حلم عودة الإمبراطورية العثمانية، لا يزال يراوغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قاد غزوات عديدة في سوريا والعراق وليبيا، ودخلت أنقرة العثمانية الجديدة في الصراع الليبي، وتهيمن على الأراضي في جميع أنحاء شمال شرق سوريا، وتوطد العلاقات مع الدوحة وطهران، وشنت الأسبوع الماضي هجومًا آخر ضد الأكراد العراقيين. ليس لدى “أردوغان” أي نية عن التخلي عن غزواته في المنطقة، حيث أنه يأمل “أردوغان” أن يغمض العالم نظره لبسط نفوذه على العالم.

الأكراد شعب بلا دولة يتراوح عددهم بحسب المصادر ما بين 25 إلى 35 مليون نسمة، ويتوزعون بشكل أساسي في أربع دول. وهم شعب من أصول هندو-أوروبية يتحدرون من القبائل الميدية التي استوطنت بلاد فارس القديمة وأسست إمبراطورية في القرن السابع قبل الميلاد.

يتوزّع الأكراد على غالبية ساحقة من المسلمين السنّة وأقليات غير مسلمة، وعلى أحزاب سياسية علمانية في الغالب، في حين تتوزع مناطقهم على مساحة تبلغ حوالي نصف مليون كلم مربع، تتقاسمها أربع دول هي تركيا وإيران والعراق وسوريا.

يعيش القسم الأكبر منهم في تركيا، ما بين 12 إلى 15 مليون نسمة، حوالي 20% من إجمالي السكان، ثم إيران حوالي 6 ملايين، أقل من 10%، ثم العراق نحو 6 ملايين نسمة، ما بين 15 إلى 20%، وأخيرا سورياً (أكثر من مليوني نسمة، 15% من السكان. وبالإضافة إلى هذه الدول الأربع، تعيش أعداد كبيرة من الأكراد في كل من أذربيجان وأرمينيا ولبنان إضافة إلى أوروبا خصوصاً في ألمانيا.

أكراد سوريا

في سوريا، عانى الأكراد على مدى عقود من تهميش واضطهاد مارسهما بحقهم النظام البعثي. وعندما اندلع النزاع بين النظام والمعارضة في 2011 وقف الأكراد على “الحياد”. وأعلنوا في عام 2016 إنشاء “منطقة إدارة ذاتية” واسعة في شمال البلاد، مؤلفة من ثلاث أجزاء، أثار تشكليها عداوة قوات المعارضة وعدائية من تركيا المجاورة.

في تركيا، بدأ حزب العمال الكردستاني، الذي أنشأه عبد الله أوجلان في عام 1978، تمردا منذ عام 1984 ضد السلطات التركية من أجل حقوق الأكراد الثقافية والسياسية، واستؤنف النزاع المسلح بين القوات الحكومية وحزب العمال الكردستاني في صيف 2015، في أعقاب انهيار وقف إطلاق النار الموقع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستانى بعد عملية انتحارية لتنظيم داعش، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من ثلاثين كرديًا بالقرب من الحدود السورية.

بعد محاولة الانقلاب في يوليو 2016 ، قام أردوغان بقمع المتآمرين الانقلاب المشتبه بهم، واعتقل ما يقدر بنحو خمسين ألف شخصا، وزاد الضربات الجوية على مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا.

اقرأ أيضا:

“بي بي سي”: تركيا وروسيا تسعيان لاستنساخ صفقتهما بسوريا في ليبيا

يحارب المقاتلون الأكراد السوريون تنظيم داعش إلى حد كبير كجزء من قوات سوريا الديمقراطية – تحالف من المقاتلين العرب والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة، وسمحت لهم الحرب التي بدأت عام 2011 للأكراد في شمال شرق البلاد بحكم أنفسهم مع انشغال الرئيس بشار الأسد بقتال مسلحي المعارضة في الغرب.

وعملت القوات الأمريكية مع وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا لإلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي عزز أمل الأكراد في أن يسهم دعم حليف غربي قوي لهم في تعزيز إدارتهم الذاتية التي لا تقف على أرض صلبة.

ومع انسحاب القوات الأمريكية، بدأ التوغل التركي. حيث تعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية جماعة إرهابية وامتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني في تركيا. وفي محاولة يائسة للتصدي للهجوم التركي اتفقت وحدات حماية الشعب مع الأسد على السماح لقواته بالدفاع عنهم، مُعيدة لدمشق السيطرة على أراضيها لأول مرة منذ سنوات.

ومع إنشاء المنطقة العازلة، تم استخدام الليرة التركية في جميع أنحاء هذه مناطق شمال سوريا، وهي المنطقة الذي يتواجد بها الأكراد في سوريا، ويحصل الموظفون المدنيون وقوات الأمن وبعض موظفي القطاع الخاص على أجور بالليرة التركي.

استعمار تركى

 تشارلز ليستر، الخبير الدولى في مكافحة الإرهاب، يقول “إن مغادرة ما يقرب من ثلث السوريين من عملتهم الوطنية قد يكون المسمار في نعش الاقتصاد السوري”. تعمل فروع الخدمة البريدية التركية كبنوك، وشبكة الكهرباء مغروسة بشبكة تركيا، كما يتم تدريس اللغة التركية والعربية بشكل مشترك في المدارس التي تديرها تركيا.  كما تدير إدارة الشؤون الدينية في تركيا التربية الدينية في شمال شرق سوريا وتشرف على الأئمة السوريين.

وحسب صحيفة “آراب نيوز ” البريطانية، فقد تخضع مدن مثل تل أبيض وجارابلس شمال سوريا الآن للحكم التركي المباشر، حيث تقدم أنقرة الخدمات الأساسية وتشرف على الحكم المحلي بما يتماشى مع سياستها المتمثلة في ضمان هيمنة ديموغرافية مؤيدة لتركيا على هذه المناطق.

توغل تركيا

قالت الكاتبة لصحفية “بريا علم الدين”، في نقابة الخدمات الاعلامية، عندما شرعت تركيا العام الماضي في احتلالها لشمال شرق سوريا، حذرني دبلوماسي أوروبي من أنها ستستخدم ذلك كنقطة انطلاق للتوغل ضد الأكراد في العراق.

ويبدو أن “اردوغان” يفترض أن الاحتلال يعادل في النهاية الملكية، حيث أن قصف المناطق المجاورة في شمال العراق، لإقليم كردستان بزعم مواجهة الارهاب، هو مؤشر على أن أردوغان يخطط لمزيد من التوسع. بالإضافة إلى مبررات الأمن القومي، تصور تركيا مغامراتها في سوريا وليبيا في نهاية المطاف عملية جني أرباح، على أمل الظهور كمستفيد رئيسيي من عقود إعادة الإعمار الضخمة. ومع ذلك، فإن محاولات احتكار احتياطيات النفط في هذه الدول تعوض جزئياً فقط التكلفة الضخمة للمشاركة العسكرية.

خلاف قديم

منذ العام الماضي، وقد أعلنت تركيا انها بدأت في شن هجمات على ميشليات يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن الخلاف بين تركيا والأكراد له جذور عميقة في ديناميكيات القوة الإقليمية التي خلقت شبكة متشابكة من المصالح.

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب كمنظمة إرهابية، ويقولون إنه امتداد لحزب العمال الكردستاني، الذي ناضل من أجل الحكم الذاتي الكردي في تركيا منذ عقود.

اقرأ أيضا:

بين الحروب والوباء .. “لاجئو ليبيا” مُعاناة إنسانية ووضع مأساوي

 

أكراد العراق

يستهدف الجيش التركي بانتظام قواعد حزب العمال الكردستاني في العراق. فقد شن الجيش التركي ضد الأكراد في العراق خلال الشهر الجاري، بالطائرات الجوية والبرية.

 وفي عام 2018، قال الرئيس التركي إنه سيشن عملية رسمية ضد الأكراد في العراق، كما أصدرت الحكومة العراقية شكاوى رسمية ضد عمليات التوغل التركية في أراضيها ذات السيادة.

وفي يناير 2019، زعمت الحكومة التركية أن المسلحين الأكراد الانفصاليين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني شنوا هجومًا على قاعدة للجيش التركي في شمال العراق أسفر عن أضرار في المعدات العسكرية دون وقوع إصابات.

وفي حينها، طلب إلهام أحمد، زعيم أكبر منظمة سياسية للأكراد السوريين، من الحكومات الغربية إنشاء قوة مراقبة دولية على طول الحدود السورية التركية.