فى الوقت الذي كان فيه مجلس النواب يوافق على الموازنة العامة للدولة، والتى بدأ تطبيقها أول الشهر الحالي، كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، يصدر دراسة تكشف انخفاض دخل نحو 73 فى المائة من الأسر المصرية، متأثرة بفيروس كورونا، واعتماد 50 فى المائة منها على الاقتراض من الغير والمساعدات الخارجية، و5 بالمائة على منحة العمالة غير المنتظمة التى قررتها الحكومة لمدة ثلاثة أشهر.

غير أن الموازنة الجديدة تم إعدادها قبل انتشار فيروس كورونا، ولم تراع التأثيرات السلبية للفيروس على الاقتصاد المصري والمواطن، رغم توصيات لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، برئاسة حسين عيسى، بضرورة الأخذ فى الاعتبار تأثير كورونا على نتائج الخطة والموازنة الجديدة، بعيدًا عن أى تهوين أو تهويل لتداعيات الأزمة.

“بقالنا شهور قاعدين في البيت ومش عارفين هنعمل أيه الأيام الجاية”.. كان هذا تعليق أحد عمال اليومية الذي قرر صاحب المصنع الذي يعمل به خفض عدد العمالة خلال جائحة كورونا.

ويعانى الآلاف من نفس الوضع المتدهور، خاصة في قطاع العمالة غير المنتظمة وهي الأكثر تضررًا من الأحداث الأخيرة.

 

اقرأ أيضًا

تداعيات “كورونا” في رصد لـ”القومي للتخطيط”.. خسائر اقتصادية ومقايضة للصحة

 

26 فى المائة من قوة العمل فقدت وظائفها، وتحولوا إلى البطالة ، بحسب دراسة “المركزي للإحصاء”، و كان لدى الكثيرين آمالا كبيرة بأن تراعى الموازنة الجديدة الآثار السلبية  لجائحة كورونا، لكنا تجاهلت الوباء.

صدمة الموازنة

 بعد موافقة البرلمان على الموازنة العامة، أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ورقة بحثية صادمة للجميع، حيث ناقشت الموازنة العامة، وأجابت عن السؤال الصعب، ما وضع الفقراء الأكثر احتياجا للدعم، ومخصصات الصحة المتدنية في ظل أزمة كورونا؟.

 

حللت الورقة التى حملت عنوان “رغم التوقعات ببقاء الوباء: خطط الحكومة لعام 2020-2021 خالية من كورونا”، أرقام الموازنة العامة، والتي يعد أهمها على الإطلاق عدم الوفاء بالحد الأدنى للإنفاق الدستوري على الصحة، والأوضاع المعيشية للمصريين ووصفت الموازنة والخطة الجديدة بمثابة تفويت لفرصة إصلاح بعض الاختلالات الجوهرية في هيكل الإنفاق، والتي كشفها تفشي كورونا بوضوح.

رصدت الدراسة سلسلة من التناقضات التي جاء في مقدمتها “أنه  فى الوقت الذي يخسر فيه الملايين وظائفهم جاء اختيار الحكومة بتقليص الإنفاق على الدعم التمويني، ورغم إنهاك المنظومة الصحية اختارت الحكومة أن تتجاهل الحد الدستوري للإنفاق على الصحة، فيما تذهب عشرات المليارات إلى دعم مؤسسات حكومية غير معروفة على حساب الإنفاق الاجتماعي”.

مقررات الدعم

أكدت المبادرة المصرية في دراستها “أنه قد تم تخفيض مقررات الدعم وفقًا للتقسيم الحكومي بنسبة 18% في الموازنة الجديدة، لتصل إلى 140.7 مليار جنيه، مقارنة بمبلغ 171.8 مليار في العام المالي الحالي، كما تم تقليص مخصصات الدعم التمويني خلال العام المالي المقبل بمقدار حوالي 3.5 مليار جنيه، بينما مخصصات الدعم النقدي حوالي نصف مليار جنيه”.

وأشارت الورقة إلى أنه لم يتم التخطيط لتعويضات بطالة إضافية خلال العام المالي الذي بدأ الشهر الحالى.

وأكدت أن مثل تلك الإجراءات تزيد من أعباء الأسر الأكثر احتياجًا، والتي تتلمس التعايش في ظل الأوضاع الاقتصادية التي زادت سوءًا، معتمدة على الدعم المتبقي بكل أوجهه ولا طاقة لها على تحمل مزيد من الأعباء في ظل الظروف الراهنة والخسائر الكبيرة وزيادة الإنفاق المرتبط بتبعات فيروس كورونا المتحول “كوفيد 19”.

الإنفاق على الصحة

كانت أحد المؤشرات الصادمة التي رصدتها “المبادرة المصرية” في تقريرها، هو حجم الإنفاق على القطاع الصحي في الموازنة العامة، والذي كان من المتوقع أن يرتفع تأثرًا بجائحة كورونا حيث أكدت أن: “نسبة الإنفاق على الصحة هو ثالث أدنى نسبة في حجم الإنفاق على مدار السنوات السبع الماضية، ولا تعكس خطط الحكومة للعام المالي 2020-2021 أي استعدادات لتمويل أعباء استمرار وباء كورونا، فضلًا عن انخفاض الإنفاق على دعم الطاقة إلى أقل من الخُمس.

ورفعت الحكومة الإنفاق على الصحة إلى 93.5 مليار جنيه مقارنة بـ 73.1 مليار في مخطط العام السابق، بمعدل نمو يبلغ %28، إلا أن المبلغ المعلن في الموازنة يختلف كثيرًا عما تعهد به وزير المالية، محمد معيط، أمام مجلس النواب، وهو رفع الإنفاق على الصحة إلى 258 مليار جنيه بزيادة 82 مليار جنيه عن موازنة العام الحالي، بنسبة زيادة تبلغ نحو 46%”.

وأكدت “المبادرة المصرية أن :”بعض المخصصات المرصودة للصحة بغض النظر عن كورونا، تتمثل في 3.33 مليار جنيه للهيئة العامة للرعاية الصحية، بجانب بعض أوجه الإنفاق الأخرى التي لا تظهر في مخصصات الصحة، وهي رفع مخصصات التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة لتصل مجتمعة إلى 10.6 مليار جنيه، و885 مليون مخصصات دعم التأمين الصحي الشامل لغير القادرين من أصحاب المعاش الضمان الاجتماعي.

ورغم أن الحكومة تخطط لزيادة في نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.37% مقابل 1.19% إلا أن تلك الزيادة ما زالت أقل من نصف الحد الأدنى الدستوري للإنفاق العام على الصحة والمقدرة بـ 3% وهي ثالث أدنى نسبة للإنفاق على الصحة في السنوات السبع الماضية”.

وكشفت الدراسة أن الحكومة فى محاولتها الوصول إلى نسبة الاستحقاق الدستوري للصحة، عمدت منذ عام 2016  إلى ضم كل المستشفيات الجامعية إلى قطاع الصحة. ثم جمعت الإنفاق على المياه والصرف الصحي إلى الإنفاق على الصحة، بالإضافة إلى أن الحكومة لجأت هذا العام إلى الإبقاء على إجمالي الناتج المحلى الإجمالي دون تغيير مقارنة بالعام السابق، لرفع نسبة الإنفاق على الصحة للوصول إلى الاستحقاق الدستوري ولكنتها أيضا فشلت فى بلوغ النسبة المستحقة، بحسب الورقة.

 

اقرأ أيضا:

تفرقة اقتصادية وتمييز اجتماعي.. ما هي جذور العنصرية في أمريكا؟

 

المعروف أن أكثر من  60 بالمائة من المخصصات ذهبت لباب الأجور، فضلا عن تحمل قطاع الصحة أيضا فوائد الدين العام بنسبته إلى الموازنة، وهذه الأموال تذهب إلى الدائنين وليس لتحسين الخدمات الصحية.

 ووفقا لتقرير الخطة فإن إجمالي الاستثمارات فى هذه التعليم والصحة والبحث العلمي أقل من 1% من الناتج المحلى الإجمالي، فلا يوجد توجه جدي للاستثمار فى هذه المجالات.

تخفيض الدعم

دكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، أكد أن تخفيض الدعم له تأثير مجتمعي سلبي على المواطن المصري البسيط الذي يعانى من جراء أزمة كورونا ولا خلاف على سوء هذا الوضع، ولكن السؤال عن إمكانية وجود بديل قد تحسم الأمر، فرغم زيادة الأعباء المالية على المواطنين خلال جائحة كورونا إلا أن الموارد غير كافية وقرار الاستمرار في تقليص مخصصات الدعم أصبح ضرورة.

وأضاف الدمرداش أن القرار سياسي محكوم بعدد من الاعتبارات فالدول التيس تمتلك قدر من الثروة أو الوفرة أعفت مواطنيها من الكهرباء بل دفعت لهم رواتبهم ومنعتهم من العمل ولكن الوضع في مصر مختلف ولا يمكن تحقيق ذلك “ليس في الإمكان أبدع مما كان”، والاقتصاد لم يحقق قبل جائحة كورونا ما يمكن الدولة من تجاوز الأزمة وهو الأمر الذي يحتاج الى إعادة نظر في تنمية موارد الدولة.

 

أما الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لصندوق النقد الدولي، أكد أن ما يتعلق بالموازنة العامة يسبق وأعلنه المسئولين الحكوميين بقدر كبير من الشفافية ولا يصح أن يتم التشكيك في الأمر، خاصة أن الحديث يتمحور حول الأرقام وهى غير قابلة للتشكيك.

وأضاف دكتور فخري الفقي في تصريح خاص لــ “مصر 360” أن الموازنة التزمت بجميع الاستحقاقات في مختلف القطاعات سواء صحة أو تعليم أو بحث علمي.

دكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، أكد أنه عندما رئيس الجمهورية خرج مخاطبا المواطنين وأكد وجود تقصير في عدد من القطاعات وهي الصحة والتعليم والبحث العلمي، مضيفًا أن أزمة كورونا أثبتت ذلك خاصة أن التعامل مع الأزمة تم بشكل إداري تمثل في “وضع مواعيد لغلق المحلات وتوقيت حظر” ولكنه لم يكن طبيًا.

وأضاف الدمرداش في تصريح لـ “مصر 360” أن هناك احتياج لتوجيه مزيد من الموارد نحو التعليم والصحة والبحث العلمي لأن حجم الإنفاق عليهم ضعيف، مضيفًا أن دلالة ذلك أن مصر لا تمتلك الموارد أو القدرة على الإنفاق وأهم ما يثبت ذلك هو التوجه اقتراض نحو 8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال جائحة كورونا، معتبرًا أن هذا يرجع الى أولويات القيادة السياسية ولكن المؤكد أن حجم الإنفاق على هذه القطاعات لا يرتقي لإحداث طفرة بهم.

وأكد الدمرداش أن المشاريع والبرامج الاقتصادية تنقسم إلى ثلاثة نتائج وهي “قرار اقتصادي يفي بالغرض، وقرار يحاول تحقيق أكبر فائدة منه، وآخر يُعد هو الأمثل في استغلال الموارد وتحقيق الهدف”، والقيادة السياسية هي من تحدد أولوياتها في الاختيار ودور الاقتصاديين فقط وضع الثلاث بدائل بشكل سليم.