دائمًا ما تكون سوق الانتقالات بين اللاعبين في القارة العجوز الأكثر إثارة، فالقارة تمتلك الدوريات الأقوى عالميًا، التي يترقبها الجماهير والمتابعين من كافة أنحاء العالم بشكل يصل لحد الجنون، ورغم أن السوق يحمل الصفقة التجارية، لكنه مكتظ بالمشاعر المتناقضة، حيث يحمل في طياته أفراح لمشجعي نادٍ معين بالفوز بصفقة مميزة تدعم صفوفه.
أيضًا أحزان وإحباطات لمشجعي نادٍ آخر رحل عنه لاعبه الأبرز، أو لم يستطع ضم نجومًا لامعًا لتدعيم صفوفه، لكن الأكثر دهشة من كل تلك المشاعر هو الشعور بالغرابة والاستنكار لبعض تلك الصفقات خاصة التبادلية، التي تحير طرفي الاتفاق بشكل ملحوظ.
فيصبح السؤال السائد لجماهير تلك الأندية، هل أصاب الجنون إدارات هذه الأندية والفرق، سواء كانوا من مشجعيها أو لا ينتمون لها، من شدة غرابة تلك الصفقات التبادلية، التي يذهب خلالها لاعبًا من هنا لذاك، بالإضافة إلى عدة شروط وبنود بالاتفاق منها المالية والأخرى استثمارية أو فنية في بعض الأحيان.
أحدث الصفقات من ذلك النوع التي تمت قبل ساعات قليلة، حيث أعلن ناديي برشلونة الإسباني ويوفنتوس الإيطالي، عن صفقة تبادلية بينهما ينتقل خلالها لاعب اليوفي ميراليم بيانيتش “30 عامًا” إلى البارسا نظير 60 مليون يورو، في مقابل ذهاب آرثر ميلو “23 عامًا” إلى البيانكونيري بقيمة 72 مليون يورو.
الغريب في تلك الصفقة ليس الشكل العام للصفقة ولا القيمة المالية، التي جعلت الفارق بين الصفقتين 12 مليون يورو فقط، ولكن الجانب الفني هو الأكثر غرابة في الصفقة خاصة للنادي الإسباني، الذي فرط في نجم واعد بمنتصف ميدانه مقابل لاعب متقدم في العمر بنسبة كبيرة مثل بيانيتش.
“آرثر” الذي صول برشلونة قبل عامين يشبه لحد كبير أسلوب وطريقة النادي الشهيرة، وانخرط كثيرًا في صفوف الفريق، وشارك في 72 مباراة منذ وصوله بكافة المسابقات، وفاز بالدوري الإسباني وكأس السوبر رفقة النادي وأصبح بالعام الماضي أحد أهم ركائز وسط البلوجرانا.
ونال إشادة واسعة من أسطورة البارسا، تشافي، الذي لعب بنفس مركزه من قبل، وكان سيفيد برشلونة لسنوات مقبلة، الصفقة التي تمت مقابل لاعب يشبه كثيرًا في طريقة لعبه الكرواتي إيفان راكيتيتش المتواجد بالفعل في قائمة الفريق، ومن غير المتوقع أن يقدم إضافة نوعية للبارسا الذي يعاني بالفترة الأخيرة من تراجع المستوى الفنى.
فهل أصاب الجنون إدارة برشلونة التي تواصل تصدير المصائب لجماهير النادي العريق، بعد سقطات عديدة بالفترة الأخيرة على المستوى الفني والنتائج وفقدان البطولات، وآخرها هذا العام بعد تفريط البارسا في صدارة الدوري لصالح غريمه الريال وبات قريبًا من خسارة اللقب.
أما يوفنتوس فكان المستفيد الأكبر من تلك الصفقة، فقد ربح لاعبًا مميزًا وشابًا سيفيد النادي مستقبلًا كثيرًا، وسيعطي حلولاً فنية أكبر للبيانكونيري ومدربه خلال الفترة المقبلة، بيد أنه لم يخسر أموالاً كثيرة بالنظر للفارق بين الصفقتين، وهذا يجعل من الصفقة غريبة خاصة لإدارة برشلونة.
نستعرض أبرز تلك الصفقات من هذا النوع التي حدثت في الماضي وسببت نفس تلك الحيرة لكل متابعي الساحرة المستديرة.
زامورانو وكارلوس
شهد الميركاتو الصيفي لعام 1996 صفقة تبادلية غريبة أيضًا من نفس النوع الذي قد يفقدك عقلك، حيث نجح ريال مدريد في الفوز بظهيره الأيسر الأشهر في تاريخه وربما في تاريخ اللعبة كلها والبرازيل روبرتو كارلوس، ضمن صفقة تبادلية مع نادي إنتر ميلان الإيطالي، مقابل انتقال المهاجم التشيلي المخضرم حينها إيفان زامورانو صاحب الـ30 عامًا إلى النيراتزوري مقابل 6 ملايين يورو فقط.
الغريب في الصفقة كان على جزئيين الأول الشكل العام للصفقة، حيث أن كارلوس صاحب 23 عامًا حينها وزامورانو 30 عامًا وهو فارق كبير لصالح الريال استفادة لمستقبله من اللاعب، كما أن القيمة المالية كانت قليلة للغاية لمثل تلك الصفقة.
الجزء الآخر وهو الأهم ويتعلق بالجانب الفني وما حدث بعد ذلك، حيث لم يقدم المهاجم التشيلي مستوى يذكر مع الإنتر، بسبب التوظيف السيء والمعاملة السيئة له من المدرب الإنجليزي روي هودسون حينها للفريق الإيطالي، ورغم تألق زامورانو مع الريال بالموسم الأخير وقيادته للملكي لإحراز لقب الدوري الإسباني وتسجيله 28 هدفًا إلا أن هذا لم يشفع لـ “هودسون” للتعامل الجيد معه وإشراكه بالمباريات بشكل منتظم، مما جعلها صفقة فاشلة وغريبة جدًا لعشاق الإنتر.
وعلى العكس تمامًا الحال لريال مدريد فقد ظهر راؤول جونزاليس وتألق كثيرًا مما جعله يعوض هدافه التشيلي، فيما حقق كارلوس معه نجاح ساحق وفاز بكل الألقاب الممكنة، وأصبح واحد من أهم اللاعبين بالتاريخ في مركزه وقائد للريال فيما بعد، لتصبح صفقة ناجحة للغاية.
إيتو وإبراهيموفيتش
بعد حوالي 13 عامًا من صفقة كارلوس وزامورانو الغريبة، قام القطب الثاني بإسبانيا برشلونة بصفقة تبادلية غريبة أخرى، ومع نفس الطرف الآخر إنتر ميلان، ولكن هذه المرة خرج النيراتزوري فائزًا وخسر الفريق الإسباني من ورائها، وكان أبطالها زلاتان إبراهيموفيتش منتقلاً إلى البارسا في مقابل ذهاب الأسد الكاميروني صامويل إيتو إلى قلعة جوزيبي مياتزا، بالإضافة لمبلغ 40 مليون يورو إضافة لـ “إيتو” في انتقال مدوي سبب ضجة كبيرة حينها.
وكانت لرغبة المدرب الإسباني الأشهر بيب جوارديولا، في الوصول لمستويات خيالية مع برشلونة وإضافة المزيد من السحر لفريقه المدمر لكل الفرق والفائز بكافة البطولات حينها، دورًا كبيرًا في إتمام تلك الصفقة الغريبة بعض الشيء والمدوية أيضًا.
اقرأ أيضا:
ولم تكن الصفقة غريبة على المستوى الفني فكلا النجمان من العيار الثقيل، وصحيح أن الفرق السن أكبر لـ “إيتو”، ولكنه لم يكن كبيرًا لحد الغرابة، فكانت فنية معقولة رغم القيمة المالية الإضافية المرتفعة لصالح الإنتر، لكن كل الغرابة هنا تكمن فيما حدث لاحقًا، فلم يستمر “إبرا” مع برشلونة سوى عامًا واحدًا ولم يحقق نجاحًا يذكر، ودخل في خلافات كبيرة مع مدربه جوارديولا ورحل بخفي حنين، ووصفه فيما بعد بكتاب له عن سيرته الاحترافية، بأنه مدرب “جبان” ويخاف من ميسي نجم الفريق حينها، وقام بإهانته بشكل واضح.
فيما قاد صامويل إيتو فريقه الجديد للتغلب على فريقه القديم برشلونة، بنصف نهائي دوري أبطال أوروبا 2010، وجلب للإنتر أول ثلاثية في تاريخ كرة القدم الإيطالية مع المدرب البرتغالي الداهية جوزيه مورينيو، لتكون الصفقة الأغرب لبرشلونة والأربح للإنتر حتى وقتها.
سانشيز ومخيتاريان
في شتاء عام 2018، شهدت إنجلترا والدوري الإنجليزي أغرب صفقة تبادلية ربما في عصر الاحتراف، بانتقال التشيلي أليكسيس سانشيز من أرسنال قبل نهاية عقده بستة أشهر فقط، إلى غريمه مانشستر يونايتد في مقابل انتقال الأرميني هنريك مخيتاريان للجانرز بالإضافة لمبلغ 34 مليون يورو.
ورغم انتصار مورينيو في الصفقة السابقة بقدوم إيتو للإنتر عندما كان يقوده حينها، إلا أنه تلقى الفشل الأعظم في صفقاته مع ناديه حينها مان يونايتد بقدوم سانشيز صاحب الـ29 عامًا، والذي كان أحد أهم نجوم البريميرليج جديًا، ولكنه يبدو وأنه قد نسى الكرة تمامًا في أولد ترافورد، فبعد أن حصل على الراتب الإسبوعي الأعلى بين كافة نجوم الدوري الإنجليزي الممتاز مقابل 450 ألف جنيه إسترليني، لكنه لم يقدم أي مستوى جيد يذكر.
اقرأ أيضأ:
فكان أحد أكبر الصفقات الفاشلة في تاريخ النادي الإنجليزي العريق، الذي نجح في ضمه مقابل مبلغ زهيد نوعًا ما، بالإضافة للاعبه مخيتاريان الذي فقط ثق مورينيو كذلك حينها، إلا أنه لم يقدم حتى أداء متوسط مع الفريق جعله يريد التخلص منه بعدها بعام ونصف بأي ثمن لارتفاع راتبه دون تقديمه أي أداء يستحق ربع هذا الراتب حتى، ورحل بالفعل صيف 2019 لإنتر ميلان معارًا، فيما لم يقدم مخيتاريان كذلك أداء يذكر مع أرسنال ليرحل هو الآخر من الفريق نحو روما الإيطالي، وتصبح الصفقة الأفشل على الإطلاق للطرفين والأكثر غرابة بإنجلترا.