ضجة كبيرة ملأت الأرجاء بشأن التحرش في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تفجير قضية الشاب أحمد بسام زكى المتهم بالتحرش والاغتصاب لنحو 150 سيدة، وهي القضية التي أثارت حالة من الجدل بشأن التحرش ومفهومه الدارج وأبعاده وتأثيره على المجتمع.
أحد المفارقات النفسية أن بعض المتحرشين مصابين بأمراض عضوية، وهو الأمر الذي يجعل التشريح النفسي للمتحرش خطوة لا غنى عنها في معالجة الأزمة التي تفاقمت وانفجرت في وجه المجتمع مؤخرًا.
“لم أعد أحتمل.. الحب والتحرش بالنسبة لي وجهان لعملة واحدة”، للوهلة الأولى قد تظن أن قائل هذه الجملة رجل ولكنها مريضة بسبب التحرش، إنها امرأة اختلطت معها مشاعر الحب بأفعال التحرش، وأصبحت لا تستطيع الحياة بدونه.
تفاصيل القصة تسردها الدكتورة نهى النجار، المعالجة النفسية، تقول إن المريضة فتاة تبلغ من العمر نحو 32 عاما، تعرضت للتحرش من أبيها في سن مبكر، اختلطت لديها مفاهيم الحب والتحرش لتعتبر أن مشاعرها تجاه الأطفال يجب أن تترجم في التحرش بهم.
تعاني الفتاة من اضطراب نفسي، حيث تتحرش بمن هم في سن الـ “9 لـ 12 عام”، وحيدة تخاف الزواج، وتبحث عن علاج للخلل القائم في حياتها”.
صاحبة الـ 32 عام تعاني من ضغوط أسرية وتقول عن أفعالها: “لا أستطيع السيطرة على أفعالي، فأنا أحب ووالدي كان يحبني ويفعل نفس الشيء”.
وتؤكد دكتورة نهى النجار أن المريض النفسي هو شخص مسئول عن أفعاله أمام القانون، وما تعاني منه هذه الفتاة اضطراب في فهم وترجمة مشاعر الحب، فالمريضة تعتبر أن الجواز مجرد تكرار نمطي لنفس المشاهد المؤلمة التي عانت منها ولازالت تعاني منها في بيت أبيها.
أمراض تدفع للتحرش
“أنا فجأة مبقتش أسيطر على نفسي، أنا موظف في الجامعة وطول عمري ماشي على الصراط المستقيم.. روحت القسم 3 مرات بالتحرش.. أنا مجنون”، وصف ضمني لمشهد غريب قاله أحد المتحرشين للدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية، باحثًا عن علاج له والقصة كاملة كما يرويها ” فرويز” لـ “مصر 360 أنه: “شاب يعمل موظف في الجامعة فجأة بدون مقدمات بدأ في التطاول على الفتيات في الشارع وملامستهم من الخلف، وردود الفعل على هذا الشاب كانت مختلفة، فأحد ضحاياه تصرخ والأخرى تلجأ للمواطنين وثالثة تشتمه وغيرها يصحبه لقسم الشرطة، تم تحرير ثلاث محاضر تحرش له، إلى أن قرر أخوه أن يذهب به الى أطباء نفسيين، وأخيرا وصل لي فطلبت منه أشعة رنين على المخ ،واتضح بالفعل أنه يعانى من ورم كبير في الصدع الجانبي للمخ، وهو أحد الأمراض الشهيرة التي تحدث خلل جنسي، وتم تحويله لمتخصص في جراحة المخ والأعصاب للتعامل معه، وبعد العلاج تعافى تماما ولم يكرر فعلته”.
اقرأ أيضًا:
“فرويز” يروي قصة أخر من داخل عيادته لشخص وصفه بـ “مسئول كبير” اصطحب أفراد عائلته له، وكانت الواقعة مفزعة، فصاحب القصة شخص معروف عنه الالتزام الجنسي والأخلاقي طلب من الخادمة أن “تداعب عضوه الذكري وتحصل على النقود في المقابل”، وبالنظر الى الحالة وإجراء التحاليل اللازمة اتضح أنه مريض زهايمر، وهو عادة ما يتسبب في اضطرابات جنسية، ولفت أن هذه الحالة يتم صرف علاج لها يخفف من حدة هذه الأعراض.
تعددت الأمراض.. والنتيجة متحرش
استشاري الطب النفسي في الأكاديمية الطبية العسكرية، أكد أن لكل مسمى أو عرض تفاصيل، وكلمة “التحرش” في مطلقها حمالة أوجه كثيرة، ويجب الوقوف على تفاصيل كل حالة على حده، فهناك العديد من فئات التحرش وأنواعه تبدأ بالسؤال عن فترة التحرش نفسها “هل هي قديمة ومتصلة أم أنها موسمية، وما إن كان صاحبها يعاني من أمراض عضوية. وعن أنواع الأمراض التي يندرج تحتها التحرش يؤكد “فرويز”، أنها كالتالي:
متحرش مضطرب نفسيًا:
الاحتكاك: وهو نوع يكتفى صاحبه بالتلاصق بالسيدات والاحتكاك بهم من وقت لآخر.
الاستعراء: وصاحب هذا النوع متعته تتمثل في إظهار “عضوه الذكري” أمام فتاة وإصابتها بالذعر فقط.
البيدوفيليا: والمتحرش هنا يهوى التحرش بالأطفال سواء بالأصبع أو العضو الذكرى.
اقرأ أيضًا:
المتحرش الموسمي:
وهناك نوع من التحرش الموسمي وهو الذي يظهر في فترة ويختفى في الأخرى وهذا عادة ما يكون ناتج عن أربعة أمراض وهي: “اضطراب هرمونى أو ورم في الصدع الجانبي أو الأمامي للمخ، أو اضطراب وجداني “الهوس”، والزهايمر“.
المتحرش السيكوباتي:
أما الشخصية السيكوباتية عادة ما تندفع نحو تعدد العلاقات وهو أخطر أنواع المتحرشين، فالمتحرش هنا قد يغتصب ويقتل دون أي شعور بالذنب تجاه الآخرين لأنه فاقد كامل للإحساس السلبي والايجابي، ولا يشعر بمعاناة ضحيته ولا يندم عند تكرار أخطائه.
“فرويز” أضاف في تصريحه لـ “مصر 360 أن جميع أنواع التحرش يكون فيه الفاعل مسئول عن جرائمه كبيرة كانت أو صغيرة باستثناء “إضرابات الثنايا القطبية الوجدانية “الهوس”، وتورم المخ يتم اعفائهم من المسئولية ولكن القاضي هنا سيد قراره فالطبيب النفسي يضع تقريره الفني والقاضي يصدر حكمه وبعض القضايا تم الحكم على الجناة فيها لأن القاضي اطمأن أنه وقت حدوث الواقعة كان في وعي كامل لفعلته.
دوافع ومصير علاقات المتحرش:
تعود الدكتورة نهى النجار، لتؤكد أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع المتحرش لهذا الفعل المشين، تعرض 85% من المتحرشين لصدمات في الصغر منها التربية الخاطئة والتعامل العنف والإهمال بل والتحرش بهم وانعكاس ذلك عليهم في الكبر، وبعض المتحرشون لا يعرفون معنى “الحدود الجسدية”، وهو ما يتضح جليا في محافظات الصعيد والريف، بالإضافة الى السلوك العدواني فبعض المتحرشين لديهم ميول عدوانية تجاه الآخر لدرجة تصل الى استباحته ومنهم من يعاني من القهر الداخلي والذي يجعله يجد المتعة في قهر الغير وفرض السيطرة عليه.
اقرأ أيضًا:
أما عن إمكانية ارتباط المتحرش وزواجه ومستقبل مثل هذه العلاقات، تؤكد المعالجة النفسية أن المتحرش من الصعب جدًا أن يلتزم في علاقة وينتمي إليها، فقطاع كبير منهم يلجأ لأفلام البورنو، ويبعد عن المجتمع ويعاني دائمًا من صعوبة في تقبل نفسه والايمان باستحقاقه الذاتي، معتبرة أن الإدمان قد يكون المحبب إليه للتخلص من هذه الضغوط النفسية، إلا أن إقامة علاقة متوازنة وحقيقية أمر يكاد يكون مستحيل.
دكتور مؤمن خيري، خبير علاقات الثقة بالنفس، أكد أن هناك بعض المبررات يسعى عادة المتحرش الى تقديمها، ومنها زي الفتاة ورغبتها في الأمر، فعادة ما يقول المتحرش لنفسه: هي عايزة كدة وعلشان كدة ضحكت أو لبست أو تحركت أو حتى انفعلت”، فأي رد فعل يأخذه المتحرش ويحوله الى دافع ومُحفز له كي يواصل ممارساته المشينة.
وأكد “خيري” في تصريح خاص لـ “مصر 360″، أن أزمة المتحرش تتلخص في عدم قدرته على إدارة غرائزه، فهو شخص لا يستطيع التحكم في رغباته الجنسية، مؤكدًا أن هذه المشاعر ليست قاصرة على الرجل، بل أن الأنثى نفسها لديها نفس الرغبات والمشاعر، فالأمر يتمركز في مدة القدرة على التحكم في هذه الغريزة، مضيفًا أن الرجل في المجتمع المصري يمتلك قدر من السلطة أو بعض القوة العليا، بالإضافة الى ما تم ترسيخه في النفوس من ضرورة أن يكون الرجل صاحب المبادرة تجاه المرأة، وكلها أمور تحتاج لمعالجة في حال بحث طريقة تقويض المتحرش.
وأكد أن المتحرش ليس ضحية وإنما هو شخص غير متزن نفسيًا ومسئول عن تصرفاته كليًا، مؤكدًا أن أزمته تتفاقم بعد الزواج خاصة أن رؤيته للمرأة تتمحور حول كونها سلعة متاحة طوال الوقت بالإضافة الى أن سلوكها منحرف لذلك فالزوج المتحرش عادة ما يفرض سلسلة من القوانين ويسيطر في علاقته بشكل كامل ودائم الشك في المرأة التي تحت يده.