“هاتولي أجدع بيه ولا باشا يقدر يعيب على الحشاشة.. جدع يا قرقر الصلى ع الزين”، كانت هذه إحدى “كوبيلهات” أغنية “الحشاشين” أو “التحفجية” للمطرب الشهير سيد درويش، التي قام بغنائها منذ سنوات طويلة، تمجيدًا منه لمادة الحشيش ومتعاطيها، وإجلالًا لها.
ولم يكن سيد درويش وحده من مدح “الحشيش” في الأغاني، ولكنه كان في المقدمة، وتوالت بعده أعمال مشابهة باختلاف أنواعها ما بين “راب” و”شعبي” وغيرها وبلهجات مختلفة، التي إما تعظّم في قدره أو تتناول تأثيره على متعاطيه، إلى أن وصلنا إلى “هشرب حشيش” لمطربة “الاندرجراوند” لوكا.
وخلال السنوات الأخيرة، عمد بعض المطربين الشعبيين في مصر، إلى التعرض لـ”الحشيش” في أعمالهم، منهم محمود الحسيني في أغنية “سيجارة بني”، والتي وصف بها حالته بعد تعاطي “الحشيش”، كما قدم محمود سمير مهرجانًا شعبيًا تحت اسم “حشيش فستك” انتقد فيه المجتمع و”الحشيش المضروب”.
وعلى الجانب اللبناني، قدم الموسيقار إبراهيم معلوف، مقطوعته الموسيقية الأشهر “حشيش”، وقد طرحها في ألبومه الأول عام 2007، وقدمت المخرجة نادين لبكي في فيلم “هلا لوين” أغنية “حشيشة قلبي”.
ولكن تظل الأغنية الأشهر التي كانت في سبعينيات القرن الماضي، وهي “الكمي كمي كا” للفنان محمود عبد العزيز، والتي قام بغنائها في فيلم “الكيف”، والذي دارت قصته بالكامل حول “الحشيش” وتأثيره على متعاطيه، وكيفية تكوينه.
ثرثرة فوق النيل
ما بين “ولع خلينا نسطل جدك الكبير”، الذي تم التفوه بها في أحد مشاهد فيلم “ثرثرة فوق النيل” عام 1971، والذي كشف عن طبقة المثقفين وكيف أثرت نكسة 1967 على حياتهم وأفكارهم، وجعلتهم من عبيد “الدخان الأزرق” الذي يعيشون لأجله صباحًا ومساءً، والذي يحاولون الاستعاضة به عن الواقع المرير الذي يرون أنهم وقعوا به فجأة.
وكان الفيلم بطولة عماد حمدي وأحمد توفيق وأحمد رمزي وسهير رمزي، ومن تأليف نجيب محفوظ، وسيناريو وحوار ممدوح الليثي، وإخراج حسين كمال.
“لو حلال أدينا بنشربه ولو حرام أدينا بنحرقه”، كانت هذه أيضًا من العبارات التي وردت بفيلم “العار” للفنان نور الشريف، والذي ظهر خلاله أنه تاجر “حشيش” لا يؤمن أنه حرام، ولكنه يحرم باقي أنواع المخدرات باعتبار أنها تُذهب العقل.
فيلم “العار” من بطولة نور الشريف ومحمود عبد العزيز وحسين فهمي، ومن تأليف محمود أبو زيد وإخراج علي عبد الخالق.
ومن الأفلام أيضًا التي تناولت الحشيش من اتجاه آخر هو فيلم “الكيف”، الذي عرض الحشيش من ناحية تصنيعه وكون تأثير المخدر إيحائي أم حقيقي، وكان هناك اتجاهين، أحدهما داعم للحشيش ويمثله محمود عبد العزيز، والآخر يرى أن الأمر إيحاء نفسي ليس إلا، ويمثله يحيي الفخراني، وكان من الأغنيات الداعمة للحشيش هي “الكمي كمي كا”.
وشارك في بطولة هذا الفيلم إلى جانب محمود عبد العزيز ويحيي الفخراني، الفنانة نورا، والفيلم من تأليف محمود أبو زيد، وإخراج علي عبد الخالق.
كما تناول فيلم “حتى لا يطير الدخان” للزعيم عادل إمام تعاطي طبقة أبناء الأثرياء للحشيش، مؤكدًا أن الحشيش لا يذهب إليه الفقراء فقط للخلاص مما يعانونه في حياتهم من مشكلات، ولكنه يكون للترفيه ورغبة في السعادة لأبناء تلك الطبقة، حتى سعى عادل إمام ذو الطبقة الأدنى منهم للثراء من خلال بيعه لهم.
والفيلم من بطولة عادل إمام وسهير رمزي وأحمد راتب ونادية أرسلان، ومن تأليف إحسان عبد القدوس وسيناريو وحوار مصطفى محرم وإخراج أحمد يحيي.
أما فيلم “المساطيل”، والذي جمع أبناء الطبقة العليا والفقراء حول “جوزة الحشيش” التي لا تُفرق بين أبناء الطبقات المختلفة، والذي أظهر أثر الحشيش وسلبيته مما جعلهم يقومون بارتكاب جريمة.
الفيلم من بطولة ليلى علوي ومحمود حميدة وحسن حسني ونجاح الموجي وأحمد ماهر، ومن تأليف وحيد حامد، وإخراج حسين كمال.
“يا صهبجية إيه ياللي حاجة من اللي هي إيه يا للي حبة آهات على عين على ليل على تراللي”، وكانت إشارة من داوود عبد السيد بصوت محمود عبد العزيز في فيلم “الكيت كات”، لحلاوة تذوق “الحشيش”، الذي لطالما كان مخرج الإنسانية، يُلمّح إلى تعاطي المصريين إلى “الحشيش” كما حدث في فيلم “مواطن ومخبر وحرامي”، وكان ذلك من خلال الأغنية الأشهر “هبطل السجاير”.
مثقفون يعلنون تعاطيهم للحشيش
دائمًا ما يُقال على المصريين إنهم “أصحاب مزاج”، ويُذاع أيضًا أن “الحشيش” هو “مزاج الأكابر”، والذي لم يكن معلومًا للكثيرين أنه كان في بداية ظهوره في مصر لمن هم أرذل الناس، إلى أن انقلب الوضع، حين قامت الحرب العالمية الأولى فاختفت الخمور الجيدة من الأسواق، ولم يكن أمام الفئات العليا من المجتمع إلا استخدام “الحشيش” لتعويضهم عن اختفاء الخمر.
ولكي يحدث الإبداع لجأت طبقة المثقفين إلى الحشيش للوصول إلى حالة السعادة في الكتابة والإبداع، وكان من هؤلاء وعلى رأسهم المطرب سيد درويش، والذي دارت الشائعات حول وفاته بجرعة زائدة من “الحشيش”.
كما نُقل عن الأديب العالمي نجيب محفوظ، أنه كان يتعاطى “الحشيش” والذي كان متداولًا على القهاوي وغير مجرم قانونًا، وأكد ذلك الكاتب رجاء النقاش في كتابه “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”، أن الأديب العالمي قال:” كنت أشرب الحشيش يوميًا، لكني بطلت الحشيش خوفا من التفتيش الذي كان يلازم البيوت بعد انفجار سينما مترو”.
وأعلن أيضًا الكاتب خيري بشارة تعاطيه “الحشيش”، حيث قال في أحد اللقاءات: “جلسات الحشيش تشبه جلسات الذكر من حيث الانسجام والتوحد، وأنها تذيب الفوارق الطبقية والإنسانية بين البشر وكأنها توحد بينهم”.
ومن المشاهير أيضًا الذين تفاخروا بتعاطيهم “الحشيش” الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم، والذي أعلن ذلك في معظم اللقاءات التي ظهر بها.
كذلك الفنان الراحل سعيد صالح الذي تطور معه أمر تعاطي “الحشيش” إلى إلقاء القبض عليه عام 1991، وعوقب بسبب العثور على “سيجارة حشيش” بحوزته.
ونرى مع اختلاف السنوات وتراوحها ورغم وجود الكثير من أنواع المخدرات في الأسواق وتنوعها، إلا أن “الحشيش” يظل “سيد أهل الكيف”، و”مزاج البشوات” و”أصحاب المزاج العالي”، في مختلف الطبقات الاجتماعية المصرية.