لا أعرف متى بدأ التواطؤ فى مجتمعنا، لا يمكن التأريخ له، لكننا تغيرنا، صرنا نُفضل الخفاء، نُرحب بكل شيء فى الشوارع الخلفية، نؤكد على السامع أنه لا أحد يعرف، بينما الجميع يعرفون، شيء أشبه بمحطة المطار السري.

والخفاء هنا ليس من قبيل الستر، لكنه إدمان لحالات التواطؤ التي شاعت وانتشرت، فلماذا انزعجنا من تصريحات الممثل يوسف الشريف حين قال إنه يشترط عدم اللمس أو القبلات في عقوده، ما الجديد؟ هو يفعل ذلك بالفعل منذ عدة أعمال، وقبلاته فى أفلامه الأولى ستنزوي مع الوقت، وسيتوب عنها.

هل المشكلة أنه كفنان يُغيَر التوصيف الاصطلاحي لفن التمثيل؟ هل يوجد مواصفات محددة للممثل؟.

هل يشترط ذلك لأنه يرى الفن حرامًا؟ أم أنه حرام ويأخذ منه الحلال؟ أرباحه والقيم التي يظن أنه يروج لها من خلال أعماله؟

هل سأله أحد لماذا هذه الشروط؟ هل عرف أحد دوافعه؟

الحقيقة أن كلام يوسف الشريف لا يزعجني، فتاريخ السينما به نماذج عديدة، هناك حسين صدقي الذي دعا لأفلام عن الفضيلة والأخلاق، ولماذا نذهب قديمًا ونحن لسنا بعيدين زمنيًا عن السينما النظيفة.

هل ينسي البعض أن هناك نجمات تزايد المعروض عليهن من الأعمال فقط لأنهن لم يعترضن على لبس المايوه أو اللمس؟

أو ننسى الحكاية الساخرة التي كانوا يقولونها من أن الممثل يوضع بينه وبين الممثلة لوح زجاج شفاف عند التقبيل فلا يلمسها، وطبعا الزجاج الشفاف يقنعنا لماذا لم نره نحن كمشاهدين.

ما فعله الشريف هو أنه صرح بما يفعله ويلقى قبولًا وجمهورًا طيلة سنوات، فكسر التواطؤ الذي نتوارى فيه، مجتمع ترتفع فيه نسب مشاهدة الأفلام الإباحية، والبحث عن كلمة جنس، هو ذاته المجتمع الذي ينفر لمشهد قبلة، ويهلل لممثل يُصرح أنه لا يقبل اللمس.

لنضع تصريحات الشريف جانبًا ونُطل قليلًا علينا، أليس رجالنا من يرفضون الزواج بفتاة خرج معها أو لمسها قبل الزواج؟

أليس بين بناتنا من تهربن من المدرسة لتلتقي بولد وإن رآها أخوها وهو يسير مع فتاة ترك فتاته وأسرع يطارد أخته لينهال عليها ضربًا بمباركة الأسرة؟.

ألا تقوم بناتنا بتغيير ملابسهن خارج البيت وهن يتسللن من الدروس الوهمية، عشرات المواقف التي نغض الطرف عنها، ولا نلتفت إليها؟”، إننا أبناء هذا التشوه الاجتماعي.

المجتمع الذي يرى فى القراءة أنها تُذهب العقل، وفي الفن تحريمًا، المجتمع الذي هجر دور العرض، إنه غرس الرجعية التي امتدت إلى المجتمع منذ عشرات السنوات.

جميعًا مسئولون عما وصلنا إليه، نخبة المجتمع التي تعالت، وصنفت العامة بالجهل، ولم تأخذ بأيديهم وتركتهم فريسة سهلة في يد جماعات الإسلام السياسي.

مسئولون عندما ضحكنا على نموذج المثقف والفنان البوهيمي الذي يفعل ما يحلو له، وصنعنا فجوة خاصة للفنانين والمثقفين، وساهمنا فى تأكيد صور ذهنية خاطئة، عن كون الفنان ملحد، ولا يستحم.

نحن لسنا غاضبين من تصريحات الشريف، بل غاضبين أنه ورط كثيرين أن يُصرحوا مع أو ضد، ولنكن أكثر وضوحًا ومع إنتاجنا الفني الآخذ فى التناقص، متى آخر قبلة شاهدناها في مشهد؟

كثيرون يحذون حذوه، وكثيرون يرون في الفن حرامًا، لكنه عمل يربح منه، ونحن نسأل عن أفلام تصلح للعائلة، ومشاهد تخلو من الحميمية، لأننا بتنا لا نرغب أن يكبر أبناؤنا على أن الأحضان أو القبلات شيء عادي.

كثيرون منا رجعيون، فلماذا غضبنا من شيء نعرفه، وكنا نسخر منه قبل أيام قليلة؟

إنها مسئولية مجتمعية، ليست مسئولية يوسف الشريف وحده، ولا النظام ولا المجتمع، إنها مسئوليتنا جميعًا، وغرسنا الذي نحصده.