أثير في الآونة الأخيرة جدل حول الإجراءات التي تتخذها مصر في برنامجها الإصلاحي خاصة في القطاع الاقتصادي وما تبع ذلك من قرارات أهمها التوجه نحو صندوق النقد الدولي واقتراض 20 مليار دولار خلال السنوات الثلاث الماضية مقسمة على النحو التالي: ” قرض في نوفمبر 2016 وحتى بداية عام 2020 قيمته 12 مليار دولار، كما حصلت قبل أسابيع على قرض عاجل بقيمة 2.77 مليار دولار من خلال برنامج الدعم السريع لمعالجة تداعيات فيروس كورونا الصحية والاقتصادية وأيضا قرض جديد بقيمة 5.2 مليار سيتم استلامهم قريبًا على دفعات” وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا حول أعباء هذه القروض وتأثيرها على الوضع المحلى.

يذكر أن مصر توسعت في الاقتراض خلال السنوات الأخيرة خاصة مع بدء برنامج الإصلاح الاقتصادي، دفعت بالدين الخارجي للبلاد إلى سقف 120 مليار دولار مقابل نحو 45 مليار دولار في العام 2014، والدين العام المحلي إلى حاجز 6 تريليونات جنيه مقابل 1.7 تريليون جنيه.

أعلن صندوق النقد الدولي عن تفاصيل القرض الأخير لمصر في موقعه الرسمي، وأشار إلى أن:

  • قيمة القرض 5.2 مليار دولار يتم تسديدها خلال 12 شهرا.
  • صرف مبلغ فوري يعادل 1.4 مليار وحدة حقوق سحب خاصة “حوالي 2 مليار دولار أمريكي”، على أن يُصرَف المبلغ المتبقي على مرحلتين كل منهما تسبقها مراجعة للأداء.
  • يتم سداد كل شريحة على ثمان أقساط ربع سنوية متساوية تبدأ بعد مرور 3.25 سنة من صرفها.
  • يبدأ سداد الشريحة الأولى في سبتمبر 2023.
  • يبلغ سعر الفائدة على القروض المقدمة في إطار اتفاق الاستعداد الائتماني 100 نقطة أساس فوق سعر الفائدة.
  • يتم تطبيق رسم إضافي يعادل 200 نقطة أساس، ويرتفع هذا الرسم إلى 300 نقطة أساس بعد ثلاث سنوات إذا ظل المبلغ المقترض متجاوزا لنسبة 187.5% من الحصة. 

 

اللجوء للصندوق

سرد صندوق النقد الدولي عبر موقع الإلكتروني الرسمي الأسباب التي تمت بموجبها اقراض مصر مؤخرًا والتي جاء منها:

  • التكيف مع تحديات جائحة كوفيد-19 من خلال دعم ميزان المدفوعات والموازنة العامة.
  • دعم الإنفاق الصحي والاجتماعي لحماية الفئات المعرضة للتأثر.
  • حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي الذي تحقق على مدار الثلاث سنوات الماضية.
  • إعطاء دفعة لمجموعة إصلاحات هيكلية رئيسية تضع مصر على أقدام ثابتة في مسار التعافي المستمر مع تحقيق نمو أعلى وأشمل لكل فئات المجتمع وخلق فرص العمل على المدى المتوسط.
  • تعزيز النمو وخلق فرص العمل بقيادة القطاع الخاص.
  • ويساعد القرض المقدم بموجب “اتفاق الاستعداد الائتماني” على تخفيض احتياجات التمويل في ظل ظروف السوق المتقلبة.
  • تعزيز الحوكمة والحد من الفساد يشكلان هدفا مهما في برنامج السلطات الإصلاحي الذي يدعمه الصندوق.

 

 

شروط القرض الجديد:

عدد من الضوابط أعلنها صندوق النقد الدولي في موقعه والإجراءات الإصلاحية التي تتجه الحكومة المصرية نحو تنفيذها استكمالا لخارطة الإصلاح الاقتصادي، التي تعمل عليها مصر منذ ثلاث سنوات، والتي كانت وفقًا لتقدير الصندوق مثمرة حتى حدثت أزمة كورونا وتأثر بها العالم أجمع ومن بينها ما يلي:

  • تتضمن الإجراءات التي يدعمها اتفاق الاستعداد الائتماني زيادة متطلبات إعداد التقارير بشأن المؤسسات المملوكة للدولة من أجل تحسين الشفافية والإفصاح المالي.
  • الموافقة على قانون جمركي معدل لتيسير التجارة وتخفيض الحواجز غير الجمركية.
  • إدخال تعديلات على قانون المنافسة لتشجيعها وتهيئة ظروف تكفل التنافس على قدم المساواة بين كل الأطراف المعنية.
  • تهدف سياسة المالية العامة إلى تزويد الأفراد والقطاعات الأشد تأثرا بالدعم الضروري لمواجهة الأزمة الصحية والاقتصادية.
  • تحديد مخصصات إضافية للإنفاق الصحي.
  • التوسع في برنامجي “تكافل وكرامة” الاجتماعيين المعنيين بالتحويلات النقدية.
  • تقديم دعم موجه على أساس مؤقت لأشد القطاعات تضررا.
  • التأكيد على عدم وجود إجراءات إضافية بشأن تسعير الوقود في ظل برنامج السلطات الإصلاحي الذي يدعمه “اتفاق الاستعداد الائتماني”.
  • إبقاء التضخم منخفضا وحماية الاستقرار المالي مع الحفاظ على مرونة سعر الصرف.

 

نقص الدولار

الخبير الاقتصادي، وائل النحاس، أكد أن القرض الأخير له تبعات كبيرة فمدة السداد 12 شهرا فقط، وهو ما يجعل التساؤل عن إمكانية السداد في هذه المدة، خاصة مع عدم توفر الدولار والناتج عن نقص التحويلات الخارجية للمصريين خارج البلاد، فضلا عن تراجع السياحة “فرغم جميع المحاولات لم يصل إلى مصر أكثر من 450 سائحا”، كما أن إيرادات قناة السويس مرتبطة بحركة التجارة العالمية.

وأضاف “النحاس” في تصريحات خاصة لـ “مصر 360” أن الوضع الراهن جعل المواطن لا يحبذ الاحتفاظ بالدولار ويفضل التوجه نحو الادخار بالجنيه والفوائد التي يحصل عليها، فالغلاء والاحتياج المعيشي أصبح له الأولوية عن الاحتفاظ بالدولار، وهو الأمر الذي جعل توفير الدولار أمر صعب خاصة أن الصادرات أيضًا لا زالت في تراجع نسبي، والخوف هنا سيكون من محاولات التصدير على حساب الاحتياج المحلي وهو ما حدث بالفعل في العنب والليمون والبرتقال الناتج عن محاولات توفير الدولار.

 

اقرأ أيضا:

المعادلة الصعبة.. “كورونا” ينتشر والتعايش مسار إجباري

 

أكد “النحاس”، أن التوجه للاقتراض أصبح أمر يحتاج لوقفة حقيقية، فالأمر لم يعد قاصرًا على الدولة وحدها، بل أن هناك مؤسسات اتجهت للاقتراض “كالبنك التجاري الدولي”، كما نشطت الشركات القائمة على إقراض المواطنين بالأجل “القروض الاستهلاكية”، وهو ما قد يجعل الفوائد تصل نحو 37% عند بعضهم وهو في غاية الخطورة، فالسداد صعب في الوقت الراهن والوضع الحالي جعل الدولة والمؤسسات والأفراد تتجه للاقتراض، ومن ثم فالسداد المرتقب سيشكل طلبا متزايدا على الدولار ويضغط على قيمة الجنيه المصري.

 الخبير الاقتصادي، الدكتور شريف الدمرداش أكد أن القرض عبارة عن دفعتين الأولى للتعامل مع أزمة كورونا، والدفعة الثانية لاستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي، وسيستمر التعامل معها بنفس شروط القرض السابق، والتي منها توجيه الدعم لمستحقيه ومعالجة الخلل الهيكلي في الجهاز الإداري للدولة وهو ما تم البدء في التعامل معه مع القرض السابق.

 

اقرأ أيضا:

تأثر الاقتصاد بسبب “كورونا”.. النجاة في الشمول المالي

 

أكد “الدمرداش” في تصريح خاص لـ “مصر 360” أن من أبرز تأثيرات القرض الجديد هو رفع سعر الكهرباء الذي تم تنفيذه من 1 يوليو الجاري وهو أمر محسوم غير قابل للشك، فشروط الصندوق السابقة سيتم استكمالها مع عمل مراجعات دورية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه والتي يأتي على رأسها أيضًا ترشيد الإنفاق الحكومي.

بدائل الاقتراض

كان المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أعد دراسة رصد خلالها عدد من البدائل التي تغنى عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي وتُجنب مصر شروطه وتوابعه تمثلت في: ” التخلي عن سياسات صندوق النقد والتوجه إلى تطبيق وتطوير نموذج اقتصادي مبني على تطوير القطاعين الأولي والثانوي واضعا في اعتباره نظريات التجارة الاستراتيجية كطريق لتخفيض معدلات البطالة وتوفير مصادر مستقرة من النقد الأجنبي، وبالنسبة للاحتياجات الحالية للعملة الصعبة، تستطيع مصر أن تستفيد من الركود العالمي للحصول على قروض رخيصة من أسواق المال العالمية والتي لن تفرض شروطا مثل الصندوق، كما يجب أن يكون النظام الضريبي في مصر أكثر عدالة عبر تطبيق ضرائب تصاعدية وتقليل الاعتماد على ضرائب الاستهلاك، بجانب بناء شبكة أمان اجتماعي تراعي احتياجات المناطق الجغرافية المختلفة”.