على مدار تسعة أعوام تمارس إثيوبيا فن المراوغة في مفاوضات سد النهضة، تدعو للتفاوض وتتحدث عن الحرب في الخطاب الرسمي ذاته، تتهم مصر بالضغط عليها سياسيًا بحشد موقف ضدها على الصعيد الدولي، وفي نفس الوقت تستغل استضافتها لمقر منظمة الوحدة الإفريقية في خلق موقف معاد للقاهرة إفريقيًا، حتى بات واضحًا بأن التفاوض معها بعيدًا عن الحظيرة الدولية ليس الطريق الصحيح لحل الأزمة.

سعى رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد إلى توظيف لعبة شراء الوقت بأحسن صورة، لحين موعد البدء في ملء “سد النهضة” بعد اكتمال 75% من أعمال البناء بأموال بدأت في البداية كاستثمار خاص تحكمه الربحية قبل أن تتقاطع معه لعبة السياسة والإضرار الاقتصادي المتعمد من قبل أطراف إقليمية تتخذ موقفًا معاديًا مع القاهرة منذ يونيو 2013.. سد النهضة.. تمويل سياسي وأدوار خفية وترقب إسرائيلي

تشيع الحكومة الإثيوبية أن الهدف الرئيسي لبناء السد هو التنمية الاقتصادية وسد حاجة البلاد من الكهرباء عبر محطات التوليد التي سيتم تنصيبها على بواباته، لكسب تعاطف أمام مصر التي يمثل السد “تهديدا وجوديًا” لها لاعتمادها بنسبة 90% على مياه النيل في الزراعة والري، وفي حقيقة الأمر يمثل سد النهضة غطاءً لمشروع فريد من نوعه يستهدف احتكار مياه النيل الأزرق وإعادة بيعها لدولتي المصب .. “المتر المكعب بالدولار”.. إثيوبيا تضغط لبيع المياه لدولتي المصب

الغريب أن الدول الخليجية التي يفترض أنها ورقة ضغط لصالح مصر في قضية سد النهضة تبنت موقفا ملتبسًا فتؤيد القاهرة رسميًا وسياسيًا لكن استثماراتها لا تزال تتدفق بقوة على أديس بابا، وتعقد اللجان المشتركة البينية اجتماعات هدفها في المقام الأول تعزيز ضخ المليارات في مشروعات استثمارية مربحة، وفتح الباب أمام الآلاف من الإثيوبيين للعمل على أراضيها لحل مشكلة البطالة التي تعاني منها حكومة آبي أحمد أموال السعودية والإمارات تتدفق على إثيوبيا.. رأس المال لا يعرف “العواطف”.

لا يمكن التعويل كثيرًا على الموقف السوداني المتغير باستمرار على وقع غياب التصور الواضح من قبل الخرطوم للتعامل مع القضية، واستمرار إدارته بفريق مفاوض تم تعيينه في نظام البشير يقتنع بمزايا السد ويعتبره ورقة ضعط سياسية على إثيوبيا ومصر على حد سواء قبل أن يتغير بعض الشئ بفضل حقوقيين سودانيين كشفوا الغمامة عن أعين الشعب النظام السابق والكهرباء.. لماذا يتأرجح موقف السودان من سد النهضة؟

يتضح للجميع أن سد النهضة أصبح ورقة سياسية محلية في إثيوبيا لإبقاء حكومة آبي أحمد في الحكم لأطول فترة ممكنة وحشد الشعب المنقسم لقبائل متناحرة وراء مشروع قومي ووعود بالرخاء والازدهار، خاصة مع تأجيل موعد الانتخابات البرلمانية التي يفترض عقدها في أغسطس المقبل إلى أجل غير مسمى وممارسة الاعتقالات في صفوف المعارضين وانتهاج سياسات التمييز العرقي ضد أغلبية السكان.. “الكرسي يلوث السياسي”.. آبى أحمد.. من نوبل للسلام إلى منتهك للحريات

اضطرت الحكومة المصرية في النهاية إلى اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لإدخاله كطرف في مفاوضات سد النهضة، حيث استندت مصر إلى المادة 35 من ميثاق الأمم المتحدة التي تجيز للدول الأعضاء أن تنبه المجلس إلى أي أزمة من شأنها أن تهدد الأمن والسلم الدوليين مجلس الأمن ليس الخيار الأخير.. بدائل مصر بعد انتهاء ماراثون مفاوضات السد