لم يكن 5 ديسمبر 2012 يومًا عاديًا في حياة الرئيس الراحل محمد مرسي، اليوم الذي استقيظ فيه منتشيًا بإعلانه “فوق الدستوري” الذي حصن به منصبه وأركان حكمه الجديد، وأغمض فيه جفونه على صدام عنيف بين مؤيديه ومعارضيه، أسفر عن سقوط 8 قتلى على أبواب قصر “الاتحادية”.

علم “مرسي” حجم فعلته التي جرت الأنصار والمعارضين إلى ميدان واحد وجهًا لوجه، بعدما كانوا قبل أشهر قليلة ينصبونه رئيسًا لمصر في ميدان التحرير، لكنه فرح بتأديب المعارضين المتآمرين على حكمه من قبل أنصاره، إلا أن هذا الفرح لم يستمر طويلا حتى بدأت تدق المسامير في نعشه واحدًا تلو لآخر.

جبهة الإنقاذ الوطني.. رأس الحربة

 بعد يومين من إعلان الرئيس الراحل محمد مرسي الإعلان الدستوري المكمل الذي جعل القرارات الرئاسية نهائية غير قابلة للطعن من أي جهة أخرى، ومنحه سلطة تعيين النائب العام، وتحصين مجلس الشورى واللجنة التأسيسية بحيث لا يُحل أي منهما، تشكلت جبهة الإنقاذ الوطني التي ضمت لفيفًا من السياسيين والقانونيين والأحزاب اليسارية والليبرالية، واختير محمد البرادعي منسقًا عامًا لها، بهدف التصدي للإعلان السدتوري المكمل والبحث عن بديل سياسي.

 

اقرأ أيضًا:

الأحزاب بعد 30 يونيو.. تمثيل كرتوني في فضاء ضيّق

 

وضمت الجبهة شخصيات بارزة بجانب محمد البرادعي مثل الدبلوماسي عمرو موسى والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وعبدالجليل مصطفى ورئيس حزب الوفد السيد البدوي، وعبدالغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، والدكتور محمد أبو الغار رئيس الحزب المصري الديمقراطي.

يقول “شكر”، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي شارك في جلسات جبهة الإنقاذ الوطني، “إن تشكيل الجبهة كان ردة فعل على الإعلان الدستوري المكمل الذي كان يكرس لحكم الديكتاتور، فلا يوجد رئيس قرارته غير قابلة للطعن ويعطي الحق لنفسه في عزل النائب العام وتعيين غيره، لذا تحرك المعارضون لتشكيل تحالف سياسي يتصدى للحكم الإخواني لإثناءه عن هذه القرارات فكانت الجبهة”.

 

ويضيف لـ”مصر 360″ أن الإعلان الدستوري كشف عن نوايا مرسي وجماعة الإخوان في اختطاف البلاد لمسار آخر عكس تصور القوى السياسية التي ساندت مرسي في الانتخابات ضد أحمد شفيق في رئاسيات 2012، مشيرًا إلى أن أحداث الاتحادية تسببت في إحداث فجوة كبيرة بين مرسي والتيار المدني بسبب إراقة دماء المعارضين.

تولت جبهة الإنقاذ على مدار 6 أشهر توفير الغطاء الشعبي للتظاهرات التي خرجت في ربوع مصر ضد الحكم الإخواني، والتي أسفرت عن اشتباكات متفرقة أبرزها أحداث مكتب الإرشاد بالمقطم التي وقعت بين مؤيدي الجماعة والمعارضين في جمعة “رد الكرامة”.

تمرد.. استمارة هزت النظام

رغم تراجع شعبية الإخوان في الربع الأول من العام 2013، إلا أن الحراك كان يحتاج إلى نبض جديد بجانب قيادات جبهة الإنقاذ، إلى أن تفتق ذهن 3 من شباب التيار الناصري عن استدعاء أساليب قديمة من دفاتر النضال الشعبي من أجل الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان المسلمين، فوقع الاختيار على جمع استمارات شعبية للدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة.

لم يكن محمود بدر وحسن شاهين ومحمد عبدالعزيز من الوجوه المعروفة سياسيًا مقارنة بآخرين كانوا ملء السمع والبصر على مدار عامي الزخم الثوري في 2011 و2012، حتى قرر الثلاثي تدشين حركة “تمرد” الاسم الذي اختاروه كي يكون وقعه سهلا خفيفا على ألسنة المصريين، للإطاحة بمرسي من سدة الحكم بجمع 15 مليون توقيع للمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وسحب الثقة من الرئيس في 30 يونيو في ذكرى مرور عام على حكمه.

كانت الطرق جميعها ممهدة إلى التوحد خلف هذا الثلاثي في ظل استقواء الرئيس المعزول بجماعته وأنصاره للدفاع عن حلم الخلافة الإسلامية، خصوصا أن الحملة أعلنت تجميع مليوني توقيع بعد أسبوعين من بيانها التأسيسي في 26 أبريل من العام 2013.

 

كان هدف إنشاء تمرد، بالنسبة لمحمود بدر، المنسق العام للحملة ومتحدثها الإعلامي حينذاك، هو تجديد البحث عن ثورة 25 يناير التي ذهبت أدراج الرياح مع مرسي، فلجأ لفكرة تحكيم الشعب الذي انتخب الإخوان لتحديد مصيرهم من جديد بعد عام كامل أثبت فشلهم في إدارة البلاد وتسببهم في إراقة دماء المعارضين على أبواب القصر الرئاسي في الواقعة المعروفة بأحداث الاتحادية.

اكتسبت “تمرد” شعبية واسعة في الشهور التي سبقت الموعد المحدد، وحظيت بدعم كامل من السياسيين البارزين أمثال محمد البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي وأغلب الكيانات الشبابية مثل حركتي كفاية و6 إبريل، فكانت جبهة الإنقاذ تغذي هذا التحرك السلمي ضد حكم الإخوان بالبيانات والأطروحات، وتفرغ أعضاء تمرد لجمع الاستمارات التي تجاوزت الـ22 مليونا قبل التحرك إلى الميادين في 30 يونيو.

“تمرد لعبت دورا ملحوظا في تحريك المياه الراكدة ودفع الشعب للتظاهر بورقة الاستفتاء وسحب الثقة من مرسي، وهو الدور الذي تفوقت فيه الحركة الوليدة على جبهة الإنقاذ لأننا لم نكن مؤثرين شعبيا في قرارات الناس بهذه الدرجة” يتحدث “شكر” عن دور تمرد في الإطاحة بنظام الحكم بموازاة الغطاء السياسي الذي وفرته الجبهة في هذا التوقيت.

تجرد.. محاولة فاشلة

على الجانب الآخر، لم يقف مؤيدو مرسي مكتوفي الأيدي فدشنوا حملة موازية باسم “تجرد” لدعم الشرعية من خلال جمع 33 مليون استمارة مؤيدة لاستمرار محمد مرسي في حكم البلاد، بدعوى أن صندوق الانتخاب هو الفيصل في إسقاط رئيس مصر وانتخاب رئيس جديد وليس حركة منبوذة وممولة من الخارج ليس لها هدف إلا نشر الفوضى في الشارع المصري، بحسب تعبيرهم.

إلا أن النهاية كانت ارتسمت ملامحها بالفعل بعد فشل كل محاولات التيار الإسلامي لإثناء الشعب عن الخروج في 30 يونيو، ومن ثم الوصول إلى مشهد 3 يوليو وإعلان خارطة الطريق بدون مرسي وإخوانه.

3 يوليو..سقوط حكم المرشد

في الاجتماع الشهير الذي حضره وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي آنذاك وشيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني ومحمد البرادعي ممثل جبهة الإنقاذ الوطني، وجلال المُرة، ممثل حزب النور السلفي، والمستشار حامد عبدالله رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض، والكاتبة سكينة فؤاد ممثلة عن المرأة المصرية، بجانب شباب تمرد، اقترح محمود بدر، منسق حركة تمرد حينذاك، على ممثلي القيادة العامة للقوات المسلحة إعلان عزل مرسي نهائيا دون النظر لدعوات طرح الاستفتاء على بقائه التي دعا إليها ممن حضروا الاجتماع، حتى لا يخيب أمل من شاركوا في تظاهرات 30 يونيو، وهو ما أيده الفريق عبد الفتاح السيسي في النهاية، ولم يلق اعتراضا كبيرا من الحضور الذين باركوا إنهاء حكم الإخوان وتولي رئيس المحكمة الدستورية رئاسة البلاد بشكل مؤقت وتشكيل حكومة جديدة.

بسام الزرقا، القيادي بحزب النور السلمي، لم ينف هذا الكلام، لكنه أكد أن كل شيء كان منتهيا بعدم علمهم بالتحفظ على الرئيس المعزول وعدم حضور حزب الحرية والعدالة هذا الاجتماع، بدعوى أن قراراته باطلة، مشيرًا إلى أن الحزب كان يريد أن يلعب دور الوسيط بين الدولة وجماعة الإخوان لكن الوساطة فشلت بسبب ضغوط الشارع، واختار هذا الطريق للحفاظ على البلاد.

انهيار تحالف 30 يونيو

كان مشهد 3 يوليو هو الأخير الذي يجتمع فيه الفرقاء في مصر، فلم يعد البرادعي الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية، موجودا في نظام 3 يوليو، بسبب موقفه الرافض لفض اعتصامات الإسلاميين بميداني رابعة العدوية والنهضة، ليترك السياسة المصرية قاصدا النمسا، حيث كان يعيش، مكتفيا بالتغريدات التي يطلقها من حين لآخر للإشادة بالشباب المصري وحثهم على التمسك بمبادئ ثورة 25 يناير، لكنه لم يتخل عن أسلوبه المعارض في انتقاد بعض السياسات.

 

أما حزب النور الذي أدار ظهره للتيار الإسلامي فلم يجتمع مجددا مع ممثلي التيار الليبرالي على طاولة واحدة، حيث مورست ضده حملات التخوين من الإسلاميين والمدنيين، على حد سواء، لكنه بقي تحت جناح الدولة يدعم قيادتها ويسير حسب روشتتها ويشارك في استفتاءاتها وانتخاباتها التشريعية، حفاظا على ما تبقى من انتصارات الدعوة السفلية في السياسة.

أعضاء تمرد كانوا الأكثر حظا رغم انشطارهم وتفكك حركتهم، فـ”بدر” صار عضوًا بمجلس النواب وأحد كوادر الدولة المصرية، والتحق “عبدالعزيز” بالمجلس القومي لحقوق الإنسان رغم انشقاقه عن الحركة إبان الانتخابات الرئاسية، أما حسن شاهين فلم يجن نصيبه في المناصب أو الشهرة وخفت نجمه لكنه لا يزال داعما للدولة وقيادتها السياسية باعتباره أحد أبناء ثورة 30 يونيو.

 

اقرأ أيضًا:

في الذكرى السابعة لـ30 يونيو.. 5 وجوه نسائية فجرت الثورة المصرية

 

نجحت “تمرد” في نهاية طريقها في تحقيق أهدافها بعزل مرسي من حكم البلاد، والحفاظ على الهوية المصرية، وفي طريقها هذا سقط من سقط ونجا من نجا، وفقد كثيرون بريقهم، واكتسب آخرون صيتا ولمعانا ومناصب.

يشير “عبدالغفار شكر” إلى “أن الأمور كانت ستبقى أفضل بعد 30 يونيو حال تفعلينا مبادئ دستور 2014 الذي صاغته لجنة الخمسين ووافقت عليه أغلبية الشعب، وكذلك تفعيل التعددية الحزبية والاهتمام بالحريات السياسية واحتواء أفكار الشباب الرافضين الذين شاركوا في الإطاحة بحكم الإخوان، وهي كلها أمور أدت إلى مزيد من الاحتقان والتفرقة بين حلف 30 يونيو”.