يعاني المجتمع الإيراني من عدة مظاهر سلبية، والتي ربما تضعف من ترابطه العام، إذ يتكون في الأساس من عدد هائل من الأقليات التي تتعرض لاضطهاد من نظام الملالي، فتارة يوجه هذا الاضطهاد للأكراد، وتارة أخرى يوجه صوب الأحواز، وغيرها من الأقليات التي سنتناولها بالتفاصيل في التقارير المقبلة، إلا أن المسيحيين في بلاد الفرس لهم شأن ووضع مختلف عن غيرهم.

الأقليات الإيرانية

يبلغ عدد سكان إيران أكثر من 82 مليون نسمة، وتشكل الأقليات أكثر من نصف عدد السكان بنحو 60 بالمئة تقريبًا، وتقدر أعدادهم بـ8 ملايين نسمة بالنسبة للأكراد، ونحو 3 ملايين من قبائل “اللور”، و5 ملايين من العرب، ونحو 500 ألف نسمة من المسحيين، ومعظم هؤلاء يعانون من عدم الحصول على حقوقهم، فضلًا عن اعتراف الدستور الإيراني بحقوق أكثرهم حتى يومنا هذا.

الأقليات الدينية

تُعرف إيران باعتناق معظم شعبها المذهب الشيعي، ويُعتبر معتنقوا المذهب السني أقلية غير معترف بها، كما نص الدستور الإيراني على أن الأقليات الدينية المعترف بها، هم أصحاب الديانة اليهودية والزرادشتية والمسيحية التي يتبع أنصارها طوائف عديدة.

طوائف المسيحيين

تتعدد الطوائف المسيحية في إيران، أكبرها عددًا هي الطائفة الأرمينية  يليها الأرثوذكسية، وأفرادها موزعون جغرافيًا على ثلاث إبروشيات في محافظات “أصفهان وطهران وأذربيجان”، ويمارس الأرمن طقوسهم وتقاليدهم الدينية بحرية، كما يحمي الدستور حقوقهم ولم يفرض عليهم أي طقوس وفرائض إسلامية فيما عدا الحجاب، الذي أصبح زيًا رسميًا أكثر منه دينيًا، وللأرمن صحف تنشر باللغة الأرمينية منذ عام 1794، ولهم نائبان في مجلس الشورى الإسلامي. 

 

أما الكنيسة الأشورية فتتركز في طهران، ولها مدارسها ونواديها الخاصة، كما تمتلك مقعدًا وحيدًا في “المجلس”، أما الفئة الثالثة فتضم طائفتي الكاثوليك والإنجيليين وتتواجد بنسب متفاوتة.

اندماج أم اضطهاد؟

يبلغ عدد الكنائس في إيران أكثر من 600 كنيسة في مناطق متفرقة، يتركز معظم المسيحيين في أصفهان و طهران وأذربيجان الشرقية والغربية، والبعض في مناطق متفرقة.

تُعد كاتدرائية “فانك” المتواجدة في مدينة أصفهان في حي جلفا الأرميني من أبرز المعالم والوجهات السياحية في بلاد فارس، ومن أقدم الكنائس المسيحية الموجودة في إيران، ويرجع تاريخ بناءها إلى العهد الصفوي، والتي أمر ببنائها الشاه الصفوي عباس الأول، وامتزج بناؤها بين الطراز الإسلامي وفن وثقافة الديانة المسيحية.

أما عن معظم اللوحات الفنية فيها، فهي عبارة عن شرح لحياة السيد المسيح، رسمها الفنانون الإيرانيون المسلمون بالألوان النباتية زاهية المظهر والجذابة حتى الآن.

مرت الكنيسة الإيرانية بحقب ومراحل متغيرة شهدت تحولات كبيرة من نظام لآخر، إلا أنها استطاعت الحفاظ على هويتها وثقافتها اللغوية والأدبية.

آراء دينية وسياسية

مطران الأرمن الأرثوذكس في منطقة بيت كليليكيا، والذي يدعى “سيبان كاشجيان” يقول، “إن المسيحيين متواجدون في إيران منذ أكثر من 450 عامًا، لم نتعرض لأي عنف أو اضطهاد في البلاد، نحن نمارس شعائرنا ويُعترف بعقائدنا الدينية دون أي معارضة من قبل الدولة، بل هي من تكفل كل حقوقنا، والحرية الدينية التي كفلتها الثورة الإسلامية، خصصت ميزانية سنوية لترميم الكنائس”.

 

 

أما نائب مجلس النواب المسيحي عن جنوب إيران “روبيرت بيغلاريان” فقد أكد على “وجود عملية اندماج ناجحة للمسيحيين عمومًا، والأرمن خصوصًا وهو ما يتجلى في إقامة علاقات اقتصادية واجتماعية، ما جعلهم ذوي أدوار فاعلة في المجالات السياسية والرياضية والفنون والثقافة والعلوم”.

وتابع “روبيرت” “السلطات الإيرانية تسمح بإقامة الطقوس والشعائر الدينية للمسحيين، ما جعلهم متمتعون بحرية كاملة على الرغم من وجود ضوابط، تمنع تناول الكحوليات، ولكنه أمر غير مرتبط بالطقوس، مبديًا موافقته على التزام السيدات والفتيات بالحجاب، معللًا ذلك بأنه ليس فرض إسلامي فحسب، وإنما جزء أصيل من الثقافة الإيرانية، وأن السيدات اللاتي يقمن بدخول الكنائس يضعن فوق رؤوسهن منديلًا احتراما للمكان المقدس الذي يتعبدن فيه وهو ما لا يخالف الرواية الإيرانية الحكومية الرسمية، وفق قوله.

“خامنئي” ورعاياه المسيحيون

يتربط المرشد العام للثورة الإيرانية علي خامنئي، بعلاقات وطيدة مع الأقليات المسيحية في إيران، بل ويحرص على ودهم وزياراتهم، كما يحافظ على تهنئتهم بأعيادهم بصورة مستمرة.

 

امتد الأمر لزيارته عائلة من الطائفة المسيحية في ليلة عيد الميلاد العام الماضي، بعدما استهشد ابنها أرمن أوديسيان خلال أحد الحروب الإيرانية، وأعربت أسرة الشهيد عن فرحتها بالزيارة، حيث قالت “إن تلك الزيارة كانت عزاءهم الأكبر وأنها ذكرى لن تنسى”، مضيفة “أن تقديم ابنها شهيدًا للبلاد واجب عليهم وعلى كل إيراني”، نافيين تعرضهم لأي نوع من أنواع الاضطهاد.

 

 

كما يهنئ “خامنئي” المسيحيين  بأعيادهم، ويدعوهم بالتمثل بروح المسيح وصفاته، وغرد عبر “تويتر” العام الماضي قائًلا “المسيح ليس ذو قيمه قاصرة علي المسيحيين فقط، ولكن المسلمين أيضًا، ويجب علينا التمثل بصفاته وتعاليمه المتروكة لنا”.

حقوق دستورية

يتمتع المسيحيون في إيران بحقوقهم الدستورية كاملة على العكس من غيرهم، ولهم الأحقية لتولي مناصب في المجالس الشورية الإسلامية، على الرغم من وجود صناديق منفصلة للمسيحيين للاقتراع، ولكن لم تقتصر مسؤولية النائب المسيحي على المسيحيين فقط، فالنائب مسؤول عن الشعب كاملا، ويسعى لحل مشاكلهم جميعًا، طبقًا للمادة  86 من الدستور.

 

مسيحيون مشاهير

أما عن أبرز مشاهير المسيحيين بإيران، فكانت “ثريا إسفندياري” و ولدت في أصفهان عام 1932 وتزوجها الشاه الإيراني محمد رضا البهلوي.

وكذلك شمس البهلوي التي كانت رئيسة جمعية الأسد الأحمر ولدت في إيران 1917 واعتنقت المسيحية 1979م.

وكذلك رامين كريملو هو ممثل ومغني إيراني الأصل كندي الجنسية ولد عام 1978 في طهران.

رأي مضاد

على الرغم من كل الامتيازات والحقوق التي يحصل عليها مسيحيو إيران، إلا أنهم يعانون حتى الآن من منعهم من الحصول على بعض الوظائف الهامة في الدولة، مثل قوات الأمن والقوات المسلحة والشرطة والصناعات الدفاعية، لكن تلزم السلطات الإيرانية الشباب المسيحيين بإتمام الخدمة العسكرية.

 

وعلى صعيد آخر تدعو رئيسة الجمهورية الإيرانية المنتخبة للمجلس الوطني “مريم رجوي”، المسيحيين القيام بالثورة ضد نظام الملالي الذي يعانو منهم طوال حياتهم، للتخلص من القمع والعنصرية اللذين لاقوهما في ذلك النظام الذي لم يعطيم أدنيى حقوقهم، وإجبارهم على الصمت والرضا ليتعايشوا، بحسب قولها.