تعاني بعض الأقليات في إيران، من الاضطهاد والمعاملة التي تصل إلى حد الإبعاد عن ممارسة العمل السياسي أو حتى العبادة والاعتقاد بحرية، أو الوصول لمناصب قيادية رسمية، إلا أن لليهود الإيرانيين مكانة خاصة، ربما تدفع إلى الاستغراب من  أن معيارها الوحيد هو “الأقدمية”، رغم تقلص عدد اليهود في البلاد بفعل هجرتين، الأولى عقب تأسيس إسرائيل، والأخرى بعد نجاح الثورة الإيرانية.

“يهود إيران”.. حقوق وحريات متكاملة بأمر القانونيُعتبر اليهود الفرس من أقدم وأكبر الجاليات اليهودية المتواجدة في العالم، ويرجع تاريخهم في إيران إلى أكثر من 2500 سنة قبل الميلاد، وبالتحديد عقب استيلاء الملك نبوخذ نصر على القدس وسبي الآلاف منهم، ونفيهم وتشتيتهم في كافة ربوع الشرق الأوسط، إلا أن أغلبهم استوطن اليمن والعراق وإيران.

يهود إيران الآن

استطاع اليهود التأقلم مع المجتمع الإيراني، الذي أطلق على مواطنيهم اسم “الطيالسة” نسبة إلى الرداء الأبيض الذي يرتدونه على رؤوسهم وأكتافهم، ويصل عددهم حاليًا إلى أكثر من 50 ألف شخص، معظمهم في مدن “طهران وشيراز وأصفهان”، والباقين موزعين على كافة أنحاء البلاد دون إجبارهم على البقاء في مناطق محددة، كما يحدث مع غيرهم من أقليات.

 

الحقبة البهلوية

اتسمت حياة اليهود في عهد الشاه الراحل محمد رضا، بالأمان والاستقرار، كما ربطتهم علاقة قوية بحاكمهم، حتى تجاوز عددهم 80 ألف شخصًا، وأسسوا العديد من الجمعيات الخيرية لمساعدة الفقراء من طائفتهم، التي ترأسها حبيب غاليان، أحد أكبر تجار إيران.

 

اقرأ أيضًا:

مسيحيو إيران.. أقلية محصنة دستوريًا وحجاب نسائها إلزامي

 

انقلاب بعد الثورة

عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979م والإطاحة بـ”النظام البهلوى” ساءت أوضاع “اليهود”، وألقى القبض على أبرز رموزهم حبيب غاليان، وتمت محاكمته بتهمه التجسس ونقل أخبار إيران لصالح إسرائيل، وتم إعدامه رميًا بالرصاص، وقبل أن تصادر ممتلكات اليهود، لجأوا إلى الهجرة لكيانهم الجديد إسرائيل ودولتهم الراعية الأولى أمريكا، وبلغ عدد المهاجرين حينها 60 ألف يهودي، وسط توقعات باستمرار تدهور أوضاعهم حسب المؤرخ “بنياد فرهنكي” في كتابه “تاريخ جامع يهوديان إيران”.

رسائل الاطمئنان

في العام ذاته، أصدر زعيم الثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله الخوميني، فتوى تفيد بأن اليهود أقلية دينية، وأن الاعتداء عليهم حرام شرعًا، فعاد الاستقرار التدريجي لمن بقي منهم، ومُنحوا حقوقًا أكبر من التي حصلوا عليها حتى قبل قيام الثورة، مما تسبب في تراجع معدلات الهجرة إلى إسرائيل حتى بلغت صفر بالمئة.

الاندماج

نائب مجلس الشورى الإيراني، سيامك مور صادق، قال إن اليهود في إيران لديهم مطلق الحرية في اختيار أماكن معيشتهم، وأن القانون الإيراني لا يمارس أي ضغط عليهم للتمركز في منطقة بعينها، وهو ما جعلهم ينتشرون في كافة أنحاء إيران.

 

وأشار “صادق” والذي يمثل اليهود في البرلمان، إلى أن أوضاع الأقليات الدينية في إيران سيئ للغاية، إلا أن اليهود لا يحتاجون أي مساعدات خارجية لتوفيق أوضاعهم، فهم يمتلكون وسائل وأطر محددة للتعامل مع السلطات لحل مشكلاتهم، مشددًا على تحسن أوضاع تلك الأقليات عقب قيام الثورة الإسلامية.

وقال: “نحن نتمتع بالحقوق والمساواة الكاملة مع الآخرين، نصلي باللغة العبرية، ونتحدث الفارسية، وعدد معابدنا يفوق 50 معبدًا، وأماكن عبادتنا الإيرانية الوحيدة في العالم التي لا تحتاج إلى أمن يحميها، ولم يرصد التاريخ أي هجوم منظم أو فردي عليها، فنحن ننعم بالأمان والاستقرار، وعلاقتنا برؤساء الدولة على ما يرام وأكبر ما يبرهن على ذلك زيارة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي عام 2003، لكنيس يوسف آباد، في زيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ قيام الثورة الإسلامية”.

أما رئيس جمعية اليهود في إيران” همايون سامه يح” فقال “نحن في أمان تام لا نتعرض لأي اضطهاد في ظل قيام الدولة الإسلامية الإيرانية، ومعابدنا تحظى بأمان أكثر من نظيرتها المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية، فحال يهود إيران أفضل عن غيرهم حول العالم”.

وفي سبتمبر الماضي، هنأ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، يهود إيران بمناسبة العام اليهودي الجديد، عبر تدوينة له عبر موقع نشر التغريدات “تويتر” وبثلاث لغات قائلا: “سنة جديدة سعيدة لمواطنينا اليهود ولجميع الأتباع الحقيقيين للنبي العظيم موسى عليه السلام”.

سبقه بعدة أيام مساعد الرئيس الإيراني الخاص لشؤون الأقليات العرقية والدينية، علي يونس، والذي بعث برسالة إلى المواطنين اليهود، قال فيها إنه يتمنى “السلام والنجاح والكرامة للإيرانيين اليهود”. 

حقوق وواجبات

يتمتع اليهود في إيران بحقوقهم الدستورية كاملة، ولهم نائب يمثلهم في مجلس الشورى الإسلامي، ورغم تمتعهم بعدد كبير من الامتيازات والحقوق، إلا أن نساءهم مجبرات على ارتداء الحجاب طبقًا للقانون الإيراني، ولهم مدارسهم الخاصة التي يُسمح فيها بتعلم اللغة العبرية لقراءة التوراة بغرض الحفاظ على هويتهم وعدم طمسها، كما أن لهم نواديهم ومطاعمهم، ومستشفيات خيرية يعمل على إدارتها مسلمون ويهود، كما تسمح لهم الدولة بالسفر إلى إسرائيل للعبادة.

 

ويسمح نظام الملالي بزيارة الإيرانيين المقيمين في إسرائيل لمسقط رأسهم لدواعٍ إنسانية، وعلى عكس ما يتوقع نتيجة لتوتر العلاقات الإيرانية الإسرائيلية – ظاهريًا.

ورغم كل تلك المساحة الشاسعة من الحرية، إلا أن السلطات تحرم اليهود هناك من بلوغ أي مناصب إدارية في الدولة، وتفضل القيام بأعمالهم الخاصة تحت رقابة مشددة منها.

 

 إسرائيل عدو

يرفض يهود إيران، الممارسات الإسرائيلية بدعوى تنافيها مع الأسس الدينية ومبادئ الديانة اليهودية والتوراة والتلمود، كما أنها تقتل آلاف الأبرياء، منذ قيام الحركة الأولى الصهيونية.

 

اقرأ أيضًا:

تهاوي النفوذ.. الثعلب الإيراني يواصل دفع ثمن مقتل “سليماني”

 

وفي أكثر من مناسبة أعلنت الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض الكُنس الصهوينية، أنها ستدفع 10 آلاف دولار نقدًا لكل إيراني يهودي يهاجر إلى “إسرائيل”، إلا أن الدعوة قوبلت بالرفض لتمسك يهود فارس بهويتهم، وتأكيدهم على أنهم إيرانيون قبل أن يكونوا يهودًا، وغير مستعدين للبعد عن وطنهم، وموقفهم من إسرائيل هو موقف الحكومة الإيرانية، التي تعلن رسميًا أن إسرائيل عدو، وأنه حال نشوب حرب بين البلدين فإنهم مجندون لمحاربة إسرائيل دفاعًا عن دولتهم الإيرانية.

مشاهير في إسرائيل

يمتلك اليهود الإيرانيون عددًا من القيادات والنخب في كافة المجالات، إلا أن أبرزهم غادر إيران إلى إسرائيل عقب ثورة عام 1979، ويأتي على رأسهم موشيه كاستاف، الرئيس الإسرائيلي الثامن، الذي اعتبر أول رئيس للكيان الصهيوني من أصول شرقية، فهو قد ولد عام 1945 في مدينة يزد بإيران.

 

وكذلك المذيع في “صوت إسرائيل” مناشيه أمير، والذي اقترن اسمه بالإذاعة الناطقة بالفارسية ومقرها القدس، ويظهر وجود مثل هذه الإذاعة مدى اهتمام إسرائيل بالشأن الإيراني.