تصاعدت الخلافات بين فرنسا وتركيا خلال الفترة الأخيرة، وكادت أن تصل إلى مواجهة عسكرية عندما تحرشت سفن تركية بأخرى فرنسية في البحر المتوسط الشهر الماضي. كاسرة قواعد الاشتباك الخاصة بحلف شمال الأطلسي “ناتو”، ورغم نفي تركيا الاتهام، فإن الناتو يجري تحقيقاً في الحادث.
وفي 22 يونيو الماضي، احتجزت تركيا أربعة فرنسيين للاشتباه في قيامهم بالتجسس لصالح بلادهم من خلال الجماعات المحافظة والدينية.
اتهامات متبادلة
الصراع بدأ في التصاعد منذ نوفمبر الماضي، بعدما تبادل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكورن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، الانتقادات بشأن هجوم أنقرة عبر الحدود في شمال شرق سوريا.
كما تبادلا أيضاً الاتهامات حول الأوضاع في ليبيا، واتهم “ماكرون” أنقرة بالتورط في لعبة خطيرة في ليبيا، وحث “أردوغان” على إنهاء أنشطته في البلد الذي مزقته الحرب.
وبدأ الصوت الفرنسي يرتفع ضد التدخل التركي في ليبيا في يناير الماضي، حين اتهم “ماكرون”، أردوغان، بخرق التعهدات التي قطعها على نفسه خلال مؤتمر برلين، من خلال إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، للقتال إلى جانب حكومة طرابلس، وإرسال أنقرة سفناً تسليحية إلى الميليشيات هناك.
وأعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، أن بلادها علقت مشاركتها في عملية حارس البحر، التي يقوم بها تحالف شمال الأطلسي قبالة ليبيا لمراقبة حظر توريد الأسلحة، في انتظار رد الحلف على الشروط الأربعة التي طلبتها فرنسا للاستمرار بالمهمة.
وقالت “بارلي”، أمام أعضاء لجنة الأمن والدفاع في البرلمان الأوروبي: “فرنسا اشترطت على حلف الناتو وجوب احترام الحلفاء حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا”.
وأكدت أن “سلوك الفرقاطة التركية إزاء نظيرتها الفرنسية كان عدائياً وغير مقبول”، مشددةً على أن “فرنسا تشترط حظر استخدام تركيا إحداثيات الناتو في عملياتها خارج مهمات الحلف”.
واستدعت وزارة الخارجية الفرنسية السفير التركي إسماعيل حقي موسى، لتفنيد مزاعم “غير دقيقة ومتحيزة”، أوردها خلال اجتماع مع أعضاء في مجلس الشيوخ الفرنسي الأسبوع الماضي، والتي اتهم فيها فرنسا بمحاباة القائد الليبي خليفة حفتر.
حلف شمال الأطلسي “الناتو”، بارك بشكل غير مباشر الخطوة الفرنسية، وأشار إلى أن قرار المشاركة بعملية “حارس البحر” سيادي، وأن الانسحاب الفرنسي من العملية التدريبية المشتركة في البحر المتوسط، لا يمكن التدخل فيه.
فرنسا كانت لاعباً رئيساً في الأزمة الليبية على مدار الأعوام الماضية، بعد إسقاط نظام معمر القذافي، بتدخل دولي قادته فرنسا.
الخلاف ليس ثنائياً
تحاول فرنسا جاهدة خلق اصطفاف أوروبي لمواجهة اللعبة التركية الخطرة في ليبيا، بما تمثله من تهديد للمصالح الاستراتيجية الأوروبية ككل، وليس فرنسا فقط، أقله وضع غاز ليبيا في أيدي أنقرة.
ليس هذا فحسب، بل إن هناك قلقاً فرنسياً وأوروبياً، من أن تصبح تركيا المتحكم في مسار الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، ما يعني ابتزازاً تركياً لأوروبا، مثلما فعلت أنقرة حين استخدمت حدودها مع اليونان، لابتزاز أوروبا في ملف المهاجرين السوريين.
اتجاه جيوسياسي
مارك بيريني، باحث في مؤسسة كارنيجي أوروبا، قال في تصريحات صحفية، إن “المنافسة المفترضة بين فرنسا وتركيا في ليبيا والبحر المتوسط ليست سوى زاوية واحدة لاتجاه جيوسياسي أوسع يشمل كل من روسيا وتركيا بطرق منسقة إلى حد ما”.
وأجرى “بيريني” سفير الاتحاد الأوروبي السابق في تركيا، مقارنة بين تحدي روسيا للكتلة الغربية والتحركات الأخيرة التي قامت بها تركيا.
وقال بدأت روسيا منذ فترة طويلة في تحدي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي بضم شبه جزيرة القرم، وواصلت مصالحها العسكرية والسياسية بتركيب أو توسيع القواعد في سوريا.
وبطريقة متسقة، توسّع موسكو الآن تواجدها العسكري إلى ليبيا، وبحسب صحيفة آراب نيوز البريطانية، فقد تتبع تركيا نفس النمط، بعد عملياتها العسكرية الأربع في شمال شرق سوريا.
وبالإضافة إلى شراء أنقرة المثير للجدل لنظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400يعتقد “بيريني” أن روسيا وتركيا خلقتا واقعًا جيوسياسيا جديدًا في الجناح الجنوبي لأوروبا.
الوضع أكثر تعقيداً
إيميري كيرسات كايا، المحلل الأمني في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية “إدام ” الذي يقع في إسطنبول، قال إذا لم يتمكن ممثلون مثل ألمانيا أو إيطاليا من سد الفجوة، فقد يتحول الوضع الحالي إلى تنافس جيوسياسي.
وأضاف “هناك حاجة واضحة لحكم، الوضع أكثر تعقيدًا من الاختلافات الإيديولوجية”.
وتابع أن الأمر يتعلق بالمصالح المتضاربة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وحتى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، مشيراً إلى أن مثل هذا الصراع قد يكون له آثار هيكلية على الناتو.
ولفت إلى أن باريس اختارت الانحياز إلى خصوم أنقرة الإقليميين مثل وحدات حماية الشعب الكردية السورية ومصر والإمارات العربية المتحدة.
تنافس
ويعتقد أوزجور أنلوهيسارسيكلي، مدير مكتب أنقرة لصندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة، أن المصالح المتضاربة لتركيا وفرنسا خلقت منافسة جيوسياسية مشتعلة بين البلدين، خاصة في ليبيا.
وأضاف أنه ما لم يتم التوصل إلى أسلوب حياة بين تركيا وفرنسا، فإن هذه المنافسة يمكن أن تتطور إلى تنافس ينعكس لا محالة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، مما يجعل حتى التعاون في المعاملات بين البلدين صعبًا للغاية.
وخلصت صحيفة “آراب نيوز” في تقريرها، إلى أن فرنسا تستعد لقيادة تحالف أوروبي عربي للتصدي لأطماع تركيا في ليبيا، مشيرة إلى أن القمة السادسة لرؤساء دول مجموعة الساحل الأفريقي الخمس، في العاصمة الموريتانية نواكشوط، تمثل أولى التحركات الفرنسية، لتوسيع دائرة الضغوط والحشد ضد التدخلات التركية في ليبيا.