في زحمة الشوارع والميادين، تقف فتاة تنتظر صديقتها التي على موعد معها، لكن هناك شيٌء آخر كان ينتظرها، اعتاد أن يصطاد فريسته في هذه المواعيد، دون اعتبار للجسد أو الشكل أو الملبس، أو حتى عمر الضحية، فهي مجرد فريسة وسط الزحام، يقترب منها ببطء وفي لحظة هو وحده يعرفها يتحرش بها جنسيًا ويفر هاربًا، تقف الفتاة في حالة صدمة ينتابها صراخ لكن دون جدوى، فقد فر المجرم بعملته، وظلت هي وحدها تصرخُ، أما الشارعُ فلم يهدأ الزحام ولم ينتبه أحد لما حدث.
تقول “شيماء إمام” إحدى ضحايا التحرش: “في كل مرة أتعرض فيها للتحرش، ينتابني غضب شديد أكره فيه العالم والمجتمع، أقف أمام مرآتي أتحسس ذلك الجزء الذي تم انتهاكه من جسدي، أحاول ألا أنظر إليه، بل تملأنُي مشاعر كراهية تجاهه، وأود لو اختفى من جسدي للأبد، لمجرد أن شخصًا غريبًا لمسني غصبًا وكرهًا.
تقول الفتاة الثلاثينية: “إنها كل يوم تستغرق وقتًا طويلًا تفكر فيه عن نوع الملابس التي سترتديها اليوم وغالبًا ما تختار ملابسها على موقع ونوع المكان الذي سوف تذهب اليه، وطريقة تنقلها بواسطة مواصلات عامة أم سوف تستقل سيارة خاصة بها تنقلها وتعود بها”.
اقرأ ايضاً:
تحذيرات وقائية من جرائم الأطفال الجنسية عبر النت
كره المجتمع
لم يختلف شعور “شيماء” عن “سارة نصر” في نظرتها لجسدها وما يترتب عليه من أوجاع وآثار نفسية بعد كل حادثة تحرش، تقول “سارة”: إن التحرش سبب لي الكثير من الأذى النفسي وصل لمرحلة كره المجتمع، الخوف من الناس والتعامل والاختلاط، خوف وترقب من كل شيء، توجس وقلق من الشارع والزحام والمواصلات، أشعر وكان أنظار المترحش وتربصه يلاحقني في كل وقت وكل مكان”.
تقول الفتاة العشرينية: “أصبحت أخشى حياتي الجنسية بعد الزواج، أخشى من ملامسة جسدي، ذك الشيء الذي كلما أفكر فيه تصيبني حالة من التوتر والقلق وكأن أحدًا يأخذ روحي”.
آثار نفسية
يبدو أن للتحرش الجنسي آثار نفسية وجسدية تظهر مع الوقت، فالمتحرش يفر بعملته الإجرامية بينما تظل الفتاة وحدها في مواجهة الفعل وماترتب عليه من آثار.
وتعليقا على ذلك تقول ريهام خليل الاخصائية النفسية:”إن للتحرش الجنسي آثاره النفسية والجسدية لكنها تختلف من فتاة إلى أخرى، فمن الآثار النفسية على المستوى الجسدي التي من الممكن أن تظهر هي اضطرابات النوم سواء كوابيس أو أرق أو نوم بكثرة من باب الهروب، اضطرابات الأكل سواء بشراهة أو الانقطاع عنه، بالإضافة إلى أمراض كثيرة غير مسببة أعراض سيكوسوماتيك مثل التهابات المعدة وألم أسفل الظهر والصداع”.

وتضيف أما الآثار النفسية منها:” كره جسدها و الشعور بالقرف منه، انخفاض تقدير الذات و عدم احترام النفس، وبعضهن يميل إلى استخدام العنف وتحاول الظهور بمظهر رجولي، وأخريات يميلن للضعف ورفض التعامل مع المجتمع، وأحيانا في حالة تكرار التحرش من أحد قريب وعدم قدرة الفتاة للدفاع عن نفسها يصل الأمر للاكتئاب الشديد و الأفكار الانتحارية”.
وأوضحت أن التحرش يترك آثارًا جنسية لدى الفتاة، منها الشعور تجاهه بالقرف والخوف الشديد منه وبالتالي من الخوف ورفض فكرة الزواج وممارسة الجنس وخصوصًا إذا كان الزواج تقليديًا، ليس عن طريق الحب، لافتة إلى أنه لابد من إحداث تأهيل نفسي لضحايا التحرش، للخروج من الأزمة النفسية التي حلت عليهن بسبب واقعة التحرش، لكن هذا لا يمكن أن يحدث إذا ظلت الفتاة في تعرض لتلك الجريمة، وبالتالي لابد أن تكتسب الفتيات بعض المهارات لحماية أنفسهن من التحرش”.
اقرأ أيضًا:
“ضحايا التحرش”.. السوشيال ميديا وسيلة آمنة للفضفضة بعيدًا عن الأسرة
“قولي لا”
وتتابع:” أول المهارت التي لابد من الفتيات اللاتي يتعرضن لتتحرش أن يتعلموها هي التوكيد الذاتي، وتعني التعبير عن النفس بشكل واضح وصريح وصارم، ويترسخ في الذهن بعض المفاهيم التي تساعد في الدفاع عن النفس منها أن المتحرش جبان، وأن الأزمة ليست في شكل الجسد أو اللبس، وأن التحرش هي أزمة في المجتمع وكثير من الفتيات يعاني منه وهو يعزز فكرة المشاركة المجتمعية وأن الأمر من الممكن أن يتغيرن بالاضافة الى اقتناع الفتاة بقدرتها على الدفاعن عن نفسها”.

وتضيف: “كل هذه المفاهيم إذا ترسخت في الذهن تساعد الفتاة في الدفاع عن نفسها إلى جانب ضرورة أن تتعلم الفتيات أيضًا التعبير عن مشاعرهن طوال الوقت وعدم الخوف، ورفض غير المرغوب فيه بكلمة لا”.