما أن هناك فتيات يرغبن في الزواج ولا يرغبن في الإنجاب، ويفضلن الحياة والتقدم في العمل، والعيش مع الشريك فقط ولكن دون ضجيج أطفال.

انتقام من الشريك

العدوان على الأطفال له أشكال متعددة، تبدأ من المعاملة القاسية والتي تصل للضرب المبرح أو القتل، وفي حالات كثيرة يكون مبرر هذا العداون النابع من الأم الانتقام من الأب أو الشريك الذي يترك أطفاله للأم، أو يعاملهم معاملة سيئة، ففي شهر ديسمبر الماضي تداول عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأم تضرب طفلها، وهي تطلب منه توجيه رساله لوالده لأخذه والعيش معه، لأنها لم تعد تستطيع تحمل مسؤوليته.

 

وتقدم المجلس القومي للطفولة والأمومة ببلاغ للقبض على الأم، وبالفعل تم إلقاء القبض عليها، وقالت في التحقيقات، إنها كانت تمر بحالة نفسية سيئة بسبب ترك زوجها لطفلها وعدم ترك المصاريف الخاصة به، أو الاهتمام به أو حتى السؤال عليه، وأضافت: “كنت بضربه علشان انتقم من أبوه اللي طلقني وسابني من سنتين”.

رهاب الحمل

هالة محمد سيدة تبلغ من العمر 34 عاما، تزوجت منذ ما يقرب من 6 أعوام، وأخبرت شريكها في بداية الأمر أنها لا ترغب في الإنجاب، ووافقها على الأمر، وقررا استكمال حياتهما سويا دون أخذ خطوة الإنجاب: “معنديش استعداد اتحمل مسؤولية طفل، واتعب في حمل وأربي ومنمش، مش متخيلة نفسي في ده فلو جبت طفل وأنا مش قد الخطوة دي هكون بظلمه لكن أنا قررت من البداية أعيش حياتي زي ما أنا عايزة ولقيت الشخص اللي شبهي ووافقني وقررنا ننجح في شغلنا ونعيش حياتنا كويس ونخرج ونتفسح من غير قيود، وطبعا وجود طفل ده أكبر قيد في الحياة”.

رأي هالة تتبعه العديد من الفتيات، خاصة في الفترة الأخيرة، وأصبح قرارا الإنجاب ليس من أولوياتهن، خاصة في فئة السيدات العاملات والمستقلات، برغم أن تلك القرارات تواجهها دائما ثورة من الأهل ورفض قاطع، كما روت هالة أنها تتعرض بشكل يومي للوم والداتها وحماتها بسبب تلك الخطوة، ولكنها مؤمنة أنها صاحبة هذا القرار في المقام الأول والأخير.

طارق سالم، استشاري الصحة النفسية، يقول إن رفض المرأة للإنجاب، يمكن أن يطلق عليه ما يسمى “رهاب الحمل”، فعند التفكير في قرار الحمل أو الولادة تصاب السيدة أو الفتاة بالخوف الشديد وتبدأ التساؤلات تدور في ذهنها، والتخوفات من المسؤولية تجعلها تقرر عدم خوض تلك التجربة.

صبري عثمان، مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة، يرى أن حوادث تعذيب الأطفال على يد ذويهم وخاصة الأمهات زادت في الفترة الأخيرة، موضحا أن العديد من الأمهات تبالغ في تأديب أطفالها، ويصل الأمل للتعذيب بدلا من التأديب، كما أن المجلس يتلقى رسائل مستمرة وشكاوى من حالات تعذيب للأطفال، ويبلغ النيابة بالأمر لحماية الأطفال.

وأعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة عن تلقي 647 ألفًا و956 مكالمة هاتفية وردت من المواطنين والأطفال إلي خط نجدة الطفل، وذلك خلال العام الماضي 2019، بزيادة وصلت لـ14% مقارنة بعام 2018، وشهري أكتوبر ونوفمبر من العام الماضي كانا من أعلى الشهور استقبالاً للبلاغات، حيث سجلت بلاغات شهر أكتوبر 3509 بينما شهر نوفمبر سجل 2161 بلاغًا، وجاءت محافظات (القاهرة، الإسكندرية، الجيزة) من أعلى المحافظات تفاعلاً مع الخط، واحتلت محافظة القاهرة المرتبة الأولي بعدد 4340 بلاغًا تليها محافظة الإسكندرية بعدد 3195 بلاغًا، بينما ورد عدد 2648 بلاغًا من محافظة الجيزة، وجاءت محافظات الوادي الجديد وشمال وجنوب سيناء من أقل المحافظات تفاعلاً مع الخط.

وأوضح المجلس القومي للأمومة والطفولة، أن بلاغات العنف ضد الأطفال بلغت نسبة 37% من إجمالي عدد البلاغات الواردة خلال العام الماضي، حيث احتل العنف البدني ضد الأطفال المرتبة الأولى بنسبة 54%، والعنف المعنوي 40%، والعنف الجنسي 6%، بينما كانت نسبة العنف اللفظي 1%.

في يناير الماضي عثر على طفلة حديثة الولادة بمحافظة سوهاج ملقاة في صندوق قمامة، وتم العثور على الطفلة ملقاة في كيس أسود، بالمشيمة والحبل السري دون أي ملابس وجسدها ملطخ بالدماء، وتم نقلها لحضانة أحد المستشفيات، وتكررت الواقعة أيضا في أبريل الماضي بمحافظة بورسعيد، وعثر على جثة طفل حديث الولادة ملقاة في صندوق قمامة.

 

اقرأ أيضًا:

“أب قاسي” وذئب بشري وقلة أموال.. حال المهمشات في زمن “كورونا”

 

ومن أشهر وقائع تعذيب الأمهات للأطفال، واقعة الطفلة ساجدة التي تبلغ من العمر 6 أشهر، والتي تعرضت للتعذيب على يد والدتها في إمبابة، وبالفحص المبدئي، تبين إصابة الطفلة بكسر في الفخذ، وأثار حروق في الجسد تسببت فيها الأم.

 

ترى الدكتورة هالة حماد، استشاري العلاقات الأسرية، أن الأمهات اللائي يفقدن مشاعر الأمومة، مصابون باضطرابات نفسية وشخصية، وخاصة الفئات التي تتجه للعنف مع الأطفال أو التعذيب، فالسيدات اللائي يشعرن بالعنف تجاه أطفالهن، يمكنهن تعذيبهم بسهولة، ومن الممكن أن يكون هذا الأمر بسبب تعرضهن لتجارب سيئة في الصغر، أو المعاملة السيئة من قبل الوالدين وتنفيذ نفس الأمر مع الأطفال مجددا، كما أن هناك أمهات تحب أنفسهن حبا شديدا، ومن الممكن أن يتحول هذا الحب في مشاعر عنف نحو الأطفال.

وتؤكد الكثير من الدراسات الاجتماعية، أن غريزة الإنجاب غريزة طبيعية لدى جميع الكائنات الحية، الهدف منها حفظ النوع البشري، لكن مشاعر الأمومة ليست مشاعر غريزية بحتة بل تتأثر بالجوانب الثقافية، والظروف المحيطة بها، فقرار الإنجاب يتخذه الفرد بناء على ظروفه، وعادة ما يتأثر بالظروف السائدة في مجتمعه.