يسعى النظام الإيراني جاهدًا إلى تجميل صورته أمام العالم، حيث يدعي بأن الجمهورية الإسلامية بلد الحريات والاعتقادات الدينية المختلفة والديمقراطية، وأن نظامها داعم للأقليات العرقية والدينية.
إلا أن النظرة الداخلية للمجتمع الإيراني تُظهر عكس ذلك، فأتباع الديانة الزرادشتية، يعانون كل المعاناة من الاضطهاد والقمع والتهميش داخل البلاد التي تأسست فيها.
تاريخ الديانة الزرادشتية
تعتبر الديانة الزرادشتية، من أقدم الديانات الإيرانية التي ظهرت قبل الإسلام حتى، وتعد أول الديانات التوحيدية في العالم، إذ ظهرت قبل 1500 عام من الميلاد، حسبما ذكر في الأدلة الأثرية والنصوص الهندوسية اللغوية “ريج فيدا”، بالإضافة لعدد قليل من الوثائق التاريخية التي تحكي عن مؤسسها “زرادشت”.
كان زرادشت، كاهنًا له ثلاثة أبناء وثلاثة بنات، ورفض العقائد الإيرانية القديمة التي كانوا يعتنقونها في ذلك الوقت، والتي كانت تتبع تعدد الآلهة، ودعى إلى التوحيد، وعبادة إله واحد، لتعد بذلك الديانة “الزرادشتية” من أولى الديانات التوحيدية.
كان زرادشت، في الثلاثين من عمره، عندما نشر دعوة لعبادة إله واحد وهو الإله “أهور مزدا”، فواجه مقاومة كبيرة من الديانات المحلية المختلفة في إيران، ووجد صعوبة في إيجاد أتباع له، ولكن مع ظهور الإمبراطورية الأخمينية بين عامي 550 و330 قبل الميلاد، كانت الزرادشتية ضاربة الجذور بالفعل في بلاد فارس حسبما ذكر في كتاب هكذا “تكلم زرادشت” لمؤلفه الفيلسوف والناقد الفرنسي فريدريك نيتشه.
وظلت الديانة الزرادشتية الديانة الرسمية لأربع إمبراطوريات في بلاد فارس، فكانت الديانة الرسمية للدولة الساسانية، ولكنها تراجعت في القرن السابع الميلادي، منذ الفتح الإسلامي لبلاد فارس، فكان عدد أتباعها بين 50 إلى 60 مليون في العهد الكسري، ليصبح عددهم أقل من 190 الفًا في إيران وحدها، حسبما ذكر مركز المسبار الإماراتي للدراسات والبحوث.
اقرأ أيضًا:
العقائد الزرادشتية
يؤمن الزرادشتيون، بإله واحد” أهور مزدا”، ويعد “زرادشت” بالنسبة إليهم نبي الله، الذي صعد إلى السماء لمقابلة إلهه، الذي يعاونه 6 مساعدون، إلا أن اعتقاد خاطئ ساد عن كون الزرادشتيون يعبدون النار، إذ أكدت الدراسات والبحوث التاريخية أن شتان الفارق بين الديانة الزرادشتية وعقائدها، والمجوسية العابدة للنار، فجاءت الزرادشتية بعد المجوسية، مُقدسة للنار والماء، اللذان يعدا من أدوات طقوس الطهارة الروحية.
الصلوات والطقوس
يصلي الزرادتشتيون خمس مرات في اليوم، والطلاق عندهم محرم، ويؤمنون بيوم القيامة، ويعتقدون في وجود الحور العين في جناتهم، والجحيم في عقديتهم عبارة عن بردًا قارس، وحيوانات مفترسة.
أما الموت في الزرادشتيّة من نتائج فعل الشيطان على الأرض، ووفاة المؤمن انتصار الشرّ.
كتاب الأفستا
يعد “الأفستا” الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، ويتجاوز عمره ثلاثة آلاف سنة، وينقسم إلى 21جزءً، يحتوي على ثقافات وعلوم، وأسس الدين الزرادشتي، إلا أن معظم أجزاءه فُقدت أثناء الفتح الإسلامي وهروب الزرادشتين إلى الهند، ولم يتبقى منه غير أقل من ربع الأجزاء، التي تشرح مدى تقديس أنصار تلك الديانة للطبيعة، والنار والشمس، والمياه، والحيوانات، والنباتات.
عيد النيروز
يحتفل الإيرانيون بصفة عامة والزرادشتيون بصفة خاصة بعيد “النيروز”، إذ يعد تقليد زرادشتي الأصل معلنين بدء عام جديد.
ولهذه المناسبة مكانه خاصة تدفع الإيرانيون للأسواق لشراء ملابس وطعام، وطقوس “النيروز” تشمل وجود سبع أطعمة تبدأ بحرف السين في لغتهم الفارسية على موائد الطعام، وأدرجته منظمة اليونسكو على قائمة التراث الثقافي العالمي.
بعد الفتح الإسلامي
عانى الإيرانيون الزرادشتيون، من الاضطهاد بعد الفتح الإسلامي، حسبما يزعمون إذ هدمت العديد من المعابد الخاصة بهم، وفر عشرات الآلاف منهم إلى بلاد الهند ليتقلص عددهم في بلاد فارس.
بعد الثورة الإسلامية
تعتبر جمهورية إيران الإسلامية “الزرادشتيون”، أقلية من ضمن الأقليات الدينية المدمجة في مجتمعها، والمعترف بها في الدستور الإيراني، ولهم حقوق وواجبات، ويسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية في نطاق ضيق، ولهم ممثلوهم في البرلمان الإيراني.
مواطنون بلا حقوق
عبر وزير الخارجية الإيراني “جواد ظريف” عن احترامه لأصحاب أقدم ديانة في بلاد فارس بكلمات طيبة، مغردًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في وفاه ذكري “زرادشت”، قائلًا: “في ذكرى وفاة زرادشت، النبي الإيراني العظيم واضع مبادئ الخير، والأعمال الصالحة، والكلمات الطيبة”.
إلا أن تغريده “ظريف”، قوبلت بتعليقات غاضبة، إذ استنكر متابعوه احتفاءه بمؤسس الديانة الزرادشتية، في الوقت الذي يعاني فيه الزرادشتيون من التهميش والحرمان من حقوقهم في ممارسة شعائرهم، والحصول على وظائف، والوصول إلى قيادات ومناصب مرموقة في الدولة.
اقرأ أيضًا:
ويكشف الكاهن “مهربان فیروزكري” العوامل التي أدَّت إلى تضاؤل عدد أتباع طائفته، قائلًا “العديد من الزرادشتيين هاجروا شبابنًا بحثًا عن مستقبل أفضل، صاروا في يومنا هذا يتزوَّجون في إيران في فترة متأخرة، وينجبون عددًا أقلّ من الأطفال، نظرًا لصعوبة الحياة التي يقاسوها، مضيفًا أصبحنا طائفة تشيخ وتهرم، بالإضافة إلى أن الكثير من الزيجات تعقد خارج الطائفة الزرادشتية، فهم يتزجون زيجات إسلامية ويعتنقون الإسلام”.
وأضاف “فيروزكري” تناولنا الكثير من هذه الأمور مع السلطات الإيرانية دون جدوى.
ويتابع في حوار تلفزيوني له “لا يُسمح لغير المسلمين بإقامة شعائرهم الدينية إلا في أماكن محددة ومرخصة من الدولة، وبطبيعة الحال نحن نستطيع التحرك بحرية في أماكننا الخاصة، ولكن لا يمكننا على سبيل المثال استئجار مكان في الجامعة وممارسة ديننا هناك، كما لا يسمح لنا ببناء معابد جديدة”.