رغم كثافتهم العددية، وأصولهم الممتدة إلى الأراضي الإيرانية، إلا أن البهائيون وهم الأقلية الأكبر في بلاد فارس، يجدون صعوبة تامة في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، حيث حرمتهم الحكومة الإيرانية من التعليم والمناصب وزجت بهم داخل السجون، رغم مزاعم الدستور الإيراني، بأن الدولة تكفل حقوق الأقليات في البلاد.

يُعتبر البهائيون، أكبر أقلية عددية غير مسلمة في إيران، إذ يتراوح عددهم بين 300 إلى 400 ألف، ويتحدثون اللغة الفارسية، ولم

تعترف الدولة الإيرانية بالدين البهائي كديانة رسمية بل يعتبر مذهب غير رسمي.

مؤسس الديانة البهائية

تأسست الديانة البهائية على يد أحد نبلاء الفرس ويدعى “حسين علي النوري ميزرا” ولقب بـ”حضرت بهاء الله”، ولد في طهران عام 1817م، كانت عائلته تمتلك أراض واسعة وعقارات عدة، كما كانت تتمتع بمكانة ثرية في المجتمع الفارسي آن ذاك.

عُرض عليه من قبل الحكومة الفارسية تولي مركزًا مرموقًا في الدولة ولكنه رفض، مكرسًا حياته لعمل مشاريع للفقراء وتلبية احتياجاتهم، حيث أُطلق عليه لقب أبو الفقراء.

 

 

تأسيس الديانة البهائية

أسس “بهاء الله”، الديانة البهائية كما يقول أنصارها عام 1863م، ونُفي وسُجن عدة مرات لإقامة هذه الدعوة الدينية، إلا أنه لم يستسلم للنفي والعذاب الذي لاقاه، لكنه كتب عدة كتب تشرح معتقداته والأسس التي تقوم عليها تلك الديانة، ومن أهمها “الكتاب الأقدس”.

توفي “بهاء الله”، عام 1892 في عكا، وأصبح ضريحه أكثر الأماكن قدسية لأصحاب تلك الديانة، و واصل نجله “عبد البهاء” مسيرته ونشر تعاليمه في جميع أنحاء العالم حتي توفي عام 1921، حسبما ذكر في كتاب “معرفي ديانة بهائي تقديم فارسي”.

 

 

أسس الديانة البهائية

تقوم الديانة البهائية، على ثلاثة معتقدات وهما، وحدة الخالق، وحدة الجنس البشري، ووحدة الديانات، كما أنهم لا يعتقدون أن الديانة الإسلامية هي الديانة السماوية الأخيرة، بل البهائية هي الأخيرة حسب معتقدهم.

ويؤمن البهائيون، بكافة الأنبياء والمرسلين، حتى أنهم مؤمنين ببوذا وكريشنا وزديشت، ويعتقدون أن مؤسس ديانتهم هو “صاحب الرسالة الإلهية والمربي الروحي الخاص بأهل هذا الزمان”.

تعد صلواتهم وتضرعاتهم فردية، ولا يمارسون الصلوات الجماعية إلا في “صلاة الدفن”، فيتجمعون لقراءة الأدعية إما في الأماكن العامة أو في منازلهم، ويصومون شهرًا واحدًا في نهاية العام البهائي الذي يعادل شهر مارس، من الشروق إلى الغروب دون طعام وشراب، ويحرمون شرب الخمور معللين ذلك بأنها تذهب العقل وتساعد على ممارسة الفواحش، كما تحرم الديانة البهائية تعدد الزيجات.

يعتبر البهائيون، مدينة “حيفا” المتواجدة في فلسطين، مركزهم العالمي، وأكثر أماكن قدسية بالنسبة لهم، لوجود ضريح “عباس أفندي” ابن بهاء الله، وضريح “حضرة الباب” الذي بشر بقدوم بهاء الله.

الحساب عند البهائيون

لا يعتقد البهائيون بقضية الثواب والعقاب المادية، ولكنهم يؤمنون بها من الناحية الروحية، إذ لا يعتقدون بوجود جنة ونار أو ملائكة وجن، كما لا يوجد لديهم وظائف دينية أو رتب كهنوتية أو أماكن خاصة للعبادة، وتمنع العقائد البهائية الاعتكاف للتعبد، والرهبنة، والدروشة، ولكنها تحث على ضرورة العمل والاجتهاد فيه فخلق الإنسان ليعمل بجد في الحياة، مع التحلي بالعفة والطهارة والأخلاق الحميدة، ويُعتبر العمل لغرض خدمة المجتمع هو العبادة في حد ذاته.

النجمة التساعية

تعتبر النجمة التساعية، هي رمز الوحدة عند البهائيين، ويتخذوا رقم 9 رمز الكمال لأنه أعلى قيمة مكونة من رقم واحد.

 

وضع البهائيون في إيران

يتعرض البهائيون، للقمع في إيران منذ القرن التاسع عشر حتى الآن على الرغم من أن طهران تشهد مولد الديانة “البهائية”، وتعمل الحكومة هناك على تدمير معابدهم، إلا أنهم ظلوا أصحاب حق في تولي مناصب حكومية، وحق التعليم، حتى قيام الثورة الإسلامية، التي كنت لهم العداء الواضح والمُمنهج، وفي عام 1983م حظرت البهائية نهائيًا هناك.

وبدأت الحكومة، في إرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة للبهائيين تفيد بأن وجودهم غير مرغوب فيه، وأن مجتمعاتهم غير مرحب بها، وذلك عبر هدم معابدهم ومستشفياتهم والاستيلاء على مصانعهم، كل ما سبق تسبب في حشد الإيرانيون ذاتهم على أتباع الديانة البهائية.

تجلى ذلك فيما ذكره أهل مدينة “سمنان” الذين قالوا “إن استطاعتنا إخراجهم من تلك المدينة نستطيع إخراجهم من جميع إنحاء إيران”.

 

ملاحقات أمنية

وألقت الشرطة الإيرانية، القبض على المئات من البهائيين وزجت بهم في السجون، وأصدرت أحكام تعسفية ضدهم، بالإضافة إلى تعذيبهم، وسجنهم لسنوات عدة دون محاكمات بالمخالفة للقوانين الإيرانية.

قالت ممثلة الجماعة البهائية في الأمم المتحدة “باني دوغال”، إن “المجمع العالمي البهائي، يعتبر الموجة الأخيرة من المضايقات على البهائيين في إيران خطر جديد، ويدعو المجتمع الدولي إلى لفت الانتباه إلى هذه القضايا التي تعكس تدهور الأوضاع الحقوقية أكثر فأكثر، وتأكيدًا على أتباع تلك الديانة لا يمكنهم العيش في إيران”.

 

وتعبر الحكومة الإيرانية، أن المنتميين للدين البهائي أعداء لبلادهم، ينشرون الفوضى ويعملون على إسقاط الدولة، لذا تتعامل معهم بشدة وحسم عند ارتكاب أعمال الفوضى.

وبحسب ما رصدت صحيفة “جوان” الإيرانية، أن قوات الأمن ألقت القبض على خمسة إيرانيون، بتهمة ارتكاب أعمال العنف أثناء إجراء الانتخابات الرئاسية، وكشفت التحقيقات انتمائهم للديانة البهائية.

الحق في التعليم

لم ينال البهائيين حقوقهم التعليمية في إيران، كما تم طرد العديد من المعلمون من مدارس طهران، وأُلقي القبض عليهم أيضًا، وحاولت الحكومة الإيرانية معرفة عدد الأطفال البهائيون في مرحلة “رياض الأطفال”، بناءً على طلب المرشد الأعلى للثورة الإيرانية “أيه الله الخامنئي”، لحصر عدد البهائيون في أنحاء إيران ومن ثم تعسيفهم حسبما كشفت المحامية والناشطة في حقوق الإنسان السيدة “أسمى جهانجير”.

 

 

بهائيون في المنفى

غادر الكثير من البهائيون بلادهم، للحصول على الحرية في التعبير عن وضعهم الداخلي في إيران، مطالبين منظمات حقوق الإنسان العالمية بالنظر في قضيتهم، والنظر في شؤونهم الداخلية وحقوقهم المهدورة.

يقول الصحفي الإيراني ومخرج الأفلام الوثائقية “أراش عزيزي”: “لا يوجد فرق بين ما واجهه الأفارقة السود في جنوب أفريقيا أثناء نظام الأبارتيد من اضطهاد وتميز وتصفيات، عما يواجهه البهائيون في إيران، منذ بدء الحكم الملالي”.

دعى “أراش”، كل من يتناول قضايا الحريات والديمقراطية في إيران أن يتمركز حول وضع “البهائية” في البلاد، مطالبًا بمنحهم كافة حقوقهم كأبناء للوطن.

وسافر “عزيزي”، إلى مدينة “جوهانسبرج” إحدى مدن جنوب أفريقيا، لتصوير فيلمه الوثائقي “ثمن التميز” الذي يتناول عدة قضايا يحكي من خلاله عن قصص “بهائيين إيرانيين” جاءوا إلى جنوب إفريقيا هربًا من التضيق الذي يلاقوه في بلادهم، لحد حرمان أطفالهم من حق التعليم، وحتى أحقية دفن موتاهم.

وقالت ممثلة البهائيين لدى مجلس حقوق الإنسان بجينيف “ديان علي”: “يعاني البهائيين من عدم الحصول على حقهم في التعليم العالي، ويزج بهم في السجون ويجدون صعوبة في الحصول وظائف، وحتى مقابرهم تتعرض للهدم”.

 

 

 

روادهم

لم يحظى البهائيون بمكانة مرموقة في المجتمع الإيراني، ولم يحصل كوادرهم على فرص تسمح لهم باعتلاء مناصب هامة أو إثبات أنفسهم في مجالات مختلفة فكان التضييق عليهم من قبل السلطات الإيرانية واضحًا من أجل محو هويتهم والقضاء على انتمائهم المذهبي.

ورغم ذلك تجد لدى أنصار التيار البهائي احتفاءً واسعًا بـ”عبد البهاء” نجل “بهاء الله” الذي ولد عام 1844م، والذي وصى له بالخلافة، وعرف عنه أنه شخص جاد، حتى كرمته بريطانيا ومنحته لقب “سير”، بالإضافة إلى العديد من الأوسمة التي حصل عليها.

أما شوقي أفندي، الذي ولد عام 1896م فعمل على إعداد جماعات بهائية في كافة ربوع العالم، ومات في لندن ودفن بها على أرض قدمتها المملكة البريطانية كهدية للطائفة البهائية..