حالة من الانزعاج سادت المجتمع المصري عقب الاعتداء على الطالب “نائل” السوداني، في منطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة المعروفة بتمركز السودانيين بها.

الاعتداء كان بسبب بشرته “السمراء”، حيث أكد أنه أصبح يرغب في الموت، واستخراج شهادة وفاة للتخلص من الآلام هو وأسرته بسبب جرم “لون بشرتهم”، الذي يعاقب عليه كل يوم في الشارع، وفق رأيه.

يحضرنا هنا سلسلة الاحتجاجات التي حدثت من أصحاب “البشرة السمراء” حول العالم، ورفضهم التعامل على أساس اللون، بل راح الكثيرون منهم يحطمون تماثيل رموز ترسخ العبودية حول العالم.

التمييز على أساس اللون أحد الانتهاكات الفجة التي تحدث في أغلب المجتمعات، هو أحد وجوه العنصرية القبيح.

“بتهان لأني أسود”.. كانت هذه أقسى العبارات التي تلفظ بها الطفل “نائل”، البالغ من العمر 14 عامًا، في حديثه عن العنف والعنصرية التي يتعرض لها، مؤكدًا أنه يرحب بالموت وكثيرا ما تمناه حتى يتخلص من كابوس لونه الذي يطارده في اليقظة والنوم، حيث يعامله الكثيرين بازدراء دائم.

روى “نائل” واقعة التنمر التي تعرض لها، قائلًا: “كنت أذهب لاستذكار دروسي، فطلبت مني والدتي أن أشتري لها بعض المستلزمات وفي طريقي فوجئت بقصف الطوب عليّ من أحد الشباب ومن ثم الاعتداء المبرح الذي نتج عنه تمزيق ملابسي وبعض الكدمات التي جعلتني أعتزل الناس عدة أيام”.

 

لم يكن “نائل”، الشخص الوحيد الذي تعرض للعنف في أسرته، بل سبقه فيها شقيقه “نبيل” الذي أكد أنه: “تعرض للضرب والإهانة بل والتهديد من قبل ولم يجد وسيلة تحميه من المعتدين”.

تسكن أسرة “نائل” في منطقة أرض اللواء التابعة لمحافظة الجيزة، حيث نيران العنصرية والممارسات القمعية من بعض الأهالي، الأمر الذي تحول إلى أزمات نفسية لدى أطفال تلك الأسرة.

 

لم تكن الأولى

واقعة “نائل” ليست الأولى من نوعها، حيث سبقها الكثير من الوقائع المشابهة وربما الأعنف منها، وتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وكان أبرزها ما حدث مع الطالب في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة اللاجئين بمنطقة العباسية “جون مانوث”.

كانت واقعة “جون”، مصورة من قبل مجموعة من المراهقين الذين سخروا منه وقاموا بتصوير إهانتهم له ونشرها على موقعي التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تيك توك”، الأمر الذي تطور بشكل كبير بعد سرد الطالب حوادث الاعتداءات المتتالية عليه من الشباب سواء في طريق ذهابه وعودته للمدرسة أو حتى في محيط مدرسته.

 

اقرأ أيضا:

اللاجئون بمصر.. أوجاع مكتومة في مواجهة الوباء

 

روى “جون”، قصة الاعتداء عليه قائلًا: “كنت أذهب الى مدرستي، واعترض طريقي ثلاثة شباب حاولوا انتزاع شنطتى وعندما قاومتهم انهالوا على ضربًا، وبعد تصعيد الأمر كنتيجة لنشر الفيديو عادوا وأجبروني على تصوير مقطع آخر لاعتذارهم”.

الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أولى واقعة الاعتداء على الطالب السوداني جانبًا كبيرا من الاهتمام، حيث تمت دعوته في افتتاح فعاليات مسرح شباب العالم في شرم الشيخ في ديسمبر 2019 ليجلس بجانب الرئيس وقرينته، كما تم إلقاء القبض على المعتدين بعد نشر الفيديو على مواقع التواصل.

اللاجئون السودانيون في مصر

أعلنت كريستين بشاي، مسؤولة الاتصال في المفوضية السامية للاجئين في مصر، أن عدد اللاجئين في مصر يقدر بنحو 256 ألف لاجئ وطالب لجوء حتى نهاية 2019، منهم 42 ألف سوداني، مؤكدة أن أعداد السودانيين اللاجئين في مصر لا تتناسب مع حجم الدعم المقدم لهم.

يذكر أن اللائحة التنفيذية للقانون رقم 2 لسنة 2018 منحت الأجانب المقيمين في مصر واللاجئين تأمين صحي شامل، فضلًا عن شمولهم في الحملات الصحية التي أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخرًا.

وكانت مصر، قد انضمت للعهد الدولي للاجئين المُعتمد من الأمم المتحدة في ديسمبر 2018 ، فضلا عن دورها البارز في التوصل إلى إعلان نيويورك عام 2016 ، كما انضمت إلى البرتوكول الاختياري في العام 1961 واتفاقية منظمة الوحدة الافريقية المسؤولة عن ملف اللاجئين في أفريقيا لعام 1969.

 

فئات السودانيين في مصر

السودانيون الموجودون في مصر ليسوا جميعا لاجئين، بل أن هناك 4 فئات سودانية موجودة في مصر، وهم على النحو التالي:

سودانيون حضروا إلى مصر بهدف العلاج والتعليم.

سودانيون قادمون من دول الخليج لزيارة ذويهم والعودة مرة أخرى.

مهاجرون سودانيون قادمون من دول أوروبا للالتحاق بالأهل ولقائهم.

السودانيون المقيمين في مصر منذ عام 1995، هروبا من حكم البشير.

الأوضاع في السودان.. السبب

تسبب الوضع المعيشي المتدني في السودان، في جعل الكثيرون يقبلون العنصرية وانتهاك حرياتهم في الدول التي لجأوا لها ومنها مصر، حيث عاشوا في بلادهم حالة من القهر والبؤس دفعتهم إلى مغادرتها.

خلال عام 1989 حدث انقلاب عسكري ذو مرجعية إخوانية في السودان، وهذا الانقلاب بعد سيطرته على الحكم سعى جاهدًا لتمكين حزبه وشرد كل صاحب رأي، كما توالت الحروب داخل السودان في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وهو ما نتج عنه موت الآلاف، وأقيمت دولة الحزب بدلًا من دولة المواطنة، ففر الكثير من الشعب السوداني طالبا اللجوء هربًا من الموت، فضلا عما تعانيه السودان من انهيار في البنية التحتية سواء على المستوى الصحي والمعيشي.

 

اقرأ أيضا:

“العليا الدائمة لحقوق الإنسان” ترصد جهود مصر في دعم اللاجئين على أراضيها

 

كورونا.. وإغلاق المعابر

بعد انتشار فيروس كورونا، كان هناك نحو 1200 مواطن سوداني قدموا إلى مصر لتلقي العلاج ذهبوا إلى منطقة السباعية، بالقرب من الحدود المصرية السودانية، وهى أول مركز في أسوان، إلا أن الحكومة السودانية أغلقت معابرها خوفًا من حملهم لفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، وقام الأهالي في “أدفو والسباعية وإسنا” بتجهيز الطعام للسودانيين و إمدادهم بالأدوية اللازمة للمرضى المتجاوز عددهم الـ 100 شخص طوال فترة وجودهم في السباعية.

في هذا الصدد، قال فيصل محمد صالح، وزير الإعلام السوداني،: إن الاستراتيجية الصحية في مواجهة كورونا والإجراءات الاحترازية كان من بينها غلق المعابر، نظرًا لضعف النظام الصحي وتهالكه وعدم قدرته على مواجهة الفيروس.

وأضاف “صالح”، في تصريحات تليفزيونية، أنهم فتحوا المعابر للعالقين فترة وتم إغلاقها، مؤكدًا أنه لا توجد أية إمكانية لحجر المواطنين العالقين في الخارج، خاصة بعد الرفض المجتمعي لإقامة مناطق حجر بالقرب من السكان.