“الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”.. مقولة نرددها دائمًا عند الخلاف في الرأي أو الأفكار أوالمعتقدات مع المحيطين، التي تتنوع درجة قربهم فإما أصدقاء أو أقارب من نفس العائلة، ولكن يبدو مؤخرًا أن تلك العبارة أصبحت لا تطبق، وأصبح الخلاف في الرأي يفسد للود قضية، وهو ما يظهر بشكل واضح على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مع ظهور قضية تتحول لرأي عام إما سياسية أو عقائدية أو فكرية، ويظهر هذا الخلاف أيضًا بين أفراد الأسرة الواحدة.

فلترة الحسابات

“أي حد شايف إن اللي متقف مع سارة حجازي وحش يا ريت يتفضل يمسحني من عنده، أه أنا وحشة وبدعم سارة الله يرحمها واللي زيها”.. عبارة تسببت في خسارة ميرال أحمد ما يقرب من 350 شخصًا من قائمة أصدقائها، وهو رقم اعتبرته صادمًا لوجود عدد كبير من الموجودين بقائمة الأصدقاء الخاصة بها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، يتبعون أفكار تراها مخالفة لما تؤمن به.

تُعد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، منبرًا خاصًا بصاحبها، يكتب عليها آراءه الشخصية، التي تُعبر عن معتقداته وأفكاره، ولكن في الفترة الأخيرة تعرضت لهجوم عنيف من المعارضين لها، كما ترى ميرال الطالبة بالسنة النهائية بكلية الهندسة: “أنا مؤمنة جدًا ان كل حد حر في رأيه وإن صفحة الفيسبوك بتاعت كل شخص هو حر فيها وأنا مفروض احترم رأيه زي مبطلب منه يحترم رأيي وده على الأقل مع الأصدقاء والمقربين مني، بس بصراحة بعد وفاة سارة لقيت هجوم عنيف على أي حد بيترحم حتى عليها وبوستات من نوعية فلترة الأكاونتات فدخلت أعبر عن رأيي وفوجئت أنه اتمسحت من عند الرقم الكبير ده من قائمة الأصدقاء”.

تلقت ميرال، مئات التعليقات، التي هاجمتها بسبب ترحمها على الناشطة السياسية سارة حجازي التي انتحرت في كندا، حيث اتهمها البعض بالإلحاد والشذوذ الجنسي، ولهذه الأسباب لا يمكن الترحم عليها، ليتحول الحديث عن وفاة الناشطة السياسية لتراشق بالألفاظ بين الداعمين لها عقب وفاتها، وبين المهاجمين لها ولمواقفها التي لم تجبر أحد لدعمها أو اعتناق نفس الأفكار التي تتبعها.

رسائل صادمة

تسببت أزمة وفاة سارة حجازي، في خسارة الكثير لأصدقائهم بسبب الخلاف في الأفكار، وهو ما حدث مع رامي منصور، محاسب بإحدى الشركات، عندما كتب منشورًا عن الراحلة، وعن ما تعرضت له من عنف وسجن أثر على حياتها، لتنهال عليه التعليقات الرافضة للمنشور: “بوستاتي كلها للأصدقاء بس ففوجئت إن كتير من صحابي ومنهم المقربين داخلين يهاجموني ويشتموني، ومنهم اللي مسحني من عنده بالفعل مع إني مطلبتش من حد إنه يوافق على البوست بس ليه الرافضين ليه يهاجموني ويشتموني كمان”.

الأمر الذي سبب صدمة لـ”رامي” كان رسالة تلقاها من أحد أصدقائه المقربين على البريد الوارد عقب المنشور الخاص به: “صاحبي كنت بحبه جدًا وكانت ليه أفكار مختلفة عني في السياسة والحياة، بس كنت بشوف ان ده مينفعش يأثر على علاقتنا وكل واحد ليه رأيه ومفروض يحترمه لقيته دخل بيقولي انه اتخدع فيا ومش عاوز يعرفني تاني وعملي بلوك لمجرد رأيي معجبوش وهو كمان بيكتب حاجات كتير مبتعجبنيش بس عمرى مفكرت أخسره بسببها”.

 

اقرأ أيضًا:

“السما أحلى من الأرض”.. سارة حجازي تستسلم لخيبات الأمل

 

مقطاعات من الأهل

الخلاف في الرأي وصل لخسارة بين أفراد الأسرة الواحدة، وهو مع حدث مع زينب علي، والتي تعمل مُدرسة، ومنذ ما يقرب من عام شاركت منشور كان يتحدث عن حقوق المتحولين جنسيا في الحصول على فرص مناسبة في العمل والحياة، وبعد وقت قليل من مشاركتها المنشور على صفحتها الخاصة، تلقت اتصالًا هاتفيًا من خالتها وابنتها يقولان لها: “انت عار على العيلة”، فتلفت الرسالة بصمت عجزت معه عن الرد: “حسيت ان لساني اتشل، ازاي حدد ممكن يوصفني بالوصف البشع ده لمجرد رأي أو صورة نزلتها على صفحتي الخاصة”.

بدأ الخلاف بعبارة قاسية وجهت لـ”زينب”، وانتهي بقطيعة بيها وبين خالتها وابنتها، وامتد الخلاف ليشمل باقي الخالات: “خالتي جمعت خالاتي البنات وقالت لهم بنت أختكم عايزة تحول الستات رجالة وهما كمان قاطعوني وكلموا ماما وهي كمان زعلت مني جامد وحاولت أفهمها إن الموضوع مش كده بس حتى علاقتي بأمي باظت في الوقت ده بسبب بوست على فيسبوك، وبخالاتي اتقطعت خالص”.

شهد عام 2013 العديد من الحوادث المرتبطة بالخلاف داخل الأسرة الواحدة، وكان الخلاف حينها على محمد مرسي، فبعد الإطاحة به من كرسي الرئاسة، بدأت الانقسامات والخلافات في الشارع السياسي بين المؤيدين لجماعة الإخوان والرافضين لها، وهو أمر منطقي في السياسة، ولكن غير المنطقي وصول هذا الخلاف للأسر، والجيران والأصدقاء أيضًا، وتسببه في خسارة العلاقات بينهم.

في شهر أكتوبر من عام 2013، أمرت نيابة بندر كفر الدوار، بضبط وإحضار موظف بشركة مياه البحيرة، بتهمة الشروع في قتل زوجته لسماعها أغنية “تسلم الأيادي”، ونشرت الصحف حينها أيضا وثائع عدة منها ويروى شاب فسخ خطبته بسبب أن الفتاة التي كان مرتبطًا بها كانت تؤيد جماعة الإخوان المسلمين، وتخرج معهم في مسيراتهم، وتعلق في غرفة نومها صورة لمحمد مرسي، وسيدة أجبرها والدها على الطلاق من زوجها بسبب أن حماتها وأخت زوجها مؤيدتان للسيسي، بالرغم من أن زوجها يلتزم الحياد الأمر الذي وصفه والدها بالسلبية حينها.

 

اقرأ أيضًا:

العنصرية في الملاعب.. هل دخلت مصر النفق المظلم؟

 

خلاف الرأي وثورة 30 يونيو

من جانبه قالت ابتسام مرسي، أستاذ علم الاجتماع، إن تلك المظاهر من الخلاف في الأفكار الذي يؤثر على العلاقات بين الأصدقاء وأفراد الأسرة الواحدة ظهر بشكل واضح عقب ثورة 30 يونيو، ويرجع السبب لأن الشعب المصري يفتقد ما يمكن وصفه بالممارسات السياسية الصحيحة، التي تحترم الرأي الآخر حتى مع الخلاف معه، ولكن ما يحدث هو أنه مع الخلاف في الفكر يحدث الخلاف بين الأشخاص نفسهم، وهو ما يجب مواجهته عن طريق المؤسسات الدينية، ووضع مناهج للطلاب توضح كيفية تقبل الرأي الآخر حتى ولو كان معارضًا لرأي الشخصين مع التركيز على الأمر نفسه من خلال وسائل الإعلام ذات التأثير القوي على المواطنين.