تصاعدت الأحداث في أثيوبيا، بعد مقتل الناشط المعارض والمغني الشهير هاشالو هونديسا والملقب بفنان الثورة، حيث شهدت أديس ابابا احتجاجات موسعة لرفض السياسات القمعية التي تنتهجها الحكومة الأثيوبية، مما تسبب في حصد أرواح أكثر من 80 شخصًا، تبعها حملات اعتقالات للعديد من النشطاء السياسين.

ويري المراقبين، أن المشكلات الداخلية دائمًا ذريعة الإدارة الأثيوبية للتنصل من توقيع اتفاق نهائي بشأن قضية ملف سد النهضة، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصير دول المصب، مصر والسودان، من هذا الملف الشائك، مع توقعات بزيادة موجة العنف الداخلية.

تشهد أثيوبيا منذ الإثنين الماضي، اضطرابات دامية، علي خلفية مصرع المغني هاشالو هونديسا، الملقب “بفنان الثورة”، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو، بالرصاص بعد إجرائه مقابلة تلفزيونية، هاجم خلالها الائتلاف الحاكم، وهو ما يسلط الضوء على الانقسامات المتنامية في قاعدة أبي أحمد، وسط أبناء عرق الأورومو، حيث يزداد تحدي النشطاء العرقيين للحكومة بعد أن كانوا حلفاء لها .

ورغم ترحيب الكثيرون من “الأورومو”، بتولي آبي أحمد رئاسة الوزراء في 2018، لكن بعض النشطاء انتقدوا “آبي” علنًا، مؤكدين أنه لم يبذل جهدًا كافيًا من أجل مجتمعه العرقي بل إنه دفع بحزبه إلى الازدهار على حساب مصالح الأورومو.

اقرأ ايضًا:

81 قتيلًا في إثيوبيا.. دماء “فنان الثورة” تحاصر طموح “صاحب نوبل”

صراع تاريخي

ويرجح المختصون بالشأن الأفريقي أن حالة الغضب الذي شهدتها أثيوبيا بسبب “هونديسا”، تعود للصراعات ومظالم تاريخية كامنة في البلاد، يؤججها الاختلافات العرقية، حيث تدعي جماعة الأورومو، بأن العاصمة أديس ابابا هي مدينتهم، لأنها تقع بالكامل داخل إقليمهم.

وحذرت صحيفة الجارديان البريطانية، من تزايد موجة العنف في الداخل الأثيوبي، خلال الفترة المقبلة، ففي ظل حالة الانغلاق السياسي الراهن في البلاد على خلفية تأجيل الانتخابات قد تستمر الاحتجاجات، منوهة إلى أن عدم سيطرة آبي أحمد، علي الأحداث  قد تعجل بنهايته، حيث تدور العملية الانتخابية بالداخل على أساس حشد كتل تصويتية كبيرة من الجماعات العرقية.

وقال مدير مشروع القرن الأفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، موريثي موتيجا، إن التحول الداخلي يتسم بتوترات معقدة للغاية، وكان مقتل المغني الشاب سببًا رئيسيًا في اشتعال الأزمة بسبب الإحباطات التي لا يزال بعض المتظاهرين يشعرون بها، وما يحدث حاليا مجرد البداية.

وعلق آبي أحمد، علي الأحداث، قائلًا: “لقد فقدنا حياة ثمينة، نحن نتطلع إلى تحقيق الشرطة الكامل في هذا العمل الوحشي”، لكن وسائل إعلام عالمية وصفت تعامل حكومة آبي مع المتظاهرين بالوحشي.

وقالت فيسيها تيكل، الباحثة بمنظمة العفو الدولية، إن قوات الأمن تواصل استخدام القوة في التعامل مع المتظاهرين، مع استمرار قطع الإنترنت عن البلاد، مع استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع والهراوات.

وقال الناشط الإثيوبي أولو ألو، المحاضر في القانون بجامعة كيلي في إنجلترا، “كانت أعمال هاشالو هي الموسيقى التصويرية لثورة أورومو، عبقرية غنائية جسدت آمال وتطلعات جمهور أورومو”. 

وأعلنت شبكة أورومو الإعلامية، مداهمة قوات الشرطة مقرها في أثيوبيا وأغلقته بتهمة “تأجيج الفتن الطائفية والإثنية”، حيث كانت قد أجرت مقابلة الأسبوع الماضي، مع المغني الراحل، أعرب فيها عن إدانته للعنف الذي ارتكبه الأباطرة والأنظمة السابقة بحق شعب الأورومو وبخاصة الإمبراطور ميلنيك الثاني آنذاك.

اقرأ ايضًا: مفاوضات سد النهضة.. الاتحاد الإفريقي يبنى آمال الحل على إعلان المبادئ

الماضي الإمبراطوري

وأشار المراقبون، إلى رفض الأورومو المتزايد لرغبة آبي أحمد وحكومته، في إحياء الماضي الإمبراطوري في الحكم الذي يريد من خلاله صهر الاختلافات العرقية والثقافية والقومية للشعوب الإثيوبية التي تنتمي إلى نحو 50 عرقًا وثقافة مختلفة يعيشون في 10 أقاليم.  

لكن  التوترات الراهنة، عكست عمق الأزمة التي يعاني منها آبي أحمد والائتلاف الحاكم في إثيوبيا، خاصة بعد رفض نشطاء من الأورومو استغلال رئيس الوزراء الحالي قضية السد سياسياً لتعزيز شعبيته.

وأتاح آبي، حريات كبيرة على مستوى البلاد لكن أجزاء من أوروميا في الغرب والجنوب تخضع للحكم العسكري الاتحادي، حيث سجلت منظمة العفو الدولية أعمال قتل وانتهاكات تمارسها قوات الأمن.

وأثارت خطة حكومية لتوسعة العاصمة باستخدام أراض زراعية مملوكة للأورومو في عام 2015 احتجاجات استمرت ثلاث سنوات وقمعًا دمويًا قاد في نهاية الأمر إلى استقالة رئيس الوزراء انذالك وتعيين آبي أحمد.

اقرأ ايضًا: بدائل مصر بعد انتهاء مارثون مفاوضات السد (كروس ميديا)

 

سد النهضة

تأتي الاحتجاجات في أثيوبيا، وسط ترقب من دول المصب للأحداث الداخلية المتسارعة هناك، وذلك بعد الاتفاق علي استئناف قمة الاتحاد الأفريقي، المفاوضات من أجل الوصول إلى اتفاق خلال مهلة أسبوعين، رغم إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي عن بدء ملء السد خلال تلك المدة.

بينما يري “موتيجا”، أن الاضطرابات الداخلية في أثيوبيا سيكون لها تأثير حتمي في أزمة السد والمفاوضات المرتقبة، فالأمر تحول من الجانب الأثيوبي إلى أشبه بـ “مناورات سياسية”، بعد توظيف القضايا الخارجية في توحيد الداخل أو تبرير قمع، بحسب قوله.

وفي آخر تدوينة له، كتب الناشط الأثيوبي والمعارض، جوهر محمد، الذي تم اعتقاله علي خلفية الاحتجاجات الأخيرة: “بات الجميع يعلم أن قضية سد النهضة لم تعد فقط مشكلة، بل حرب”، معتبراً أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع مصر، ربما تتعرض أثيوبيا إلى الخطر خلال أسبوعين.

ويتخوف آخرون، من أن تتدخل الاتحاد الأفريقي في المفاوضات قد يعود إلى نقطة البداية، حيث أنه فشل في حل العديد من الأزمات السابقة، والدليل على ذلك هو تدخلات مجلس الأمن المتلاحقة في الأزمات الإقليمية، لذلك لن تفرط القاهرة في ورقة مجلس الأمن، بل ستعمل علي امساك العصا من المنتصف، حتي تبقي الأوساط الدولية درعها الحامي ضد أثيوبيا، بحسب “اسوشيسد برس” الأمريكية.

وتظل الاضرابات في أثيوبيا، خطر يداهم مفاوضات سد النهضة، فتزامن الاحتجاجات وتؤججها دائمًا في أثيوبيا قبيل حسم الخلاف حول السد يظل مسار جدل وتشكك من الأطراف الخارجية.