بقميص حريري، وبنطال أسود اللون، يقف “سمير” 42 سنة على باب محكمة الأسرة بمنطقة “الكيت كات” التابعة لمحافظة الجيزة، يتفحص شكله جيداً بمرآة السيارة التي يتكأ عليها، يراقب في هدوء حذر جميع السيدات المارة أمامه المتجهة إلى المحكمة أو الخارجة منها، تمر عليه نماذج مختلفة، يتطلع لاختيار فريسته التي سبق ووضع لها عددًا من المواصفات والشروط في مخيلته، وبما لديه من خبرات سابقة، ، فلا يهم اسمها أو شكلها، الأموال فقط وحدها تحسم اختياره لتلك المجهولة التي ينتظر أن يوقعها في شباكه، ويستحوذ على ما لديها أو بمعنى أدق يقتنص ميراثها ومعاشها، فهو محترف في “ملعب الأرامل”.

“سمير” مجرد نموذج أو حالة تفتح أمامنا عالمًا جديدًا من استغلال النساء في مصر، اللاتي تُوفي أزواجهن وتركوا لهن ميراثًا كبيرًا، أو معاشًا مجزيًا، بهدف استنزاف أموالهن في ظل غياب الحماية القانونية، أو التوعية المجتمعية لهن.

لم ييأس “سمير” بعد انتهاء اليوم الأول وعدم حصوله على ما يريد، ظل أسبوع كامل يكرر نفس الفعل، ولم يكن لديه مشكلة في أن يكرر ذلك طوال شهر كامل، إلى أن يحصل على سيدة تحمل المواصفات التي وضعها في قائمة أهدافه.

اختيار “سمير” وأمثاله لأبواب المحاكم كبداية لمسرح جريمتهم لم يكن عشوائيًا، فوقع خيارهم عليه بالتجربة التي أثمرت نجاحهم في اصطياد عدد من السيدات الأرامل من أمام أبواب محاكم الأسرة.

 

لم ينتظر “سمير” طويلاً حتى وقعت عينه على سيدة أربعينية ترتدي ملابس سوداء، تسير بمفردها بجوار سور المحكمة يبدو على ملامحها الانكسار بعض الشيء، يتردد قبل أن يعرض عليها مساعدته في تصوير بعض الأورق التي كانت تحملها، فتوافق على الفور دون تفكير، ليسيران صوب مكتبة التصوير ويتبادلان الحديث حول محامي جيد يعرفه “سمير” يساعدها في قضية الميراث التي تنوي رفعها ضد أهل زوجها المتوفي، الذين أقدموا على افتعال الشجار معها عقب وفاة الزوج بأيام قليلة.

3 ساعات بعدها كانت كفيلة ليتبادلا أرقام الهواتف، وبعد 3 أشهر تزوجا عرفياً حفاظاً على معاش “حنان” الكبير الذي ورثته من زوجها المتوفي، والذي ترك لها أيضاً شقة تمليك بحي المقطم، ومبلغًا تأمينيًا في أحد البنوك.

مرت سنة وتحول زواج “سمير” و”حنان” من السر إلى العلن، بعدما استيقظ الجيران على صوت صريخها وهي تستغيث من زوجها الذي انهال عليها ضربًا لرفضها إعطائه 2000 جنيه، وهو المبلغ الذي اعتاد أن يحصل عليه منها شهريًا، وانتهت قصتهما بجرح غائر في رأسها نُقلت على إثره للمستشفى بعد أن طلقها واختفى.

لماذا الأرامل؟

يقول محمود عبد الله، 56 سنة (عامل) في صناعة الجلود، إنه تزوج عرفيًا 3 مرات من سيدات أرامل في فترة لم تتجاوز 5 سنوات، اضطرته الظروف إلى الوقوع في طريق الثلاث سيدات، وهو يشعر بالذنب كثيراً الآن بعد مرور أكثر من 12 عامًا على علاقته بآخر سيدة.

وأوضح أنه من حي الدراسة، لم يكن لديه عمل طوال فترة شبابه بسبب سوء سمعته وتعاطيه لبعض المواد المخدرة، لجأ لاصطياد السيدات كوسيلة للحصول على المال، بدأ بعلاقات متعددة مع نساء بشكل عشوائي وكان يستهدف الثريات منهن، إلى أن توصل لأسلوب خاص به في إيقاع فريسته، واضعًا عددًا من المواصفات نصب عينيه، أولها وأهمها أن تكون أرملة منذ فترة قليلة، معللاً ذلك بأن السيدة التي توفى زوجها منذ فترة قريبة تكون حزينة مكسورة بعض الشيء، تحتاج من يؤازرها ويقف بجانبها.

الشرط الثاني، أن لا يكون لديها أطفال حتى يتمكن من الدخول لحياتها، موضحًا أنه لو توفر الشرط الثالث ربما يتخطى شرطه الثاني، وهو أن تكون لديها ثروة أو تركة كبيرة، وهو ما حدث في زيجته الثالثة، حيث كانت سيدة ثرية وتكبره بـ 8 أعوام ولديها طفلان، إلا ان هذا لم يغير رأيه في اختياره لها نظرًا لامتلاكها معاشًا كبيرًا من زوجها المتوفي وسيارة وبرج سكني، بالإضافة إلى أنها سيدة جميلة كانت كلها مقومات تدفعه للارتباط بها.

 

اقرأ أيضا:

مقابلة..مسئول قضائي : “أحيانا المجتمع يضع قيودا أمام ضحية التحرش لرد حقها”

 

تزوج “محمود” و”سمية” سرًا لسببين، الأول أن لا تُحرم من معاش زوجها السابق، والسبب الثاني أن لا يتدخل أهل الزوج المتوفي ليأخذوا منها الأبناء أو يطالبوها بالتنازل عن البرج السكني، فاختارت هي أن يكون الزواج عرفيًا، وهو ما توافق مع رغبة “محمود”.

واستمر ذلك عامان استحوذ خلالها على سيارتها، ومعاشها الشهري طوال تلك المدة، ثم طلقها بإرادته بعدما تعرض لحادث سيارة مروع كاد أن يفقد فيه حياته، ومن هنا توترت علاقتهما وقررا الانفصال، وبعد هذه الأرملة قرر “محمود” أن يبتعد عن هذا الطريق ويبتعد عن السيدات عمومًا سواء الأرامل أو غيرهن، خاصة أنه كان يقيم علاقات متعددة خلال زواجه بـ”سمية”، فلم يمنعه جمالها من ممارسة الخيانة وقتها، واستفاد من أموالها التي ادخرها طوال حياته وفتح ورشة لتصليح الجلود المستعملة.

 

زواج مشروط

“كان الشرط الوحيد حمايتي من أهل الزوج، والحفاظ على ممتلكاتي، لكن هذا لم يتحقق.. ” تقولها “منال عبد الهادي”، سيدة تبلغ من العمر 40 عامًا، توفي زوجها منذ 4 سنوات، دخلت في مشكلات كبيرة مع أهل الزوج بسبب مجوهرات كتبها لها الزوج ووثيقة تأمين على الحياة لصالحها.

لجأت بعدها “منال” لأحد الجيران لمساعدتها على الصمود ضد أهل الزوج، وبالفعل ساعدها حتى حصلت على كل حقوقها كاملة، وتزوجا رسميًا لتجد نفسها أمام محتال جديد، حاول سرقة مجوهراتها لكنها اكتشفت بمحض الصدفة، وطلبت منه الطلاق، ووافق على الفور مقابل أن تدفع له مبلغ 50 ألف جنيه وتتنازل عن كامل حقوقها، ووافقت للتخلص منه. 

نظرة سيئة

تتعرض المرأة الأرملة بعد وفاة زوجها لظلم كبير في المجتمعات العربية النامية فتقل احتمالية حصولها على ميراث الزوج أو معاشه، وهو ما يجعلها الطرف الأضعف في أي معادلة في حال تعرضت لأي مشكلة.

 

اقرأ أيضا:

ضحايا وجناة .. “العنف المنزلي” يشتتهم .. و” العزل الذاتي” يجمعهم

 

 

توجد عالميا 258 مليون أرملة في كل أنحاء العالم، ويعيش عُشرهن في فقر شديد، ومن المرجح أن عددهن الفعلي هو أكثر من ذلك بكثير، بل وربما ازداد مع تواصل انتشار فيروس كوفيد – 19 وتأثيراته في الصحة العامة، وارتفاع أعداد الوفيات، مع الأخذ في الاعتبار أن أكبر عدد من الأرامل عالمياً يوجد في دولة الصين.

 

ورغم هذا الرقم الكبير إلا أن المجتمع ينظر إلى الأرملة على أنها كائن ضعيف، مكسورة الجناح، تلقى معاملة سيئة تشكل انتهاكا من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، تتعلق أحيانًا بالحرمان من الإرث والطرد، وقد يصل الأمر إلى الاعتداء البدني عليها وتواجه وحدها مسؤولية رعاية أطفالها في حالة وجودهم، وفى بعض الظروف يصبح من المفروض عليها سداد ديون الزوج.

 حقوق قانونية

اهتم قانون الأحوال المدنية بوضع الزوجة الأرملة، فقد منحها حق الجمع بين معاشين “معاشها المستحق عن نفسها و معاش زوجها المتوفي”، كما منح للزوج الأرمل نفس الحقوق، وكذلك الأبناء يجوز لهم الجمع بين معاش الأب والأم معا بدون حدود، وهو ما أوضحه أحمد طه، محامي الأحوال الشخصية، مضيفًا أن هناك مشكلة تعاني منها الأرملة في حال زواجها بشكل شرعي تتمثل في إيقاف معغياب التوعية اش زوجها المتوفي، ويصبح من الصعب جداً إعادة استخراجه مرة أخرى، في حال طلاقها من الزوج الثاني، وتدخل في دائرة إجراءات وتعطيل تتجاوز عام لتتمكن من إعادة صرفه مرة أخرى، ولا يتم صرفه بأثر رجعي، وهو ما تحاول الكثير من السيدات الأرامل أن تطالب به على مدى السنوات الماضية.

وأضاف “طه” أن هناك تحركات للدولة على أرض الواقع لحماية وتكريم الأرامل، منها تخصيص قرية كاملة في صعيد مصر للنساء الأرامل والمطلقات تدعى قرية “سماحة” التابعة لمدينة إدفو، ويوجد بها ما يزيد عن 500 سيدة أرملة ومطلقة بشرط أن لا تتزوج طوال إقامتها بهذه القرية.

وقد خصصت الدولة بعض المناطق الزراعية لتلك السيدات كي يقمن بزراعتها وتربية الدواجن والماشية فيها، ومن ثم توفير مصدر رزق ثابت لهن، لسد احتياجاتهن.