يعتبر الأحواز الأقلية الأكثر اضطهادًا في بلاد فارس، والتي لم تحظى بأدنى حقوق منذ العهد البهلوي، وحتى عقب قيام الثورة الإسلامية، ما جعلها مستمرة في استهداف السلطات الإيرانية معلنة تمردها على سوء أحوالها، واحتجاجًا على الاضطهاد الممنهج ضدها، ما ألصق بها تهمة الإرهاب الدائم من قبل النظام الملالي الذي تودعها بأشد أنواع العقاب.
تاريخ إقليم الأحواز
أطلق فيما مضى على إقليم الأحواز، إقليم عربستان، والذي تمتد حدوده جنوب غرب إيران مطلًا على الخليج العربي، ويعود تاريخه إلى خمسة آلاف سنة، حيث عاصر حضارات قديمة ومختلفة، جعلته يتمتع بحضارة تمتلك ثقافة أدبية متنوعة، منبثقة من حضارة العيلامين القديمة.
سكنت الإقليم قبائل عربية قبل الفتح الإسلامي بمئات السنين، وكانت لغتهم الأساسية العربية المتأثرة باللهجة العراقية وثقافتها إلى حد كبير، إلا أنهم يتحدثون اللغة الإيرانية في ذات الوقت.
ويصل عدد العرب الأحواز في إيران إلى 5 إلى 7 ملايين نسمة، معظمهم في إقليم “الأحواز”، وينتمون إلى 17 قبيلة أبرزها “المعشعشين، وربيعة، وآل تميم، وآل خميس، وبني كعب، وبني طرف، والباوية، والزرقان”.
أهمية الإقليم
يمر بإقليم الأحواز أكبر نهر في إيران نهر” كارون” ويصب بشط العرب، لتصبح أرضه من أكثر الأراضي خصوبة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنه يحتوي على أكثر من 80 بالمئة من النفط الإيراني، ما جعل السلطات الإيرانية تفرض سلطاتها عليه نظرًا لأهميته الاقتصادية.
الاحتلال الفارسي
ظل إقليم عربستان، معترف به كدولة في العهد العثماني، قبل أن يحتله الإيرانيون في عهد الشاه رضا بهلوي عام 1925م، بعد خلع آخر حاكم عربي للإقليم الشيخ خزعل الكعبي، وضمه “الشاه” إلى السلطات المركزية، ليصبح اسمه إقليم “خورستان”، وهو الاسم المطلق عليه حتى الآن.
اقرأ أيضًا:
وسعى الشاه البهلوي لطمث الهوية العربية في “الإقليم”، مصدرًا قرارات بإلغاء اللغة العربية، وتعميم اللغة الفارسية في المدارس والمصالح الحكومية.
انتفاضات عسكرية وسياسية
عقب خلع الشيخ “الكعبي” تشكلت عدة حركات لمقاومة الاحتلال الإيراني، كان أبرزها حركة “انتفاضة الغلمان” نسبة إلى القبيلة التي شكلتها، فهاجمت الجيش الإيراني الذي تمكن من قمعهم.
وفي عام 1928 قاد زعيم قبلية الشرفاء، محيي الزييق الشريفي، الانتفاضة الثانية والتي استمرت ستة أشهر، إلا أن الجيش الإيراني تمكن من قمعها أيضًا عبر قصفهم جويًا.
وبعدها بعامين تكررت الانتفاضة على يد قبيلة “كعب الدييس” وكالعادة نجح الإيرانيون في قمعها بل وإعدام زعمائها، قبل أن تعاد الكرة في عام 1932 عندما انتفضت قبلية “الجغربية” بقيادة كاسب بن الشيخ كزغل، إلا أنها فشلت أيضًا في كسر شوكة الجيش الحربي النظامي الإيراني.
وتنوعت المقاومة بين منظمات ثورية وأخرى سياسية، فظهر أول حزب سياسي منظم عام 1946م عُرف باسم حزب السعادة، وتلاه العديد من الأحزاب مثل الاتحاد العام لطلبة وشباب الأهواز، والمجلس الوطني الأحوازي، والجبهة العربية، إلا أن تلك المحاولات لم تقابل إلا بالقمع للإبعاد عن ممارسة أي دور سياسي.
دعم الثورة الإسلامية
دعم الأحواز قيام الثورة الإسلامية في إيران، التي قامت عام 1979م، ضد الشاه”محمد رضا البهلوي”، آملين في إنهاء الاحتلال الإيراني لوطنهم، إلا أن الوضع لم يتغير كثيرًا عقب نجاح تلك الثورة المزعومة، بل استمرت المعاناة لكن تحت لواء سلطة جديدة، حسبما ذُكر في كتاب الأحواز عربستان في أدوارهم التاريخية.
الوضع الراهن
يعانى “الأحواز” من القمع والتهميش وفرض الضرائب الباهظة عليهم، وتكرار الاعتقالات لناشطيهم السياسيين، في ظل حكم نظام الملالي، ليس على الصعيد السياسي فحسب وإنما من الناحية الاقتصادية أيضًا، إذ استولت السلطات الإيرانية على كثير من أراضي “الإقليم” معللين ذلك ببناء مصانع تارة، وتارة أخرى بادعاء أن أصحابها لا يملكون أي أوراق تثبت ملكيتهم لهذه الأراضي، على الرغم من أنها كانت في حوزتهم منذ مئات السنين.
كما يمنع على الأحواز الحصول على أي مناصب، أو رتب في الجيش، أو وظائف هامة في الدولة، حتى بلغت نسبة البطالة في الأحواز إلى أكثر من 16 بالمئة من نسبة البطالة الكلية في الدولة الإيرانية حسبما ذكر مركز الإحصاء الإيراني.
ويقول رئيس حركة رواد النهضة لتحرير الأحواز “أحمد قاسم” إن الانتهاكات التي يمارسها النظام الملالي ضد الشعب العربي الأحوازي مستمرة، إذ تعمل السلطات على تكرار الاعتداءات بحق الأسرى الأحواز ممن يقبعون في السجون التابعة للنظام.
وأشار “قاسم” في عدة تصريحات إعلامية للوكالات الناطقة بالفارسية، إلى أن الوضع الصحي في الأحواز والمدن التابعة له، وصل إلى مرحلة متدنية مخيفة بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، متهمًا النظام الإيراني بنقل الفيروس إلى السجن المركزي للأحواز، الذي يضم عددًا كبيرًا من الأسرى السياسيين العرب للقضاء عليهم عبر إصابتهم عمدًا بـ”كوفيد19″ بحسب تصريحاته.
لا حقوق دستورية
لا يعترف الدستور الإيراني بالأحواز كأقلية عرقية أو دينية، وبالتالي ليس لهم أي مقعد في مجلس الشورة الإسلامي، ولا نائب يمثلهم.
انتفاضات مستمرة
ظلت المقاومة السياسية تسيطر على الصراع الأحوازي – الإيراني عقب نجاح الثورة الإيرانية، ومن أشهر هذه المقاومات “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” التي تأسست عام 1998م على يد “حبيب نبجان ” في الدنمارك وغيرها من الأحزاب، مثل حزب الوفاق الإسلامي، مجموعة عربستان، والجبهة العربية لتحرير الاحواز، وحزب التضامن الأحوازي.
وخلال تلك الفترة قامت أكثر من 15 انتفاضة كان آخرها وأقوها عام 2005م عقب إذاعة برنامج تليفزيوني في قنوات إيران الرسمية، ينزع هوية العروبة من إقليم الأحواز، بل وأساء إلى سكان الإقليم، ما أسفر عن تظاهرات استمرت أربعة أيام متتالية، استخدام فيها قنابل الغاز المسيلة للدموع لتفريق المظاهرات، وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية “هرانا” عن شن الحكومة لحملات اعتقال أدت لاعتقال نحو 100 معتقل ومقتل 59 شخصًا آخرين.
المقاومات المسلحة
بدأت “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” نشاطها المسلح عبر أول هجوم ضد الدولة الإيرانية عام 2005م، وقامت بالعديد من التفجيرات مثل تفجير خط أنابيب للغاز في جنوب إيران عام 2015، وتفجير خط أنابيب جنوب إيران.
اقرأ أيضًا:
وأعلن قائد هذه المجموعة أن حركته دمرت امتداد خطوط النفط عام 2017، واغتالت رئيس الدرك “أحمد مولي” ورئيس جهاز الاستخبارات ومجموعة من فرقته فى نفس العام، وتبنت عملية استهداف موكب الحرس الثوري الذي أقيم في سبتمبر 2018 وأسفر عن مقتل 29 شخصًا واصابة 57 آخرين، ما جعل السلطات الإيرانية تصنف تلك الحركة بالإرهابية وتتهم أعضاءها بالانضمام لجماعة إرهابية محظورة.
الرد الرسمي
تستنكر السلطات الإيرانية التقارير التي تظهر وجود ممارسة قمع واضطهاد للأحواز في البلاد، مؤكدة أن الأحواز يعيشون ككافة الأقليات في سلام تام، تحت مظلة جمهورية إيران الإسلامية، وأنهم يحصلون على حقوقهم كاملة، وأن ولائهم الكامل للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية “علي الخامنئي” ، الذي تحدث إليهم بالعربية مستنكرًا محاولة طمث هويتهم.
المشاهير
أما عن أبرز مشاهير الأحواز فيأتي على رأسهم حسن ناصر الحيدري وهو شاعر إيراني ولد عام 1992، وتمكن من الحصول على شهرة واسعة، بسبب أشعاره، التي دافع فيها عن أصل الأحواز العربي، ورفضًا لطمث هوية الإقليم، وكانت هذه الأشعار سببًا في اغتياله.
إذ اتهم سكان إقليم الأحواز السلطات الإيرانية باغتياله عبر تسميمه وهو ما أكدت عليه أسرته، عقب الإفراج عنه بعد اعتقاله، ما أسفر عن خروج العديد من التظاهرات، وصلت إلي حد إسقاط علم إيران المرفوع في الإقليم، للمطالبة بالكشف عن ملابسات موته.