“قلق ورعب وخوف، تفاصيل مزعجة مش عارفة أنساها وكل شوية افتكرها ولحد دلوقتي مش قادرة أحكيها لحد”، بتلك العبارة بدأت مروة محمد روايتها حول تعرضها للتحرش للمرة الأولى في حياتها، وكان عمرها يبلغ في هذا التوقيت عشرة أعوام.
“مش فاكرة كنت في سنة كام بالضبط، كل اللي في ذاكرتي مش راضي يتمسح، كنا في حصة علوم، وطلعت أحل مسألة على السبورة، والمدرس وقتها اللي فاكرة اسمه وشكله وتفاصيله الحادثة كأنها امبارح وقف ورايا ولزق فيا وبدا يتحرك، ولأني كنت طفلة مكنتش فاهمة أي حاجة اللي حسيته وقتها إني مش فاهمة حاجة والتصرف غريب”.
لم تستطع “مروة” إخبار والدتها أو أشقائها بما حدث معها، لجهلها في بداية الأمر بما فعله المدرس، وعند كبرها في السن وإدراكها للموقف لم تستطع التحدث مع أحد عن تلك الواقعة: “لما كبرت شوية ودخلت إعدادي بدأت أفهم اللي عمله المدرس ده واللي كرره أكتر من مرة بعد كده، بس مقدرتش أحكي لحد ولا حتى حد من أصحابي”، بحسب “مروة”
الموقف الذي تعرضت له الفتاة الشابة، تبعاته السيئة على نفسيتها ظلت ملازمة لها لفترة طويلة، وسببت لها تخوفا كبيرا من الرجال، حتى لا تتعرض لهذا الأمر مجددا، وبرغم هذا الألم الكبير الذي سببه لها الموقف، لم تستطع إخبار أحد من أسرتها أو دائرة معارفها بحقيقة الأمر.
فتيات عدة يتعرضن لمواقف مشابهة من طبقات اجتماعية مختلفة، ويرفضن الحديث مع الأهل عن الواقعة، وعند إخبار الأهل في حالات عدة يلجأون أيضا للتكتم على الأمر، خوفا من “الفضيحة”، وهي الكلمة التي تستخدم دائما مع وقائع التحرش والاغتصاب، وربما يستخدمها الجاني في حالات عدة.
متحرش الجامعة الأمريكية
الساعات الماضية، شهدت تصدرًا لاسم طالب بالجامعة الأمريكية يدعى أحمد بسام زكي، ونشرت العشرات من الفتيات تجاوز عددهن الـ 50 فتاة شهادات حول التحرش بهن أو اغتصابهن، وفي التدوينات التي نشرتها الفتيات من حسابات بأسماء غير أسمائهن الحقيقية، كان الشخص المتهم بالتحرش يستخدم عبارة “الفضيحة” للضغط على ضحاياه، وفقا لما جاء في الشهادات.
الجامعة الأمريكية أصدرت بيانًا تؤكد خلاله أن الطالب المذكور ترك الجامعة في 2018، ولا علاقة له بالجامعة بعد هذا التاريخ، كما طالب المجلس القومي للمرأة الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش أو الاغتصاب التقدم ببلاغات للمجلس.
النيابة لم تتلقى بلاغات
وذكرت النيابة العامة، أن وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام، لم تتلقى أيَّ شكاوى رسمية أو بلاغات ضد المذكور من أي شاكية أو متضررة منه، سوى شكوى واحدة من إحدى الفتيات قدمتها عبر الرابط الإلكتروني الرسمي لتقديم الشكاوى إلى النيابة العامة، والتي أبلغت فيها عن واقعة تهديد المشكو في حقه لها خلال نوفمبر عام 2016 لممارسة الرذيلة معها، وجارٍ اتخاذ اللازم قانونًا بشأنه.
وشددت على أنه لم يُجرِ مكتب النائب العام أو أي إدارة به أو أي من النيابات على مستوى الجمهورية أيَّ اتصال بأي شاكية أو متضررة من المشكو في حقه المذكور، وأهابت النيابة العامة بكافة وسائل الإعلام والمواقع الإخبارية ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى توخي شديد الحذر والحرص فيما يُتداول من أخبار وبيانات عن النيابة العامة أو ما يتعلق بأعمالها واختصاصاتها، والالتزام بما تصدره إدارة البيان والتوجيه والتواصل الاجتماعي بمكتب النائب العام فقط- وحدها دون غيرها من بيانات وأخبار رسمية تتعلق بأعمال النيابة العامة باعتبارها الجهة الرسمية الوحيدة المختصة بذلك، مؤكدةً اتخاذَها كافة الإجراءات القانونية ضد ناشري ومروجي الإشاعات والأخبار الكاذبة، والتي من شأنها تكدير الأمن والسلم العام.
كبرت “مروة”، وتزوجت وأنجبت ولكن الموقف ما زال محفورا في ذاكرتها لا يعلم أحد عنه شيئا، بعكس ما حدث مع هدير علي التي تعرضت لواقعة تحرش وهي في المرحلة الثانوية: “كنت راجعة من درس وركبت تاكسي وبعد شوية لقيت سواق التاكسي يقول إنه عاوز يسيب البلد وقرفان منها وأنا مكنتش باصه له، وفجأة بصيت لقيته فاتح البنطلون ومطلع عضوه الذكري، فصرخت وهو خاف وقلت له يوقف وينزلني وأنا أصلا مكنش معايا فلوس لتاكسي تاني”.
وتابعت: “ركبت تاكسي تاني وقلت انزل تحت البيت وأطلب من ماما تنزل لي فلوس، ولما طلعت ماما لقتني بعيط، حكيت لها اللي حصل وفجأة وشها اتقلب وقالت لي اسكتي ووطي صوتك وأنت السبب من لبسك وشكلك، ووقتها حسيت إن في سكينة اتغرزت في قلبي مع إني كنت محجبة في الوقت ده”.
خذلان من الأهل
شعرت “هدير” بالخذلان من رد فعل والدتها، والذي كان أصعب عليها من واقعة التحرش، ونبهت عليها الأم بعدم التحدث عن الواقعة لأحد، وبالفعل لم تفتح الموضوع مع أحد، ولكن الموقف ظل حاضرا في ذاكرتها، بسبب تخلي والدتها عنها كما وصفت وتحمليها المسؤولية.
بعد وصول ” هدير ” للمرحلة الجامعية، ظلت العلاقة بينها وبين والدتها متوترة بسبب هذا الموقف: “يمكن مكنتش محتاجة منها أكتر من إنها تحضني وتطمني أو تطبطب عليا بس رد الفعل القاسي ده كان صعب أوي وكسر حاجة كبيرة من جوايا ناحيتها”.
خذلان الأهل أيضا تعرضت له شريهان محمد، عقب تعرضها لحادث تحرش على يد أحد أقاربها من الصغر: “كنت صغيرة أوي في ابتدائي وكان كل جمعة يجيلنا قرايبنا من البلد، وفيهم ولد أكبر مني وكنت بحب ألعب معاه، بس هو كان بيلعب معايا بطريقة واحدة بس يحطني على السرير ويلمس أجزاء من جسمي، ووقتها كنت فاكرة إنه لعب، بس زهقت من اللعبة دي اللي فضل يلعبها معايا سنين كل يوم جمعة”.
لوم للضحية
كبرت “شريهان”، وأدركت أن ما يقوم به أحد أقاربها فعل غير مرغوب به، فأخبرت شقيقها الأكبر: “مكنتش فاهمة أنه تحرش بالمعني الحرفي ليه بس كنت بشوف حاجات في التليفزيون لما واحد يبوس واحدة عيب، فروحت قلت لأخويا وحكت له بالتفصيل بس هو مصدقتنيش وقالي بطلي هبل وسبني ومشي”.
لا تعلم “شريهان” حتى الآن هل لم يصدقها شقيقها حقا، أم أنه قرر التخلي عنها؟، لكنها حاولت نسيان الأمر: “بعدت عن قريبنا ده خالص ومبقتش طايقه اشوفه لحد ما كبر وطبعا محدش يعرف السبب وحاولت أنسى الموقف بتاعي مع أخويا علشان مخسروش وكمان مخسرش نفسي”.
99% تعرضن للتحرش
قالت الجامعة الأمريكية، إن نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في 2017، ظهرت أن حوالى 99% من النساء المصريات تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي، وفي نفس العام أجرت مؤسسة “تومسون رويترز” لقضايا المرأة دراسة استقصائية في 19 مدينة ضخمة على مستوى العالم، كمؤشر عن معدلات العنف الجنسي والممارسات الثقافية الضارة التي تعانيها النساء في تلك المدن، وعن مدى إمكانية حصولهن على الرعاية الصحية الجيدة والتمويل والتعليم، وقد قام بالدراسة 15 خبيرًا في قضايا المرأة من مختلف الدول، وجاءت نتائجها بأن القاهرة أسوأ دول العالم من حيث التحرش الجنسي بالنساء.
في فبراير الماضي، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا بمنع مدرس من ممارسة مهنة التعليم بعد إدانته بالتحرش الجنسي بـ120 تلميذة في المرحلة الابتدائية بمحافظة الإسكندرية، ووفقا للقانون.
تم تشديد عقوبة التحرش في عام 2014 التي باتت تراوح بين الغرامة ثلاثة آلاف جنيه، كحد أدنى والحبس 5 سنوات مع غرامة 20 ألف جنيه كحد أقصى إذا كان المتحرش له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليها.
وتعد واقعة التحرش الجماعي بإحدى الفتيات في احتفالات رأس السنة بمدينة المنصورة، من أشهر وقائع التحرش، وأظهر الفيديو، الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حينها، عشرات الشباب وهم يتحرشون لفظياً وجسدياً بالفتاة، وسط صراخها، كما تبين من الفيديو وجود عدد من الشبان الذين هرعوا للإحاطة بها لحمايتها، ومن ثم دفعوها داخل سيارة لمغادرة المكان.
وأكدت دار الإفتاء المصرية في بيان لها، أن التحرش الجنسي حرامٌ شرعًا، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، وجريمةٌ يعاقب عليها القانون، ولا يصدر إلا عن ذوي الأهواء الدنيئة، والنفوس المريضة التي تُسوِّلُ لهم التلطُّخَ والتدنُّسَ بأوحال الشهوات بطريقةٍ بهيميةٍ، وبلا ضابط عقليٍّ أو إنسانيٍّ، وبرغم هذا تستمر حوادث التحرش التي تتعرض لها السيدات يوميا، وسط مخاوف من السيدات والفتيات اللاتي يتعرضن للوم دائما حتى ولو كانوا ضحايا.
*الأسماء الواردة بالتقرير مستعارة بناء على طلب المصادر للحفاظ على خصوصيتهن.