ظلت العلاقة الاقتصادية بين مصر وتركيا، بمنأى عن توتر العلاقات السياسية بينهما منذ رحيل جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم عام 2013، فحجم التبادل التجاري بينهما شق طريقه بمعدلات نمو غير مسبوقة تحت شعار “التجارة لا تعترف إلا بالربح فقط”.

يسود المستوردون المصريون، حالة ترقب شديدة من إمكانية حدوث تغير في العلاقة الاقتصادية بين البلدين مستقبلاً على خلفية التدخل العسكري التركي في ليبيا والاتفاقيات التي وقعتها حكومة الوفاق في طرابلس والحكومة التركية، والتي أعادت الجدل مجددًا حول مدى استفادة مصر من الشراكة التجارية مع تركيا.

المنتجات التركية في السوق المصري

وقدمت وزارة التجارة والصناعة، أخيرًا، شكوى إلى منظمة التجارة العالمية تفيد إجرائها تحقيق مكافحة الإغراق ضد الواردات التركية من أصناف السجاد الميكانيكي، وأغطية الأرضيات من المواد النسيجية أو الصناعية أو التركيبية، المصدرة إلى مصر.

وتستحوذ مصانع تركيا، على نحو 63% من إجمالي واردات مصر من السجاد بوجه عام في ظل صورة ذهنية رسمتها لنفسها على مستوي الشكل النهائي والتصميم، حتى أصبح المنتج التركي الخيار الأول لكثير من المُقلبين على الزواج بمصر وعددهم قرابة الـ 500 ألفا سنويًا.

واستفادت تركيا، كثيرًا بالاتفاقية الثنائية التي وقعتها مع جماعة الإخوان عام 2012، وتتضمن بنودًا كثيرة مخالفة لاتفاقية منظمة التجارة العالمية، بينها السماح بدخول منتجات تركية تامة الصنع بدون أية رسوم جمركية.

طبقاً للاتفاقية، تم تقسيم السلع المتبادلة، إلى أربعة قوائم يتم تطبيقها مرحليًا وكانت أخرها في يناير 2020، وبموجبها تم إعفاء السجاد الوارد من تركيا من الجمارك تمامًا، ما سبب مشكلات كبيرة للمنتجين المصريين في ظل انخفاض المنتجات التركية كثيرا في أسعارها بسبب انخفاض سعر الليرة، والدعم الكبير الذي يحصل عليه المصنعون الأتراك من الدولة.

 

اقرأ أيضًا:

تأثر الاقتصاد بسبب “كورونا”.. النجاة في الشمول المالي

 

وتلقي مكتب النائب العام، أخيرًا، يطالب فيه بالتحفظ على البضائع التركية الموجودة بميناء الإسكندرية، وعدم إدخالها للبلاد استنادًا إلى قطع العلاقات السياسية بين البلدين بقيام مصر بسحب سفيرها وطرد السفير التركي من القاهرة من 2013.

ويقول مقدم البلاغ، في حيثياته، إن قانون العقوبات يتضمن حكما قانونيا يعاقب كل من استورد من أي بلد في حالة حرب أو قطع للعلاقات السياسية سواء كان المُستورِد قد استورد بنفسه أو بواسطة غيره، بشكل مباشر أي من تركيا مباشرة أو غير مباشر باستيراد المنتجات التركية عن طريق بلد آخر بالسجن المشدد الذي يصل إلى 15 عاما وبغرامة تصل إلي 5 أمثال قيمة البضاعة مع مصادرة البضاعة المستوردة.

التبادل التجاري بين مصر وتركيا

 وفي التسعة أشهر الأولى من العام الماضي، آخر البيانات الرسمية الصادرة، سجل التبادل التجاري 4.6 مليار دولار، وجاءت تركيا في المرتبة الرابعة بقائمة الدول المستوردة من مصر، بقيمة مليار و273 مليون دولار، وفق إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتمارس تركيا، لعبة ذكية في وارداتها من مصر فتستورد المواد الخام خاصة خيوط الغزل والمنتجات البترولية والأسمدة والمبيدات الزراعية، وفي المقابل تصدر إليها منتجات كاملة الصنع في قطاعات تشهد إنتاجا محليًا كثيفًا كالملابس الجاهزة والمنسوجات والسجاد والأدوات المنزلية، ما يسبب ضررًا للمنتج المحلي.

 

 

اتفاقيات منظمة التجارة العالمية

قال الدكتور صلاح الدين فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن أية اتفاقيات ثنائية بين دولتين منضمتين لمنظمة التجارة العالمية لا يجب أن تخل بالاتفاقية الأم للمنظمة سواء في بنودها أو تفاصيلها، وهذا ما يحدث في قضية إغراق تركيا السوق المصرية بملابس ومنسوجات وسجاد.

وتستحوذ تركيا، حاليًا على 15% من حجم الملابس المستوردة بمصر ولديها توكيلات تجارية هي الأكثر مبيعًا في السلاسل التجارية الكبرى، ولديها ميزة تنافسية كبيرة بأسعارها الرخيصة مع انهيار سعر الليرة والدعم الكبيرة الذي توجه الحكومة التركية للمصنعين المحليين، كما ضخت استثمارات كبيرة بقطاع المنسوجات تتضمن إنتاج مصري بمواصفات تركية لصالح التصدير للخارج.

ولا يرى الخبير الاقتصادي، تأخر مصر في شكوى تركيا سبعة أشهر كاملة مرتبطا بالاحتقان السياسي بين البلدين بسبب تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا، ويقول، لـ “360”، إنه مرتبط أكثر بقياس الضرر الكامل على الإنتاج المصري في ظل اتفاقيات الموقعة بين الطرفين بعهد مرسي حول الجمارك والضرائب، والتي لا تستطيع القاهرة الإخلال بها حاليا باعتبارها موقعة بقوانين دولية ويترتب على أي ضرر لها غرامات اقتصادية.

ودفعت مصر، غرامات كبيرة في قضايا التحكيم الدولي تتراوح بين 75 و100 مليار جنيه خلال 10 سنوات، سواء في القضايا المرفوعة أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية التابع للبنك الدولي “أكسيد”، أو مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي “منظمة دولية مستقلة لا تهدف إلى الربح”، وتتبنى الحكومة المصرية سياسية تقضي بحل أي خلاف قبل وصوله للتحكيم.

وتقيم مصر، مسار الواردات من تركيا في ضوء إغراق السوق ببضائعها أخيرًا، عبر اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية التي تتضمن بنودًا تتعلق بالتظلم من غياب التكافؤ والإغراق، وسبق لدول كبرى اللجوء لتلك البنود كالصين في أزمتها التجارية مع أمريكا، وجيران اليابان في تضررهم من عمليات الصيد الموسعة في البحار المشتركة.

وقال خبراء، إن السياسة كثيًرا ما تلقى بظلالها على الاقتصاد، فالعلاقات المتأزمة بين مصر وتركيا قد تحول دون وضع حلول للخلافات التجارية بينهما أو نقل التعاون لنقاط جديدة، خاصة أن الاتفاقية تم توقعيها مع نظام الإخوان وتتضمن شروطا مجحفة لمصر فيما يتعلق بمنافسة المنتج التركي للمصنوعات المحلية.

 

اقرأ أيضًا:

فيروس كورونا.. التعايش مع المخاطر أو الانهيار الاقتصادي

 

مقاطعة المنتجات التركية في الأسواق المصرية

دشن مصريون، قبل شهور، حملة لمقاطعة المنتجات التركية في الأسواق المصرية ردا على تدخلها في ليبيا وانتقل صداها لكثير من الدول العربية تحت شعار “المنتج تركي يعادل رصاصة في صدر كل عربي”،.

وتتعلق الواردات التركية من مصر، بمواد خام يمكن بسهولة إيجاد أسواق أخرى لها على عكس البضائع التي تستوردها مصر منها وكلها تامة الصنع ويسهل العثور عليها في أسواق أخرى كالصين بأسعار لا تختلف كثيرًا.

الاقتصاد لا يعترف بالسياسة

“لايجب أن نركب موجة الخلاف السياسي”، بتلك العبارة يبدي محمد الداعور، الرئيس السابق لشعبة الملابس الجاهزة في غرفة القاهرة التجارية، رفضه الشديد لدعوات القطيعة الاقتصادية مع تركيا.

وأضاف الداعور، لـ،”360″، إن الأمور الاقتصادية ليس لها علاقة بالخلاف السياسي الاعتراض على سياسات الحكومة التركية المناهضة لمصر، لا يجب أن يكون مبررا لفقدان مكاسب اقتصادية للطرفين أو أن يمتد للشعوب