“نَزلنا من أجل التغيير، من أجل تحسين ظروفنا، سعيًا وراء مستقبل لأبنائنا أفضل من واقعنا الذي عشناه لعقود، لم نكن طامعين في شيء أكثر من هذا، ولقد كان ما كان”.. هكذا يروي “عم إسماعيل”، صاحب الـ 55 عامًا، وأحد مصابي ثورة 25 يناير، عن الحلم الذي راوده، وراود الملايين، هذا الحلم الذي استبدلوه بـ 1850 جنيهًا معاشٍ استثنائي، بعد إصابته بطلقة خرطوش في الرأس في 28 يناير 2011، أتلفت جزءًا من المخ وأودت بعينه اليسرى.

هذا المعاش والذي لم يصل حتى إلى الحد الأدنى الجديد للأجور، والمحدد بـ 2000 جنيه، ليتفاجأ مستحقي المعاش بخصم نحو 40% من قيمته، كل حسب معاشه والمحدد طبقًا لنسبة الإصابة، بسبب خطأ موظف منذ ثلاث سنوات بإضافة زيادة سنوية على المعاشات، أصبحوا مطالبين بسدادها.

يقول إسماعيل سيد، لـ “مصر 360: “ذهبت أول شهر مارس لصرف المعاش، ففوجئت بخصم 700 جنيه أي ما يزيد عن ثلثه، وهو الأمر الذي حدث مع جميع المستحقين نسبة لقيمة معاش كل واحدٍ منهم، ظننا في البداية أن هناك خطأ وذهبنا إلى مكتب التأمينات والمعاشات، فأخبرونا أن المبلغ المخصوم هو نسبة 3 علاوات كنا نصرفها بدون حق خلال الأعوام الماضية، نتيجة خطأ إحدى الموظفات”.

 يضيف “إسماعيل” “أخبرونا أننا مطالبين برد قيمة هذه العلاوات، والتي صرفناها خلال السنوات الماضية، وأن أكثر شيء يمكن أن يفعلوه لنا هو رفع مذكرة لعدم مطالبتنا برد هذه المبالغ”.

 

ويستكمل صاحب الـ 55 عامًا حديثه: “مثل هذا الكلام صدمة كبيرة لنا، خاصة في هذه الظروف، والتي تحتاج نفقات أكثر نتيجة لفيروس كورونا، مع العلم أن أغلبنا ليس لهم مصدر دخل آخر”، مشيرًا إلى أن المجلس القومي لرعاية مصابي الثورة وأسر الشهداء، أبلغهم عن طريق بعض الأشخاص، ألا يقلقوا، وأن الأزمة وصلت للمسؤولين وهم يسعون لحلها، لكنهم عندما سحبوا “برنتات” التأمينات الخاصة بمعاش شهر يوليو وجدوا أن الخصم مازال موجودًا، فقرروا التوجه للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجوء للقضاء.

لا يكفي لسد النفقات

كان “صفوت” واقفًا بجوار ورشة إصلاح السيارات التي يمتلكها، بشارع “اللبيني” بالهرم، في الثامنة من مساء التاسع والعشرين من يناير 2011، عندما تعرض لإصابة بالغة خلال اندلاع الثورة، أسفر عنها إصابته بكسور بالغة في كلتا قدميه، ظل بعدها معلقًا في السرير لشهور طويلة.

 

اقرأ أيضا:

“الخدمات المتكاملة” و”ذوي الاحتياجات الخاصة”.. معاناة متفاقمة تبحث عن حل

 

يقول صفوت علي، 58 عامًا، أحد مصابي الثورة لـ”مصر360″: “ركبت 12 مسمار وشريحة في رجليا الاثنين، أخذوا عظم من الجنب لترميم عظم الرجل، نسبة إصابتي تتخطى الـ50% بمشي بصعوبة شديدة على عكاز، من بعد الإصابة ما قدرتش اشتغل تاني” مشيرًا إلى أن معاشه كان 1850 جنيهًا وكان لا يكفي لسد نفقات أسرته، وأصبح بعد الخصم 1150 جنيهًا، مؤكدًا أن الخصم لم يطل مصابي 30 يونيو”، مستكملًا: “استلفت من كل من أعرفه حتى أستطيع تغطية نفقات أسرتي، فأنا أعول أسرة مكونة من خمسة أشخاص من بينهم بنتًا تدرس بالجامعة وأخرى بالمرحلة الثانوية، إضافة لابن بالمرحلة الإعدادية، وليس لدي دخل آخر.

يذكر “صفوت” أنه منذ 3 أشهر وقف الاشتراك المجاني الخاص بمصابي الثورة في المترو، وقالوا لهم لو رغبتم في التجديد عليكم بدفع الاشتراك كأي شخص عادي، موضحًا: “في السابق كنا ندفع 5 جنيهات فقط، للتجديد السنوي، كما تم إلغاء الحق في استخدام قطارات السكة الحديد بالكارنيه الخاص بنا، مقابل جنيهين كمبلغ رمزي مهما كانت المسافة، وأصبحنا الآن مطالبين بدفع سعر التذكرة كاملًا حال استقلالنا القطار”.

 

صندوق رعاية المصابين

يقول الدستور المصري في ديباجته: “ثورة 25 يناير فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق”.

وتنص المادة 16 من الدستور المصري على أن: “تلتزم الدولة بتكريم شهداء الوطن، ورعاية مصابي الثورة، والمحاربين القدماء والمصابين، وأسر المفقودين في الحرب ومن في حكمهم، ومصابي العمليات الأمنية، وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وتعمل على توفير فرص العمل لهم، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون، وتشجع الدولة مساهمة منظمات المجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف”.

أُنشئ المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تحت اسم صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لضحايا ثورة 25 يناير وأسرهم، ثم قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1485 لسنة 2011، بإنشاء المركز القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، وعُدل المسمى بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1534 لسنة 2011، إلى المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين.

وبحسب المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، فإنه يتم من خلال المجلس رعاية نحو 1000 أسرة شهيد و7000 مصاب من جميع المحافظات.

الهجوم على يناير

تعرضت ثورة يناير لهجوم كبير من قبل الإعلاميين المعارضين لها ولطالما وصفوها بالمؤامرة، وخلال السنوات الأخيرة ظهر في الإعلام خطاب عدائي ضد الثورة والمشاركين فيها، كما تعرضت لهجوم وتشويه كبير خلال دعاية عدد من المرشحين في انتخابات مجلس النواب السابقة قبل نحو 5 سنوات.

 

اقرأ أيضا:

الموازنة العامة تتجاهل الفقراء.. خطط الحكومة خالية من “كورونا”

 

تحت قبة البرلمان قاطع النائب مرتضى منصور، زميله النائب محمد العتماني أثناء حديثه عن ثورة 25 يناير خلال اجتماع لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية لمناقشة التعديلات الدستورية العام الماضي.

ووصف “منصور” ثورة 25 يناير بالمؤامرة، ما اضطر علي عبد العال، رئيس المجلس للتدخل لمنعه من الاستمرار، قائلًا: “ما يصحش كده، ثورة 25 يناير ثورة، واعترف بها الدستور، الدستور اعترف بثورتين هما 25 يناير و30 يونيو، ولا حديث بعد ما نص عليه النص الدستوري”.

وعلى المستوى الرسمي، لم يكن هناك إنكار لثورة يناير، وكان ذِكرها حاضرًا في الاحتفالات الرسمية وخطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

تحرك قضائي

المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، محمد سيد، يقول لـ “مصر 360”: لا أعتقد أن ما حدث نتيجة خطأ كما أفاد موظفو التأمينات والمعاشات في قولهم للمتضررين، حيث إن العلاوات حق للمستفيدين من المعاشات الاستثنائية مثل كل مستحقي المعاشات، مضيفًا أنه من غير المفهوم الإجراء الذي اتخذته التأمينات والمعاشات بتخفيض المعاش بنسبة تقترب من  40%.

ويوضح أن المركز سيقوم برفع دعوى أمام القضاء الإداري، فور استكمال الأوراق، للمطالبة بإبطال قرار خصم العلاوات الثلاث، استنادًا إلى الدستور والقانون، وكذا المطالبة بصرف المبالغ التي تم خصمها بأثر رجعي، مستنكرًا هجوم التأمينات والمعاشات على حقوق مصابي ثورة 25 يناير.