“الكبت أشبه بإناء مملوء ماء محكم الغلق وموضوع على النار.. والغليان إذا لم يجد له مخرجًا يؤدى الى انفجار شديد”، هكذا وصف سيغموند فرويد الشعور الداخلي لبعض مرضاه في كتابه “الكبت”، والشاهد في هذه الجملة، أن الأزمة الحقيقية التي يعانى منها المجتمع، هي حالة الكبت التي بدأت تتحرك على هذا الصفيح الساخن ضاربة بالقيم المجتمعية عرض الحائط، وراح كل شخص يبحث عن رغباته ومجال تفريغ كبته وأمراضه دون النظر إلى مساحات حرية الغير أو حتى مجرد احترامها.

“أحمد بسام ذكي”، الهاشتاج الأشهر على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الفترة الحالية، كان مؤشر خطير على ما يحدث في موقع “فيسبوك” وغيره من وسائل التواصل، فما تم تدوينه صادم فلم يكتفي صاحب الهاشتاج وفقًا لروايات ضحاياه وداعميهم بمجرد التحرش اللفظى أو حتى اختزل الأمر في كتابة رسائل إباحية، لكنه تطور إلى جرائم اغتصاب لمراهقات، الشاب الذي لم يتجاوز من العمر 22 عام خريج مدرسة انترناشيونال ودرس في الجامعة الأميركية ولكنه لا يختلف كثيرا عن متحرشي الشوارع بل إن جرائمه تجاوزت في حجمها ناطحات السحاب.

 

هاشتاج للمتحرش وقصص صادمة:

تصدر هاشتاج “المتحرش أحمد بسام زكي”، موقع التغريد الإلكتروني “تويتر”، حيث رويت من خلاله وقائع لبنات تعرضن للتحرش ووصل الأمر للاغتصاب في أحيان كثيرة، وبدأت القصة بنشر عدد من طالبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة لبوستات على مواقع التواصل الاجتماعي تتهمه بالتحرش والاغتصاب، مما جعل إدارة الجامعة تتخذ قرارا بفصله، لكنه لم يستسلم بل هدد إدارة الجامعة بالانتحار، واضطرت الجامعة إلى إلغاء القرار، كان هذا في عام 2018.

ومؤخرا قدمت إحدى الفتيات، بلاغا رسميا تتهمه فيه باغتصابها، وسرعان ما بدأت تتكشف أمور أخرى بعد قيام أكثر من 100 فتاة بنشر قصص مشابهة تتهمه بالتحرش بهن أو اغتصابهن.

ونشر بعض رواد مواقع التواصل، حصولهم على معلومات عنه، فذكرت إحدى الناشطات أنه كان في مدارس انترناشيونال ثم التحق بجامعة أجنبية شهيرة في مصر، ثم سافر لاستكمال الدراسة في كندا”، وأوضحت “مريم” في بوست بالانجليزية أن أحمد كان يدرس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 2018، وطرد منها بسبب قضايا التحرش الجنسي المرفوعة ضده.

بينما دافع عنه أحد النشطاء على “تويتر”، قائلا: “السؤال الأهم هل فعلا ده حصل ولا لأ؟، أنا مش شايف ضحايا ولا معلومات مؤكدة ولا تفاصيل، بس في لحظة واحدة الكل أجمع إنه مغتصب وعشان محدش يزايد لو فعلا عمل كده يبقى يستحق الإعدام رميا بالرصاص، هو وكل واحد يدافع عنه”.

وجاءت تغريدة لحساب يحمل اسم “نهال”: “قصص احمد زكي كلها مرعبة، من أول كلام على سوشيال ميديا لحد اغتصاب، كلها بلا استثناءات تخوف، وكون إن في ناس ممكن يبقى في دماغها 1% دفاع عنه يبقوا أوساخ زيه، DON’T BLAME THE VICTIMS يا ولاد المهزقة”.

 

وأضافت نهال: “أكتر قصة مفزعة انه فهم بنت إنه عايز يتجوزها لحد ما جابها شقته واغتصبها وهي كانت لسه 19 سنة، بعدين قالها You are just a slut وهي تنزف واضطرت لتغيير مكانها وتقفل كل حاجة لحد دلوقت وبعيدة عن أهلها وأصحابها ده غير التعب النفسي اللي وصلتله”.

واختتمت نهال:”بلاش تحطوه في دايرة دا مريض نفسي وعشان كده عمل كل ده، المتحرش المعتدي المغتصب ما هو إلا حيوان لازم ياخد بالجزمة ويتهان، المرضى النفسيين مش كده يا جماعه والله بجد”.

 

اقرأ أيضًا:

“هارفي واينستن”.. من قمة هيوليوود إلي السقوط في جرائم التحرش الجنسي

 

الناشطة الشهيرة منى الطحاوي، كتبت تويته بالإنجليزية قالت فيها: “خلال 24 ساعة اتهمت 50 فتاة وسيدة شابا مصريا بالتحرش بهم واغتصابهن، لقد اصبح من النادر ان يتم حساب المفترسين جنسيا في أي مكان، وانها لشجاعة منهم ان يخرجوا للتحدث علنا”.

 

أسباب هروب المتحرش الى مواقع التواصل الاجتماعي

• زادت خلال الفترة الأخيرة جرائم التحرش الالكترونية وهو الأمر الذي له أساس نفسي وسلوكى وهذه الأسس تتمثل فيه.

• معاناة الكثير من المتحرشين من الرفض المجتمعي الواقعي والتجاهل.

• عدد منهم يعانى من الانطوائية ولا يستطيع التعامل الا من خلف الشاشة.

• السوشيال ميديا جاذبة لأن المتحرش يستطيع إخفاء هويته.

• المتحرش يستطيع الهروب في الوقت المناسب وغلق كل الأبواب التي قد تكشف أمره.

• مواقع التواصل الاجتماعي بها مجال كبير للتعارف والانفتاح على مختلف الثقافات وأيضا تسمح بالتقارب بحكم تكوينها وتفاعلاتها وحملها لأكثر من وجه.

• بعض المتحرشين مضطربين نفسيًا والانترنت يسمح لهم بوقت أطول للاستعداد قبل افتراس الضحية.

 

اقرأ أيضًا:

تبرير الاغتصاب والتحرش.. عندما تقع المرأة ضحية مرتين

 

اخصائية نفسية تروي قصة أحد المتحرشين

أكدت الدكتورة نهى النجار الاخصائية النفسية، أنها التقت يومًا ما بشخص متحرش كان يحضر جلسات علاج، معقبة: “كان شابًا وسيمًا أتى طالب العلاج وأكد أنه أصبح لا يحتمل حياته وكثيرًا ما فكر في الانتحار، فقد تحرش بالكثير واغتصب عدد أيضا ليس بالقليل إلى أن وقع في موقف أعاد اليه طفولته المفقودة وشعر بنفس ما تشعر به ضحيته فقرر أن يخرج من قوقعته ومرضه وطلب العلاج”.

وأضافت النجار، أنها استمعت إلى هذا الشاب والذي وقع تحت وطأة الإهمال في صغره وافتقد العاطفة وعندما كبر تمكن منه إحساس غريب، يدفعه نحو الانتقام وهو ما حدث بالفعل، مضيفة أن الكثير يلجأ إلى الإنترنت، وآخرون يبحثن في الطرقات والنتيجة واحدة “جريمة تحتاج لوقفة مجتمعية”، متابعة: “الشاب الذي اغتصب الكثير أكد أنه يشعر بتوابع فعلته وأنه قرر عدم القيام بالأمر مرة أخرى ويحاول أن يعود لإنسانيته”.

وأضافت الاخصائية النفسية، أن هناك عدد من المتحرشين مرضى وبالفعل يحتاجون العلاج وآخرون يستحقون العقاب والخلط بينهما وارد في الكثير من الأحيان، إلا أن القانون هو الفيصل في الأمر وقدرة الضحية على فضح المتحرش تساعد كثيرا في تقليل نسب التحرش.

علم نفس يفسر اسباب التحرش والمجتمع يشارك في الجريمة

الدكتور جمال فرويز، أخصائي الطب النفسي، أكد أن التحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي والانترنت، أصبح ظاهرة شائعة في الآونة الأخيرة، حيث يرجع تزايده لعدة أسباب أهمها مشاكل نفسية وسيكولوجية كالحرمان العاطفي والشعور بعدم المراقبة والكبت الجنسي، فهو يندرج تحت تصنيف الاضطرابات الجنسية، لافتا إلى أن هناك بعض الدوافع التي تقف خلف أقدام شخص على التحرش من خلال شاشة أو استدراج آخرين، أبرزها الاستعداد للانحراف الجنسي و الحرمان، واصفا الأمر بالجريمة النفسية والقانونية.

وأشار أخصائي الطب النفسي، إلى أنه خلال عمله في المجال التقي بالعديد من الحالات التي تحول بها الأمر إلى أمراض جسمانية مثل الصرع والاكتئاب العقلي، فالخوف من التشهير أو المتعاقبة يخلق حالة من الإنكار العقلي يترجمها الجسم إلى أمراض ومشاكل جسيمة، متابعًا أنه من المثير للاهتمام يتواصل مع أشخاص وصفوا بأنهم متحرشين من أجل بدء رحلة العلاج، مؤكدًا أن الكثير منهم يصل لمرحلة مرضية تُمكنه من ارتكاب الجرائم إذا توافرت شروط ذلك، والبعض يبحث عن علاج حقيقي فأحد المتحرشين اتصل به، وقال له “ساعدني أنا قرفت من نفسي”.

من جانبها قالت دكتورة أمل الجندي، اخصائية الطب النفسي، إن التحرش جريمة لها وجهين أحدهما أخلاقي والآخر نفسي، كما أن له العديد من الطرق والأدوات ومنها “تحرش الشارع أو التحرش الذي يتم عبر شاشات الإنترنت”، وهو الأمر الذي يرجع إلى عدد من العوامل والمعتقدات الاجتماعية والتي يأتى على رأسها الكبت الجنسي الذي يمارسه الكثيرون من مسئولي الأخلاق في المجتمع لاسيما المجتمعات المحافظة.

وأوضحت “الجندي”، أن عملية التحرش عبر الإنترنت غير مقبولة اجتماعيًا، حيث يتم تداول صور جريئة أو حركات إيمائية فاحشة، وتختلف عملية التحرش بحسب مرتكبيها، فالمتحرش عبر مواقع الانترنت يندرج في قضايا التحرش الإلكتروني الذي يبدأ خلالها المتحرش بدردشة عاطفية ثم يتطور إلى النمط البصري أو تبادل الصور، وبعدها يصل لآخر مرحلة وهو الجنس، ومصير ضحايا التحرش على الإنترنت متفاوت ولكنه قد يصل مع بعض الفتايات الى الانتحار خوفًا من الفضيحة.

وأكدت الجندي، أن التحرش ليس تصرف نفسي بشكل مطلق ولكن الأمر يعتمد على عدة أمور أخرى كالبيئة التي ينشأ بها أو الظروف الاجتماعية المحيطة به، يُضاف لها بعض الإضرابات النفسية في السلوك الناتجة في بعض الأحيان من تصرفات مماثلة في ذاكرة المتحرش كتعرضه للاعتداء أو التحرش بأي مرحلة من المراحل حياته، بالإضافة إلى انهيار الهوية والقيم في المجتمع واختزال المرأة في مجرد جسد فاتن، وتغييب المرأة ككائن اجتماعي واعي كالرجل. ، مشيرة الى أن القوانين وحدها لا تكفي للحد من التحرش سواء بكل أشكاله، وأن هناك دور أكبر على المجتمعات الحقوقية والمدنية ينبغي أن يكون أكثر فعالية في طرح مناقشات وحوار مجتمعي واعي.

أول رد من الجامعة الأمريكية على واقعة التحرش

من جانبها أصدرت الجامعة الأمريكية في القاهرة بيانا صحفيا، للرد على ما يثار من ادعاءات لوجود أحد الطلاب المنتمي إليها متهمًا بالتحرش والاغتصاب بفتيات داخل الجامعة.

وقالت الجامعة في بيان :”في ضوء الأنباء المتداولة، توضح الجامعة الأمريكية بالقاهرة أن أحمد بسام زكي ليس طالباً حالياً بالجامعة حيث أنه قد غادرها عام 2018.

وأضاف البيان، تؤكد الجامعة الأمريكية بالقاهرة أنها لا تتسامح إطلاقاً مع التحرش الجنسي، وتلتزم بالحفاظ على بيئة آمنة لجميع أفراد مجتمع الجامعة.