تنص جميع القوانين بالعالم، على تجريم التحرش، إلا أن مؤيدي الصمت وغض الطرف يرون وصف الأمر بذلك شيئًا من “التهويل”، بل يجملون الصورة تحت شعار “غزل لطيف”، ولكن إذا دققنا في قصص وقضايا التحرش، نجد أن التبريرات الاجتماعية ومن يدعون التدين، في بعض الأحيان، التي تتعلق بلباس المرأة او طريقة تعاملها وراء ترسيخ هذه الخرافات وبقوة.

وأثارت قضية الطالب، أحمد بسام زكي، الذي تم القبض عليه مؤخرًا، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تقديم إحدى الفتيات بلاغًا تتهمه فيه بالتحرش بها، وبعد نشر عدد من الفتيات قصصًا عن تحرشه بهن.

 

لباس المرأة

وسرعان ما تحول الأمر لمناقشات وتبادل اتهامات بين رواد مواقع التواصل، حيث دخل الدعاة ورجال الدين على خط الأزمة، وكان أبرزهم الداعية عبدالله رشدي، الذي تمت مهاجمته بعد أن جعل لباس المرأة سببًا للتحرش.

وكتب “رشدي” عبر حسابه على موقع التدوينات المصغرة “تويتر”، في منشور قديم تم تداوله بعد قضية “زكي”، قائًلا: “التحرش جريمة.. لا تقبل التبرير.. ليس لها أعذار.. لو كانت المرأة بدون ملابس أصلاً.. نرجو الله لنا ولها الهدايةَ.. لكن لا يجوز التحرش بها ولا النظر إليها، مع القطع بأنها على معصية.. وهذا من مُسَلَّمات الشرع الشريف”.

وعقب الهجوم عليه وتدشين هاشتاج باسمه، نشر رشدي منشورا عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، قائلًا: “‏ليس من الطبيعي أن تخرجَ فتاةٌ بملابس لا تصلحُ إلا للنومِ ثم تشكو من التحرش، لا أجعل ذلك مبررًا قطعًا للتحرش ولا أعفي المتحرشَ من العقوبة، ولا يبيح التحرش بمن تلبس كذلك، حتى لا يُؤَوِّلَ ضعافُ العقولِ كلامي، لكنني أعتقد أن من تصنعُ ذلك فهي جزء من المشكلة”.

 

 

وعلى غرار رشدي، خرج الداعية حاتم الحوينى، نجل أبو إسحاق الحوينى عبر موقع التواصل الاجتماعي، قائًلا: “التحرش جريمة أخلاقية؛ لا مبرر له مهما كانت مفاتن المرأة ظاهرة، وكأنها تقول: هيت لك، لكن هذه المرأة التي خالفت حكم الله بتبرجها وإظهار مفاتنها مشاركة في تفشي هذه الجريمة في المجتمع، ألا يوجد في بيوتهن رجل يغار على ابنته وزوجته أن تخرج بهذا الزي الفاضح وبهذا البرفان العاصف؟”.

“المرأة يمكن أن تفتن ألف رجل، فيما لا يستطيع ألف رجل أن يفتنوا امرأة واحدة”، تعود هذه الكلمات للداعية المصري محمود المصري الذي سأل في برنامجٍ له عام 2018 لماذا ترتدي المرأة الحجاب، فيما يتحرر منه الرجل؟، مشددًا على أن “فتنة المرأة أشد من فتنة الرجل”، مضيفاً أن “الحجاب مشروع قومي لإصلاح الأمة ونزول الخيرات والبركات”.

 

اقرأ ايضًا:

 “ضحايا التحرش”.. السوشيال ميديا وسيلة آمنة للفضفضة بعيدًا عن الأسرة

 

دار الإفتاء تفند آراء عبدالله رشدي

على خلاف آراء رشدي، أكدت دار الافتاء المصرية، أن إلصاقُ جريمة التحرش النكراء بقَصْر التُّهْمَة على نوع الملابس وصفتها؛ تبريرٌ واهمٌ لا يَصْدُر إلا عن ذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة؛ فالمسلم مأمورٌ بغضِّ البصر عن المحرَّمات في كل الأحوال والظروف.

من جانبه قال الدكتور خالد عمران، أمين عام الفتوى بدار الإفتاء، إن الدار واجبها البيان فيما يتعلق بالفتوى والأمور المتعلقة بالشريعة، مشيرًا إلى أن الدار كانت حريصة على ملء الفراغات والقيام بواجبها والرد على ما يدور في أذهان المواطنين، خاصة مع وجود بعض المتطرفين وأعضاء الجماعات المشبوهة في النفاذ للعقول عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في وقت سابق، كان الأزهر الشريف في بيان له، قال: أن حوادث التحرش وصل الأمر في بعضها إلى حد اعتداء المتحرش على من يتصدى له أو يحاول حماية المرأة المتحرش بها، فيما سعى البعض لجعل ملابس الفتاة أو سلوكها مبررًا يُسوغ للمتحرش جريمته النكراء، أو يجعل الفتاة شريكة له في الإثم.

وأكد الأزهر الشريف، أن تجريم التحرش والمتحرش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات.

وترجع آمنة نصير استاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، لوم المرأة على ملابسها وتبرير بذلك أفعال التحرش إلى ضعف الثقافة الدينية، التي اصبحت تعاني منه معظم المجتمعات الاسلامية والعربية، وأدت إلى تفسيرات مغلوطة يستخدمها الناس على أهوائهم، معتبرًا أن المرأة الحلقة الأضعف دومًا في المجتمع.

وتابعت: أن مجتمعنا العربي والإسلامي على وجه التحديد يعاني الكثير من المشكلات المتعلقة بالمرأة، لاسيما في حال تعرضها للتحرش او الاعتداء، بالإضافة إلى الاتهامات التي توجها لها والتي بعدية كل ابعد عن تعاليم ديننا الحنيف، يخرج البعض تبريرات واهية لمرتكب هذه الافعال الدنيئة.

 

اقرأ أيضًا:

كُره الجسد ورفض العلاقة الجنسية.. مصير الفتيات بعد التحرش

 

لوم الضحية

وقالت سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن جريمة التحرش هي محاولة الرجل لفرض قوته على المرأة، وهو قصور فكري يأتي من المفهوم الخاطئ وهو “القوامة”، فاختلاط المرأة في مجالات عدة كالعمل والدراسة والتي زادت في العقود الأخيرة جعل منها شماعة لتبرير التحرش بإحالته إلى أحد هذه الأسباب، فإذا كانت المرأة التي تمّ الاعتداء عليها ترتدي ما يخالف ثقافة المجتمع، يصبح المتحرش، تلقائياً، شخصاً بريئاً، والمرأة هي المذنبة لإثارتها غريزته من خلال ملبسها أو طريقة تعامها.

وتابعت: “أما إذا كانت ترتدي ما يوافق عليه المجتمع، وتمّ الاعتداء عليها، تكون الإحالة الثانية لتواجدها في الشارع ومزاحمتها الرجال في العمل؛ إذ ينظر المجتمع هنا إلى أنّ مكان المرأة الطبيعي هو المنزل، فرغم تقدم التكنولوجي والعلمي تراجع التفكير المنير في المجتمعات العربية عن سنوات بعيدة مضت، كنا فيها أكثر تقدمًا ورقيًا”.

وأكدت استاذة علم الاجتماع، أن التحرش أو الاعتداء الجنسي لا يوجد له مبرر، فهو ينطلق من تصورات ذكورية بحتة أساسها المبررات التي تخرج من أفواه تعتبر مسئولة في المجتمع وتؤثر في طبقات بعينها، فإذا خرج رجل دين أو رجل علم يبرر هذه الأفعال الدنيئة ويسندها إلى المرأة، فمن الطبيعي أن يظهر جيل مشوه فكريًا وأخلاقيًا بهذا الشكل، مشيرة إلى أن هناك أطباء ودكاترة جامعيين يدرسون هذه الأفكار لطلابهم وكأنها أساس لتعاملهم مع المرأة في حياتهم المستقبلية.

 

غياب التربية

وأشار عبد الناصر عمر، استشاري نفسي، إلى أن تبرير اتحرش بالكبت الجنسي هي رؤية مهينة للرجل أكثر من المرأة، فاذا اعتمدنا أن التحرش في أصله مرض نفسي أو ينبع من اضرابات نفسية، وإن كان في بعض الحالات صحيح ووارد، فماذا نقول عن التحرش بالأطفال وكبار السن، والتي وصت إلى حالات اغتصاب ايضًا.

وتابع عمر، أن من يبرر هذه الأفعال مشارك في جريمة أخلاقية ومجتمعية كبرى، فالتبرير يجعل المجرم يأمن العقاب والإدانة، ليصبح الاعتداء على الضحية مضاعف، مرة بالتحرش ومرة بتبريره، مضيفًا أن التحرش هو فعل لأخلاق وليس سببه أنثى وذكرا تواجدا بنفس المكان، السبب في مفاهيم العقول.

وأكد الاستشاري النفسي، أن القانون الرادع وتطبيقه هو من يحد من هذه الظاهرة، فضلاً عن ترسيخ مفاهيم صحيحة حول الأمر سواء من رجال دين أو علماء.

وتري نصير، أن التحرش ليس له مواصفات ولا يفرق بين فتاة وأخرى، سواء باللبس أو الاحتشام، والأجدر غض البصر، فهو الأصل في نقاء الأخلاق، محملة مسؤولية التحرش إلى غياب التربية القويمة من بعض الأسر في المنازل والانغماس وراء السوشيال ميديا والإنترنت.