للوهلة الأولى التي يذكر فيها اسم الفنانة رجاء الجداوي سرعان ما ترتسم البسمة على الوجه تأثرًا بأدوارها السينمائية المميزة، فلم تكن مجرد مؤدية للأدوار ولكنها استطاعت أن تجد لها مساحة لا ينافسها فيها أحد، فدورها المميز وإطلالتها الجذابة في مختلف مراحل عمرها جعلتها محببة في قلوب الجميع صغارًا كانوا أو كبارًا.

عزفت رجاء الجداوي، على القلوب لحنًا أرستقراطيًا لطيفًا لم يكن به فجاجة في الأداء أو استفزاز لفئات اجتماعية أقل، وظلت تحافظ على روحها المتواضعة البسيطة بل والفقيرة أحيانًا بنفس مستوى الإبداع الأرستقراطي كما اتضح جليًا في آخر أعمالها “لعبة النسيان”، ولكنها حافظت دائمًا على قدر كبير من الحنان ظل يتدفق في جميع أدوارها.
رجاء الجداوي المثقفة
لم تكن الفنانة رجاء الجداوي فقط جميلة، ولكن لديها من المؤهلات ما جعلها “ملكة جمال القطن المصري”، لما تميزت به من ثقافة ومعلومات عامة وكانت تسافر كممثلة مصر في الكثير من الدول.
أكدت الراحلة رجاء الجداوي، في أحد لقاءاتها التلفزيونية في برنامج “صالون أنوشكا”، أنها كانت تقف أمام لجنة ضمت عددًا من أعلام مصر منهم: ” مصطفي أمين، أنيس منصور، فتحي أبو الفضل”، وتم اختبارها في المعلومات العامة عن القطن المصري، لدرجة أن أحد المحكمين تفاجأ من ردها الخاص برتب القطن المصري ودقة معرفتها لكل رتبة منه على حدى خاصة أنها معلومات فنية قد يجهلها المزارع نفسه.
حصلت رجاء الجداوي، على لقب معرفي مرتبط بالثقافة العامة، وتم تجهيزها كعارضة مصرية تمثل مصر في عدد من المحافل الدولية، ولم يكن الأمر هنا قاصرًا على المظهر ولكنه بالأساس تدعيم وتنمية للجوهر، وفي هذا الصدد أكدت الجداوي على أهمية الثقافة والمعرفة التي يجب أن تمتلكها الأنثى والتي في تقديرها أهم كثيًرا من الشكل الخارجي قائلة: “الجمال لا يكتمل بالمظهر الخارجي وحده فالجوهر أهم ومغازلة خلايا المخ والعقل في المرأة أهم والثقافة والمعرفة هما ما يميزان المرأة عن غيرها، فقد تكون هناك فتاة فاتنة وعندما تتحدث تنفرك منها على الفور”.
واعتبرت رجاء الجداوي، أن جوهر الأنثى الثقافي والمعرفي يُضفي لها لون مختلف عن سائر النساء ويعطيها جمال مميز أكثر جاذبية من الجمال الشكلي الفارغ من المحتوى قائلة: “كتير من البنات شكلهم حلو وبس لكن ميعرفوش حاجة وبعضهم جهلاء كثيرًا ما تتمنى ألا تسمع صوتهم”.

القراءة في حياة رجاء الجداوي
أعلنت الفنانة المثقفة، أكثر من مرة أن الكتاب كان أنيسها الوحيد في المدرسة الداخلية التي لم تكن تستطع مغادرتها وأنها كانت تمضي أغلب وقتها في القراءة والاضطلاع.
وقالت رجاء الجداوي: “أنا والكتاب أصدقاء من زمان هو الوحيد اللي كان بيقدر يخرجني برا سور المدرسة الداخلية للعالم الخارجي الذي كنت أتمنى التواجد فيه”، مؤكدة أن الكتاب كان ملاذها الآمن من الشعور بالوحدة والبعد عن الحياة وهو ما أعطاها فرصة كبيرة للاضطلاع والمعرفة أو على حد تعبيرها في أحد البرامج “كنت سوسة قراية ومذاكرة”.
نموذج رجاء الجداوي خلف لون جديد للفن، حيث أكدت أكثر من مرة أن للفنان شخصية يجب أن تظهر ليس في عمله الفني وحسب بل أيضًا في مناقشاته العامة وآراءه بشكل عام وهو الأمر الذي له درجة كبيرة من الأهمية، مشيرة إلى أنها تبحث دائما عن الجوهر داخل الأشخاص التي تلتقيهم وتهتم بإظهاره لأنه الإضافة الحقيقية لأي انسان وهذا الجوهر يتمثل في حجم مكتسبات الفرد من ثقافة عامة واضطلاع ومعرفة.

 

اقرأ أيضًا:

بعد إصابة “رجاء الجداوي” .. كيف ينظر المصريون للحقوق الصحية في أزمة كورونا؟

رحلتها الفنية
كانت رحلة الفنانة رجاء الجداوي، حافلة حيث قدمت نحو 250 عملًا فنيًا ما بين سينما ودراما ومسرح وكان أول أفلامها دعاء الكروان، وانطلقت بعد ذلك في مشوارها الفني مجسدة عشرات الأدوار في السينما المصرية منها “إشاعة حب، وثمن الغربة، حنفي الأبهة، أحلام الفتى الطائر، البيه البواب، تيمور وشفيقة، الثلاثة يشتغلونها، عوالم خفية، وكان لها حضور متميز على خشبة المسرح بصحبة الفنان عادل امام في مسرحية “الزعيم، والواد سيد الشغال”، ولها بصمات قوية في الدراما التليفزيونية منها “أوان الورد، نونة المأذونة، عائلة الحاج متولى، لعبة النسيان”.
جدير بالذكر أن الفنانة رجاء الجداوي أنهت اليوم مسيرة عطائها عن عمر يناهز الـ 82 عامًا بعد صراع دام 43 يوم مع فيروس كورونا المتحول “كوفيد 19”.

 

قرينة السيسي تنعي رجاء الجداوي
نعت السيدة انتصار السيسي، قرينة رئيس الجمهورية، وفاة الفنانة القديرة رجاء الجداوي، قائلة: ” أنعي ببالغ الحزن والأسى وفاة الفنانة القديرة رجاء الجداوي، والتي رحلت عن عالمنا اليوم، تاركة خلفها تاريخاً من الأعمال الفنية الراقية والصادقة، التي ستبقى باقية وخالدة في وجداننا وذاكرتنا للأبد، رحم الله الفنانة الكبيرة رجاء الجداوي وتغمدها بواسع رحمته”.

 

اقرأ أيضًا:

ملكة جمال القطن.. محطات الفن والموضة وتكريم الرؤساء في حياة رجاء الجداوي

وزيرة الثقافة تثني على ثقافة رجاء الجداوي

نعت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية، الفنانة الراحلة رجاء الجداوي مؤكدة أنها نموذج للفن الجاد الهادف مثنية على الشكل المميز الراقي التي قدمته في مختلف أعمالها وأكدت أن أعمالها ستبقى خالدة في ذاكرة الابداع.
وأضافت عبد الدايم، أن الفنانة رجاء الجداوي كانت مثقفة تمتاز بالحس المعرفي وهو ما اتضح في أعمالها ومسيرة عطاءها المتميزة.