بعنوان “الشمول المالي كمدخل للتعامل مع تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد”، رصد معهد التخطيط القومي، في سلسلة أوراق سياسات، التداعيات المحتملة لأزمة كورونا على الاقتصاد المصري، مسلطًا الضوء على الدور المهم الذى من الممكن أن یلعبه الشمول المالي في ظل الأزمات المالية والاقتصادية بصفة عامة.
منذ إعلان منظمـة الصحـة العالمیـة، في نهایـة ديسمبـر 2019، ظهـور فیـروس كورونـا المستجـد في الصین، أخذ الفیروس في الانتشار في الدول المختلفة على مستوى العالم مثل الولايات المتحدة وإیـران، والإمـارات، وإسبانيا وإيطاليا وصولا للعديد من الدول العربية، منها مصر.
ولمواجهة ذلك الفیروس والحد من انتشاره، اتخذت الدول على مستوى العالم العدید من التدابیر والإجراءات، والتي كان من أبرزها ٕ غلق الحدود، وإيقاف حركة الطیران، وفرض حظر التجوال الكلى أو الجزئي، وغلق المطاعم والمراكز التجارية، ومثل تلك الإجراءات، وما سبقها وصاحبها من تداعيات سلبية أخرى ناتجة عن تفشى الفیروس ذاته، من شأنها أن تؤدى إلى مجموعة من الآثار الاقتصادية الانكماشية السلبية، والتي أتى على رأسها تراجع معدلات النمو، وانخفاض مستويات التوظيف، وارتفاع معدلات البطالة، وتزاید معدلات الفقر.
تهتم هذه الورقة باستعراض أبرز التداعيات الاقتصادية السلبية الناتجة عن انتشار فیروس كورونا المستجد، و تسليط الضوء على الدور المهم الذى من الممكن أن یلعبه الشمول المالي في ظل الأزمات المالية والاقتصادية بصفة عامة، وفى مواجهة تداعيات أزمة تفشى فیروس كورونا المستجد بصفة خاصة، كما تستعرض هذه أبرز الجهود والخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لتعزيز دور الشمول المالي في مواجهة التداعيات السلبية لأزمة فیروس كورونا المستجد.
اقرأ ايضًا: التعايش مع “كورونا”.. 9 نصائح طبية بعد رفع الحظر
تأثير كورونا اقتصاديًا
من المتوقع أن تتراجع معدلات النمو الاقتصادي بشكل ملحوظ في عام 2020، كنتیجة للتداعيات السلبية الناتجة عن تفشى فیروس كورونا المستجد، فأغلب البلدان التي تفشى فیها الفیروس بشدة وتأثرت منه، مثل الصین، وكوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، قد شهدت تراجع معدلات الإنتاج نتیجة لتفشى الفیروس، مما أدى لإصابة العاملین بالمرض وتغیبهم عن العمل، و نتیجة أيضًا ما صاحب تفشى الفیروس من إجراءات وتدابیر اتخذتها الدول لمواجهة ذلك الانتشار والسيطرة عليه، حیث أغلقت العدید من المصانع، كما اضطر العدید من العاملین بالشركات للعمل من المنزل، وفرضت قیودًا على الحركة والسفر، كل ذلك قد أدى بدوره إلى تراجع معدلات الإنتاجية و الإنتاج، ومن ثم انخفاض العرض، وبخاصة أن الفیروس قد ضرب الأساس أبرز البلدان الصناعية الكبرى في شرق آسيا ومنه انتشر إلى بقية البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا.
فمن المعروف أن صدمة العرض التي تصیب صناعة ما، أو دولة ما، عادة ما تتحول إلى صدمة عرض في باقي الصناعات أو البلدان، في ظل استخدام مخرجات هذه الصناعة كمدخلات في صناعة أخرى في ذات البلد أو في بلد آخر، فعلى سبیل المثال، تمثل الصادرات الصینية والكورية واليابانية مجتمعة ما يقرب من 25 %من إجمالي الواردات الأمريكية، وأكثر من 50 %من إجمالي الواردات الإلكترونية وواردات الحاسب الآلي الأمريكية، ومن ثم، فإن تراجع الإنتاج بكل من الصین وكوريا واليابان سوف یؤدى بالطبع لتأثر الاقتصاد الأمريكي، كما أن نقص إنتاج أجزاء وقطع غيار السيارات في الصین أجبر شركة صناعة على إغلاق مصانعها بكوريا مؤقتا وكذلك، فإن شركة صناعة السيارات اليابانية ً السيارات “نيسان” اضطرت هي الأخرى .
فيما یتعلق بوضع الاقتصاد المصري، فلم يكن بمنأى عن تلك التداعيات السلبية، فمصر تعد شريكًا تجاريًا رئيسًا للعديد من الدول مثل الصين والولايات المتحدة، ومن ثم فإنه من المنطقي أن تتأثر مصر بعدوى سلاسل التوريد وانخفاض مستويات الطلب وتراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية.
فوفقا للسيناريو المتفائل للمركز المصري للدراسات الاقتصادية فمن المتوقع انخفاض كل تحويلات العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس بنسبة 10 % بدءً من النصف الثاني من مارس 2020، هذا في حين يتوقع السيناريو المتشائم انخفاضها بنسبة 15 %، أما بالنسبة لقطاع السياحة، فيتوقع المركز أن يخسر ما يقرب من 35 % من الإيرادات السياحية المتوقع تحقيقها هذا العام، مع توقع استمرار الأثر السلبي حتي يونيو 2021.
وبناء عليه، من المتوقع أن ینخفض معدل النمو المستهدف خلال العام المالي الحالي من 2% إلى 2.4% وذلك وفقًا لبيان وزارة المالية المصرية.
الشمول المالي
ولتخطي تلك الأزمة يسلتزم الأمر تضافر الجهود والاعتماد على توليفة مناسبة من السياسيات المالية للخروج بأقل قدر من الخسائر، حيث يمكن أن يلعب الشمول المالي دورًا إيجابي في وقت الأزمات، إذا من شأنه أن يدفع معدلات النمو ويحسن من وضع الفئات المختلفة، فمع اتاحة الخدمات المالية للجميع وتمكن الافراد والمؤسسات من النفاذ اليها بسهولة، يصبح من الأيسر عليهم اتخاذ قرارات استهلاكية واستثمارية طويلة الأجل والتعامل مع المخاطر المالية وأدارتها بشكل جيد وانتصاص الصدمات المالية الغير متوقعة.
كما يساعد تطبيق الشمول المالي في تحسين معدلات الفقر، والذي قد يقع تحت خطه العديد من الأفراد في ظل الأزمات الطاحنة، ويرجع السبب في ذلك اتاحة الشمول المالي للموارد المالية اللازمة للفئات منخفضة الدخل والتي تمكنهم من الحفاظ علي مستويات معقولة من الاستهلاك، إضافة الي إمكانية ممارسة الأنشطة الإنتاجية.
ويتيح تعزيز الشمول المالي في ظل انتشار فيروس كورونا، إمكانية الاستغناء عن التعامل بالعملات الورقية والتي قد تكون سبب في نقل الفيروس من شخص لآخر، والاستعاضة عن ذلك بالتعاملات الالكترونية، وهو الامر الذي يساعد علي الحد من انتشار الفيروس .
إجراءات الحكومة
وفي ضوء التداعيات السلبية الناتجة عن تفشي فيروس كورونا، سارعت الحكومة المصرية علي الفور في اتخاذ العديد من الخطوات الجادة نحو تعزيز الشمول المالي في مصر وتوسيع نطاق الفئات والشرائح التي ممكن أن تسفيد منه، وتتمثل أبرز تلك الخطوات، في اصدار تعليمات للبنوك بتسهيل الحصول علي الخدمات المصرفية، بأن تقوم البنوك بشكل فوري باتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لمقابلة تمويل العمليات الاستيرادية للسلع الأساسية والاستيراتيجية بما يضمن تلبية الشركات المستوردة لها، بالإضافة إلى تأجيل الاستحقاقات الائتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة ستة أشهر.
علاوة علي ذلك، إتاحة الحدود الائتمانية اللازمة لتمويل رأس المال العامل، وبالأخص صرف رواتب العاملين بالشركات، مع وضع خطط لدعم الشركات العاملة بها، ذلك بجانب أصدار لجنة سياسية نقدية في 16 مارس، قرارًا بتخفيض أسعار الفائدة ، وذلك بهدف دعم النشاط الاقتصادي بكافة قطاعاته.
كما عملت الحكومة على إعفاء التحويلات المحلية بالجنيه المصري من كافة العمولات والمصروفات المرتبطة بها لمدة ثلاثة أشهر، وذلك للحد من التعاملات النقدية لما قد تحمله من خطورة على الصحة العامة.
وتختتم الورقة مجموعة من التوصيات التي من الممكن أن تساعد متخذ القرار على توسيع نطاق الشمول المالي في مصر في الفترة المقبلة، بحيث يلعب دورًا أكبر في مواجهة التداعيات السلبية المتوقعة لانتشار فیروس كورونا المستجد.