“لا يعرف الاستثمار العواطف”.. تلخص تلك المقولة طريقة تعامل الدول الخليجية الحليفة لمصر مع إثيوبيا فيما يتعلق بالاستثمار، فالريالات والدراهم لم تتوقف عن التدفق على أديس بابا، رغم تعقد أزمة المفاوضات حول سد النهضة، والتعنت الإثيوبي الواضح ضد القاهرة.

أيدت دول الخليج بالإجماع ــ ومن بينها قطرـــ القرار الوزاري الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب في مايو الماضي، والذي وجه الانتقاد واللوم للجانب الإثيوبي لعدم التزامه بالمسار التفاوضي، لكنها في الوقت ذاته ما تزال الشريك التجاري والاستثماري الأول، مع أديس بابا.

ويرى محللون أن مصر يمكنها الضغط على إثيوبيا عبر الإمارات والسعودية اللتان تربطهما حاليًا علاقات اقتصادية واستثمارية قوية بحكومة “آبي أحمد”، وتحتلان المراكز الأولى في قائمة الدول المستثمرة في إثيوبيا والمتعاملة معها تجاريًا.

في مايو الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية حصولها على قرضين من السعودية بقيمة 140 مليون دولار، لتمويل مشروعات للبنية التحتية والطاقة وتحديدًا إنشاء طرق ومحطات للطاقة الشمسية وشبكات إمداد المياه.

 

تناغم ملحوظ

تظهر التصريحات الرسمية الصادرة بين إثيوبيا والخليج نوعًا من التناغم، فرئيسة إثيوبيا ساهلوركزودي تعهدت في ديسمبر الماضي خلال لقائها وفدًا سعوديا ضم 50 من رجال الأعمال برئاسة وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الأفريقية أحمد بن عبد العزيز قطان، في أديس أبابا، بتقديم الدعم اللازم للشركات السعودية للاستثمار في إثيوبيا.

ومن المفارقات أن “قطان” كان سفيرًا للسعودية في القاهرة حتى شهور قليلة مضت لتكون أديس بابا، التي تعني في اللغة الإثيوبية “الزهرة الجميلة “، من المحطات الأولى لمزاولة منصبه الجديد وتضمنت كلمته استعداد لبلاده أكثر من أي وقت مضى، لتعزيز علاقاتها التاريخية والثقافية والاجتماعية مع إثيوبيا.

 

اقرأ أيضًا:

سد النهضة.. تمويل سياسي وأدوار خفية وترقب إسرائيلى

 

ويوجد حاليًا 229 مستثمرا سعوديًا حاليًا في مختلف القطاعات بإثيوبيا، يتصدرهم محمد العمودي، الذي يحمل دماء إثيوبية سعودية مشتركة، واحتل مرتبة بين أغنى الأثرياء العرب بثروة تناهز 13 مليار دولار، وهو يُعتبر “ذراع المملكة” الطولي في إثيوبيا التي وصفها الكتاب العرب في كتاباتهم القديمة بـ”الأراضي الضائعة“.

وفقا لمجلة “فوربس” الاقتصادية، فإن العمودي يعمل لديه قرابة 40 ألف شخص، ويملك مجموعة من الشركات المتخصصة في الإنشاءات والزراعة والطاقة بالسعودية وإثيوبيا، وتتولى شركته “النجمة السعودية للتنمية الزراعية” زراعة آلاف الأفدنة وتصدير منتجتها إلى الشركات العالمية كشركة “ستاربكس” وليبتون”، كما يملك في “أديس أبابا” يحمل اسم “أفريقيان يونيون جراند هوتيل“.

لعبة الحبال

عرفت أديس بابا جيدًا اللعب على وتر رغبة الخليج في التواجد بالقرن الإفريقي لمواجهة تزايد النفوذ الإيراني، وحصلت على مكاسب غير مسبوقة، وكانت اتفاقية للتعاون التجاري والاقتصادي والأمني بينها وبين الرياض ثمارها إعلان صندوق التنمية السعودية عن خطة لتمويل نحو 305 مستثمرين سعوديين من أجل الاستثمار في “تطوير الإمكانيات الإثيوبية“.

وتحتل السعودية حالياً المرتبة الثالثة بين المستثمرين الأجانب في إثيوبيا وفقا لوزارة الزراعية السعودية، بإجمالي استثمارات تناهز 5.2 مليار دولار في إثيوبيا، كما تحتل المركز السادس في قائمة أكبر شريك تجاري مع أديس بابا بتبادل يعادل 6 مليارات دولار.

تستورد السعودية نحو 80 ألف طن سنويا من البن الإثيوبي تتربع بها على عرش أكبر مستوردي البن الإثيوبي عالميًا بما يتقرب من خمس الإنتاج الإثيوبي بالكامل، كما تستورد المواشي الحية واللحوم من إثيوبيا بإجمالي 47.465 مليون دولار، بخلاف منتجات زراعية بقيمة 13.429 مليون، وزهور بقيمة 7.262 مليون دولار.

ويرى مركز البيان للدراسات والتخطيط، ومقره بغداد، أن فيروس كورونا ربما يقلل حالة الدفء في علاقات السعودية بإثيوبيا بعد التخلي عن نحو 3 آلاف عامل إثيوبي من السعودية والإعلان عن المزيد، خاصة أن الحكومة الإثيوبية الحالية تعتمد شكل كبير على الخليج في حل مشكلة البطالة وجذب العملة الصعبة للداخل، لكن التحركات على الأرض ربما تنافي ذلك فالتبادل التجاري بينهما أهم بكثير من العمالة.

 

تواجد إماراتي

بعد شهور تولى رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد منصبه، تعهدت الإمارات بمساعدات واستثمارات بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتلك الأخبار أذاعتها وسائل إعلام خليجية بينها قناة العربية، ما يمنع وجود سوءًا للتأويل أو التكذيب.

وفي فبراير الماضي، عقد مجلس الأعمال الاستشاري الإماراتي الإثيوبي، الذي تأسس قبل عامين وتشرف عليه سفارة الإمارات في أديس بابا، اجتماعا لبحث خطط تسهيل الاستثمارات الإمارتية، وإزالة جميع المعوقات التي تقف في طريق دخولها.

وأعلن رئيس وزراء إثيوبيا، أخيرًا، عن توجّه بلاده لإرسال 50 ألف عامل اثيوبي إلى الإمارات، في سياق برنامج يهدف إلى تطوير اليد العاملة المحلية، وتؤكد البيانات الرسمية أن التجارة الخارجية غير النفطية بين البلدين حققت نموا بنسبة 7% لتبلغ حوالي 3.1 مليار درهم (840 مليون دولار).

وتحتل الإمارات مرتبة متقدمة في الاستثمار بإثيوبيا فعدد مشروعاتها الاستثمارية المرخص لها بالعمل تصل إلى نحو 92 موزعة بين 21 في الزراعة و37 في النصاعة و20 في العقارات وتأجير الآلات و7 في الإنشاءات وحفر الآبار و5 في التعدين والصحة والفندقة أشهارها مصنع “جلفار” للأدوية، بحسب بيانات هيئة الاستثمار الإثيوبي.

 

اقرأ أيضًا:

“المتر المكعب بالدولار”.. إثيوبيا تضغط لبيع المياه لدول المصب

 

وبحسب سفارة إثيوبيا في الإمارات، فإن قيمة الصادرات الإثيوبية إلى الإمارات تواصل الارتفاع باستمرار، إذ قفزت من 14 مليون درهم فقط في 2002 إلى 300 مليون درهم في 2013، وقفزت الصادرات الإماراتية من 180 مليون درهم إلى 1.5 مليار درهم في الفترة ذاتها.

متنفس حقيقي

تقول الدكتورة أمينة العريمي، الباحثة إماراتية في الشأن الأفريقي، إن إثيوبيا وجدت في الاستثمارات الخليجية في الداخل الأثيوبي والعمالة الإثيوبية في العواصم الخليجية متنفساً حقيقياً لحل أزمة البطالة الحادة التي تعاني منها ومُساهماً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد الإثيوبي.

تؤكد “العريمي”، في دراسة نشرها مركز مقديشيو للدراسات، أن أبوظبي والرياض الأكثر حضوراً، لكن دول أخرى تراقب الأجواء من بعيد كسلطنة عمان والكويت وتفكر في الدخول، مشددة على أن التحويلات المالية القادمة من منطقة الخليج العربي لا تزال تتدفق على البنوك الإثيوبية.