من جديد، عادت معاناة المسلمين الإيجور في الصين، لتتصدر المشهد الدولي، حيث كشف تقرير بحثي جديد لمؤسسة جيمس تاون البحثية، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أن الصين تجبر النساء على إجراء عمليات تعقيم اجبارية، مما أثار قلق المنظمات الحقوقية، ودفع البعض للمطالبة بإجراء تحقيق بمعرفة الأمم المتحدة.

وبعنوان “التعقيم واللولب وتحديد النسل القسري”، أفاد الباحث الصيني، أدريان زينز، في تقرير الذي نشرته المؤسسة، بأن الحزب الشيوعي في الصين، يجبر نساء الأقلية المسلمة في منطقة شينجيانج، علي تحديد النسل بشكل إجباري، من خلال تزويدهن بوسائل منع الحمل المختلفة أو إجبارهن علي إجهاض أنفسهن، في مسعي واضح للحد من تعداد سكان الإيجور المسلمين.

 

ومنذ أواخر عام 2016، بدأت السلطات الصينية حملة قمع شاملة على منطقة شينجيانج، تخللتها حملات تحديد للنسل قسرية، حيث أجبرن النساء اللواتي أنجبن طفلين على الأقل، وهو العدد المسموح به قانونا، على وضع لولب في الرحم، بينما أُجبرت أخريات على الخضوع لجراحات تعقيم.

وأوضح التقرير، الذي اعتمد علي شهادات ومقابلات مع نساء من الأقليات العرقية، بأن نساء الإيجور مهددات بالاعتقال في معسكرات لرفضهن إجهاض حالات الحمل التي تتجاوز الحد المسموح به للإنجاب.

وأضاف التقرير أن الحملة استهدفت على الأرجح تعقيم نساء الإيجور في الريف اللاتي أنجبن ثلاثة أو أربعة أطفال وبعض النساء اللاتي أنجبن طفلين، أي ما يعادل 20 بالمئة على الأقل من جميع النساء في سن الإنجاب.

وكشفت أحد المعتقلات السابقات في معسكرات الاعتقال في شينجيانج، أنهن أجبرن على أخذ حقن تؤدي لانقطاع الحيض، أو تسببت في حدوث نزيف غير عادي يتسق مع آثار أدوية منع الحمل.

وبحسب التحليل البيانات، لـ أدريان زينز، فقد تراجع النمو السكاني الطبيعي في شينجيانج بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع تراجع معدلات النمو بنسبة 84 في المئة في أكبر مناطق الإيجور بين عامي 2015 و2018، وتراجع أكثر في عام 2019.

رغم انخفاض استخدام اللولب والتعقيم على الصعيد الوطني، إلا أن وتيرته ترتفع بشكل حاد في منطقة شينجيانج، ففي عام 2014، تم إدخال ما يزيد قليلاً عن 200 ألف لولب إلى المنطقة، وبحلول عام 2018، قفز هذا العدد لأكثر من 60 في المائة إلى ما يقرب من 330 ألف لولب.

 

واستخدمت السلطات ملايين الدولارات لتحويل “شينجيانج”، من واحدة من أسرع المناطق نموا في الصين إلى واحدة من أبطأ المناطق في بضع سنوات فقط، وتظهر الإحصاءات الصحية الصينية طفرة في جراحات أجريت لعدم الإنجاب في شينجيانج، في الوقت الذي انخفاض معدلات هذه الجراحات في بقية أنحاء البلاد، فإنها ارتفعت سبع مرات في شينجيانج من 2016 إلى 2018، إلى أكثر من 60 ألف عملية.

من جانبها، نفت السلطات الصينة مزاعم التقرير، ووصفتها بأنها “لا أساس لها من الصحة”، وتواجه الدولة بالفعل انتقادات واسعة النطاق لاحتجازها أعداداً كبيرة من الإيجور في معسكرات اعتقال.

وتحتجز السلطات الصينية نحو مليون شخص من الإيجور وغيرهم من الأقليات المسلمة في الصين، داخل كيانات تطلق عليها الدولة معسكرات “إعادة تأهيل”.

وقد لخصت صوفي ريتشاردسون، مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، فرع الصين، مأساة حقوق الإنسان في الصين قائلة: “ترتكب الحكومة الصينية في شينجيانج انتهاكات بحجم لم نشهده منذ عقود.

 

اقرأ أيضًا:

مسيحيو إيران.. أقلية محصنة دستوريًا وحجاب نسائها إلزامي

 

استنكار دولي

ووصف وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، التقارير البحثية للمؤسسة بأنها “صادمة” و”مزعجة”،قائًلا: إن ما توصل إليه التقرير يتماشى مع ممارسات الحزب الشيوعي الصيني منذ عقود، والتي تنم عن استخفاف بقدسية النفس البشرية والكرامة الإنسانية الأساسية.

وأضاف:”ندعو الحزب الشيوعي الصيني إلى التوقف فورا عن هذه الممارسات البشعة، وندعو كل الدول إلى الانضمام للولايات المتحدة في المطالبة بوقف هذه الانتهاكات المذلة”.

كما دعا التحالف البرلماني الدولي بشأن الصين، وهي مجموعة دولية من أحزاب سياسية تضم النائب المحافظ ايان دنكان سميث، والبارونة هيلينا كينيدي، والسيناتور الأمريكي ماركو روبيو، الأمم المتحدة إلى “إجراء تحقيق دولي مستقل ونزيه بشأن الوضع في منطقة شينجيانج”.

وقال البيان: “تتوافر حاليا مجموعة كبيرة من الأدلة، تزعم الاعتقال الجماعي، والتلقين العقائدي، والاعتقال خارج نطاق القضاء، والمراقبة الجماعية، والعمل القسري، وتدمير المواقع الثقافية للإيجور، بما في ذلك المقابر، إلى جانب أشكال أخرى من الانتهاكات”.

وأضاف: “لا يمكن أن يظل العالم صامتا أمام الفظائع المرتكبة، إن بلداننا ملزمة بالالتزامات الرسمية لمنع ومعاقبة أي عمل يفضي إلى تدمير مجموعة قومية أو عرقية أو دينية، كليا أو جزئيا”.

ووُجهت إلى الصين انتقادات عالمية متزايدة بسبب معاملتها الإيجور في السنوات الأخيرة، وأشار تحقيق أجرته اذاعة “بي بي سي” البريطانية، عام 2019 إلى فصل الأطفال في شينجيانج بشكل منهجي عن أسرهم في محاولة لعزلهم عن مجتمعاتهم الإسلامية.

ويشعر ساكنو منطقة شينجيانج، التي تعتبر إقليما مستقلا، بالقهر الاقتصادي والسياسي والثقافي والاستغلال من قبل صيني الهان الذين يحكمون الإقليم، وفي المقابل فإن الحكومة الصينية تتهم مجموعات من الإيجور بأنها تسعى للانفصال عن الصين.

 

إبادة جماعية

ويقول دارين بايلر، الخبير في شأن الإيجور بجامعة كولورادو: “قد لا تكون النية هي القضاء التام على سكان الإيجور، لكنها ستقلل من حيويتهم بشكل حاد، مما يسهل استيعابهم”.

بينما تقول خبيرة الإيجور، جوان سميث فينلي، التي تعمل في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة “إنها إبادة جماعية.. إنها ليست إبادة جماعية فورية وصادمة، لكنها إبادة بطيئة ومؤلمة ومتداعية.”

 

اقرأ أيضًا:

 “نساء المخيمات” يستغثن من كورونا.. هل من نجاة؟

 

وعلى مدار عقود، وبموجب سياسة الصين بشأن إنجاب طفل واحد، سُمح للأقليات الحضرية بإنجاب طفلين، أو ثلاثة أطفال بالنسبة للأسر الريفية.

ويصف تقرير الباحث الصيني، الحملة المزعومة لمنع الحمل القسرية في شينجيانج بأنها جزء من “حملة سكانية للإبادة الجماعية” ضد الإيجور.

ويؤكد أن “هذه النتائج تشير إلى أقوى دليل حتى الآن على أن سياسات بكين في شينجيانج تفي بأحد معايير الإبادة الجماعية المذكورة في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”.