أرث ثقيل تسلمه رؤساء الهيئات الإعلامية الثلاثة (المجلس الأعلى للإعلام- الهيئة الوطنية للصحافة- الهيئة الوطنية للإعلام) عقب حلفهم اليمين مطلع الأسبوع الجاري أمام البرلمان، فهل ينجح التشكيل الجديد في إحداث طفرة نوعية للإعلام المصري لاستعادة ريادته.

“التشكيل السابق للهيئات الإعلامية لم ينجز الأهداف التي وردت في القانون، ولم يحرز فيهم تقدما ملموسا” بحسب أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة وعضو المجلس الأعلى للصحافة سابقا، حسن عماد مكاوي. ففي مجال الحرية الرأي والتعبير مثلا، اعتبر “مكاوي” أن المجلس الأعلى وردت له شكاوى واضطهادات وحجب مواقع، كان لزاما عليه وفقا لدوره حماية حرية الصحافة والإعلام، ولا يقيد تلك الحرية، بحسب ما صدر عنه من قرارات.

ولا تزال مشكلات ديون الصحف القومية قائمة، والأعباء المالية لم تتحسن، فضلا عن سوء وضع الصحفيين بها، بحسب أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الذي أكد أنه لا يوجد ما يدعو للتفاؤل بشأن إحراز تقدم في المهام الموكلة لهم الآن خاصة أنهم لم يحرزوا تقدما في المهام السابقة.

 

يستند “مكاوي” على رأيه باستمرار حسين زين رئيسا للهيئة الوطنية للإعلام في التشكيل السابق والحالي، ونقل كرم جبر من رئاسة الهيئة الوطنية للصحافة في التشكيل السابق وتعينه رئيسا للمجلس الأعلى للإعلام، دون حدوث طفرات وحل لمشكلات الصحف القومية وقت ولايته. يؤكد أستاذ الإعلام أن هناك تقدم ملموس في عدة ملفات بالدولة لم يكن ملف الإعلام والصحافة من بينها ولم يحدث فيه انجاز، فمازال المحتوى الإعلاني يطغى على المحتوى الإعلامي ويتحكم فيه، مطالبا القائمين على الهيئات الإعلامية استيعاب القانون واختصاصاتهم جيدا وتطبيقها على أرض الواقع يلمسه المتلقي والعاملين بالمجال.

 

اقرأ أيضا:

الإعلام وهيئاته ..نقلات مضطربة على “رقعة الشطرنج”

 

اختصاصات المجلس

أبرز اختصاصات المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذي رأسه الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، إبداء الرأي في مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عمله، كما اختص القانون المجلس الأعلى بوضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بمحتواها. ووضع القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني بالاشتراك مع النقابة المعنية.

مجالس تسيير أعمال

ووفقا لتلك الاختصاصات يرى الخبير الإعلامي وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ياسر عبدالعزيز، إن الهيئات الإعلامية لم تتحرك باتجاه حل مشكلات الإعلام والصحافة، ولم يطرأ أي تحول جذري على مستوى الصناعة واصفا التشكيل السابق بالهيئات “مجالس تسيير أعمال”.

ويدلل على قوله بأن لدى الإعلام المصري أكثر من 50 مطبوعة، وأكثر من 20 قناة تلفزيونية ومع ذلك لم يحققوا المأمول منهم، متسائلا “هل نحن لحاجة إلى هذا العدد، وراضون عن مستوى المحتوى المقدم في هذه الوسائل”.

 

 

اقرأ أيضا:

 في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. حجب الرأي وتغريم التعبير

 

يؤكد عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن الهيئات الإعلامية في تشكيلها السابق بذلت مجهودا لتطوير عملية تنظيمية، لكن هذا المجهود غرق في مشكلات الحظر والتقييد والمنع، بدلا من العناية بدور التنظيم والتطوير.

يقول “عبدالعزيز” إن الهيئات في تشكيلها الحالي لديها تحدي كبير وخطير، عليها أن تخضع ملفاتها لدارسة متأنية لأن استمرار الوضع الحالي بوسائل الإعلام غير جائز، وتصفية وسائل الإعلام غير مطروحة، مشيرا إلى أن الحل هو إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية لتكون أكثر تلبية لشكل الإعلام الجديد.

 المراجعة لملف الإعلام مسألة حساسة وخطيرة بحسب وصف الخبير الإعلامي، لذلك يعتبر أن التشكيل الجديد للهيئات الإعلامية “يعكس رؤية الدولة للإعلام وتصورها لدوره وموقفها منه، وهي ترجمة لما تريده الدولة من الاعلام”.

آلية تنسيق

ينصح الخبير الإعلامي بإيجاد آلية تنسيق فعالة بين الهيئات ووزارة الدولة لشئون الإعلام لتلافي تضارب الاختصاصات، ومراجعة الأدبيات الموجودة بالقانون، ووضع خطة مدروسة ومعلنة فيما يتعلق بتنظيم مجال الإعلام وتطويره، وتلافي الأخطاء السابقة. مع الوضع في الاعتبار أن أي حل جذري لملف الإعلام سينطوي على تكاليف موجعة، حسب قوله.

خطة تطوير

الهيئة الوطنية للصحافة برئاسة كرم جبر عكفت على مدار أكثر من عامين على خطة تطوير وتحديث المؤسسات الصحفية القومية، والتي حالت أزمة كورونا دون تنفيذها متضمنة محورين رئيسيين، الأول يتعلق بالرقمنة والثورة التكنولوجية، سعياً لتحديث المؤسسات الصحفية القومية واللحاق بالثورة التكنولوجية الرابعة، والتي بدأت من خلال إنشاء بوابة إلكترونية لمؤسسة الأهرام، سيتبعها باقي المؤسسات.

كما تضمن الخطة بحسب تصريحات جبر حينها، تنظيم سلسلة دورات تدريبية للكوادر الصحفية والإعلامية بالاشتراك بين الهيئة ووزارتي الاتصالات والقوى العاملة والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والجامعات المصرية، لصقل مهاراتهم في المجال التكنولوجي والرقمي.

بالإضافة إلى العمل على تفعيل نظام الإعلانات الرقمية بنماذجها التكنولوجية الحديثة والإعلانات التفاعلية والمتحركة، ودراسة تسويق كنوز المؤسسات الصحفية القومية (الصور النادرة – الوثائق – الأحداث التاريخية – مقالات كبار الكتاب). فيما بلغت ديون المؤسسات الصحفية 19 مليار جنيه بحسب آخر تصريحاته.

 

سقف حرية وتنوع

نقيب الصحفيين الأسبق، يحيى قلاش، يرى أن أزمة الإعلام ليست في الأشخاص بداخل الهيئات الإعلامية، وإنما في نهج تلك الهيئات، ومن ثم عدم التعويل على الأشخاص حسب تغيرهم أو تغيير مواقعهم. يقول “التغيرات المتعاقبة أشبه بطباعة ورقة كل طبعة ابهت من سابقتها، فالمجلس الأعلى والهيئتين تحولوا من شيء يقصده الدستور بترسيخ إعلام مستقل قوي لشيء اخر نقيض حتى أصبحوا أداة تهيمن عليها السلطة التنفيذية”.

يستطرد “السلطة التنفيذية أصبحت تحرك الهيئات في أي اتجاه، وحدث خلل بين مقصد الدستور الذي كفل حريات غير مسبوقة للإعلام والصحافة، روحا ونصا، وبين الواقع الحالي لأداء وقرارات تلك الهيئات الذي هيمن ومنع هامش الحرية الموجود سابقا أحدث ردة للوراء بشكل مخيف”.

يؤكد نقيب الصحفيين الأسبق أن أزمة صناعة الإعلام تحتاج لسقف حرية وتنوع بمثابة اكسجين يساعدها على التنفس والعيش، وليس الدخول لبيت طاعة السلطة، بحسب وصفه. فالصحافة والإعلام لها دور في خدمة الدولة والنظام من خلال تبصيره بالوضع الراهن، لو لم يؤد دوره على النحو المطلوب وتقديم خدمة إعلامية جيدة تساهم في زيادة وعي المواطن سيكون خطر على البلد.