أثارت مواقف دار الافتاء، مؤخرًا حالة من الجدل، ظهرت جليًا من خلال تعليقات نشطاء التواصل الاجتماعي على  التدوينات التي نًشرت على صفحات الدار على مواقع السوشيال ميديا، وتضمنت مواقفًا ثابتة للدار حيال القضايا المجتمعية الهامة.

ما بين الانتحار، والتحرش، والختان، قضايا طرأت على الساحة مؤخرا، واصطدمت  وفتاوى دار الإفتاء بموجة عارمة من الآراء الرجعية المبررة والتي تشير على غير المتوقع  إلى حالة من الرجعية والتشدد وإصابات الكثير من فئات المجتمع  خلال السنوات الماضية.

براءة المرأة من التحرش الجنسي:

حالة من الجدل أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي، عقب انتشار قصص تتهم أحد طلاب الجامعة الأمريكية بارتكاب جرائم تحرش واغتصاب في حق فتيات وصل عددهم إلى ما يقرب من 100 فتاة، الوقعة التي أعادت على الساحة الحديث حول قضية التحرش وانتشارها في المجتمع المصري.

واجتهد بعض المدونين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من بينهم بعض ممن يطلقون على أنفسهم رجال دين، في إلصاق تهمة أن المسؤول الأول عن جريمة التحرش هي الفتاة نفسها لما ترتديه من ملابس رأوها مثيرة.

رأي الإفتاء في التحرش الجنسي

إلا أن  دار الإفتاء، كان لها رأي أخر نشرته عبر صفحتها عى موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، حيث وصفت إلصاق جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ بالتبرير الواهم لا يَصْدُر إلَّا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف.

 وتابعت: “الـمُتَحَرِّش الذي أَطْلَق سهام شهوته مُبَرِّرًا لفعله؛ جامعٌ بين منكرين: استراق النظر وخَرْق الخصوصية به، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ»، فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا»، قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ» (متفق عليه).

وكانت دار الإفتاء المصرية، قد أكدت أن التحرش الجنسي حرامٌ شرعًا، وكبيرةٌ من كبائر الذنوب، وجريمةٌ يعاقب عليها القانون، ولا يصدر إلا عن ذوي الأهواء الدنيئة، والنفوس المريضة التي تُسوِّلُ لهم التلطُّخَ والتدنُّسَ بأوحال الشهوات بطريقةٍ بهيميةٍ، وبلا ضابط عقليٍّ أو إنسانيٍّ.

وأضافت الدار، في فيديو موشن جرافيك أنتجته وحدة الرسوم المتحركة، أن الشرع الشريف قد عظَّم من انتهاك الحرمات والأعراض، وقبَّح ذلك ونفَّر منه، وتوعد فاعلي ذلك بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيَّ».

وأشارت الدار، إلى أن الشرع كذلك أوجب على أولي الأمر أن يتصدوا لمظاهر هذه الانتهاكات المُشينة بكل حزم وحسم، وأن يأخذوا بقوة على يد كل من تُسَوِّل له نفسُه ارتكاب مثل هذه الأفعال المحرمة.

الوصايا وإدعاء التدين:

من جانبها ترى أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر أمنة نصير، أن دار الافتاءالمصرية من أعقل وأحكم المؤسسات الأزهرية، وتؤكد أنه خلال الــ30 سنة الماضية هناك بعض التغيرات السلبية التي طرأت على الشخصية المصرية.

وأضافت نصير: أن السوشيال ميديا أظهرت حالة الوصايات التي يحاول البعض أن يفرضها على الأخرين سواء رجال أو نساء وذلك عن طريق التطاول والهجوم غير المبرر.

وتابعت: أن من يهاجمون دار الافتاء هم أشخاص يدعون التدين حتى يظهر تطاولهم وهجومهم ذو مصدقية، لأنه من غير المعقول أن يكون علماني يقود التدين وبالتالي يدعي التدين على غير علم أو معرفة.

 

اقرأ ايضاً:

 بين الغرامة والإعدام.. مصير المتحرش أحمد بسام زكي بعد القبض عليه


بسبب الختان ….” أنتوا هتفتوا!”:

في فبراير الماضي، وبعد تدوينة جددت فيها دار الإفتاء تأكيدها على أن ختان الإناث حرام، انهالت التعليقات المهاجمة والرافضة على تلك التدوينة كان أبرزها “أنتو هتفتوا؟”.

وجاءت تدوينة دارالافتاء، ردا على جريمة شنعاء وقعت في حق طفلة في أحد محافظات صعيد مصر، حيث توفيت الطفلة ندى حسن، 14 عامًا في محافظة أسيوط، أثناء تعرضها لعملية ختان على يد طبيب، وكانت النيابة العامة قد أمرت بحبس والديها وخالتها والطبيب على ذمة القضية بعدما أبلغ عم الضحية عن الجريمة.

وبالرغم من أن القانون جرم ختان الإناث في عام 2008، وعاد لتغليظ العقوبة عليها، بموجب القانون رقم 78 لسنة 2016، بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، ولا تتجاوز سبع سنوات لكل من قام بعملية ختان لأنثى، على أن تكون العقوبة بالسجن المشدد، إذا نجمت عن هذا الفعل عاهة مستديمة أو الموت، إلا أن بعض الأهالي والأطباء لازالوا يقومون بتلك العملية في السر.

لكن الأكثر غرابة هو حالة التشدد والرفض الذي يعبر عنها الكثير في تلك القضية رغم رأي الشرع والقانون فيها، ورغم تعدد حالات الوفاة للفتيات الصغيرات أثناء إجراء عملية الختان.

دار الإفتاء وموقفها من الانتحار:

في يونيو الماضي، عادت حالة الجدل مجددا حول فتاوى در الإفتاء لكن هذه المرة كانت بسبب رأي الدين في قضية الانتحار، بعد أن كتبت في تغريدة على صفتها الخاصة على موقع التديونات المصغرة “تويتر”، إن “الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، والمنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، وإنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين”.

وتسببت التغريدة في تفاعل كبير بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض متشدد، إذ جاءت بالتزامن مع انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي والمقيمة في كندا، وأشيع بين المجتمع منذ سنوات طويلة بأن المنتحر بمثابة الكافر لا يجوز الترحم عليه، الموقف الذي لم يتغير رغم رأي الدين بل ازداد حدة وشدة وصلت إلى الهجوم على دار الافتاء ذاته.

 

اقرأ ايضاً:

 

تحذيرات وقائية من جرائم الأطفال الجنسية عبر النت

 

المتدينون وحب السيطرة

“هما عايزين الإسلام اللي يخدم قمعهم”، هكذا بدأ سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية حديثه عن الهجوم الذي يلاحق دار الافتاء المصرية مؤخرا.

وأضاف أستاذ علم الاجتماع، أن من يهاجم فتاوى دار الافتاء التي تتسم بالاعتدال ونصرة لقضايا المرأة مؤخرًا هم فئات منتفعون من قهر المرأة ويهابون من الانتقاص من السيطرة الذكورية التي دعمتها العادات والتقاليد المصرية خلال السنوات الماضية ولم يكن هناك فتاوى معتدلة على تلك الأفكار حتى توغلت في المجتمع واستوحشت.

ويرى صادق، أن الكثير من الرجال يستندون إلى الاراء الدينية المتشددة للدفاع عن وجهة نظرهم في قضايا المرأة لمجرد خوفهم فقط على سلطتهم الذكورية بغض النظر عن الرأي الصحيح للدين، لكنهم مع أي شيء يقهر المرأة وينتقص من حقوقها.