أنت منين؟ .. أنا من المنوفية.. سؤال بسيط، وتبدو إجابته أبسط، لكنها تترك خلفها نافذة لا تُغلق من ردود الفعل نابعة من الشخص السائل للشخص الذي يجاوب، (نابغة.. بخيل.. ذكي.. حذر.. جاد.. طموح)، العديد والعديد من الصفات التي تظهر وتشتت عقل السائل جميعها ترتبط بأبناء محافظة المنوفية.
المنوفية خلال آخر 100 عاما في مصر خرجت العديد والعديد من أبنائها تقلدوا مناصب عدة، وتفوقوا في شتى المجالات، لتصبح هي المحافظة الأولى تقريباً التي خرج منها أكبر عدد من رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء والوزراء والعلماء والفنانين، خلال القرن الأخير.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، ينتمي لمحافظة المنوفية الرئيس عبد الفتاح السيسي، والرئيسين الراحلين محمد أنور السادات، وحسنى مبارك، والرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور، والدكتور محمود فوزي، الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين في عهد الرئيس السادات، كذلك الدكتور كمال الجنزوري المولود في قرية جروا بمركز الباجور بالمنوفية، وتولى هو الآخر رئاسة الوزراء أثناء تولي مبارك مقاليد السلطة، ثم جاء الدكتور عصام شرف المولود بمركز الباجور وتولى رئاسة مجلس الوزراء في 2011، ثم هشام قنديل الذي تولى رئاسة الحكومة في عهد الإخوان، فجميعهم أبناء المنوفية.
حرص كذلك أبناء المحافظة على السيطرة على الوزارات السيادية، وفي مقدمتها وزارتي الداخلية والحربية، حيث تولى الحقيبة الحربية عدد من أبناء محافظة المنوفية منهم المشير محمد عبد الغني الجمسي، وفي وزارة الداخلية تعاقب ثلاثة من أبناء المحافظة عليها، منهم اللواء أحمد رشدي، واللواء زكي بدر، واللواء محمد عبد الحليم موسى.
وبعد انتشار أبناء المحافظة على سدة الحكم، كان من الطبيعي أن ينتشروا كذلك في الوزارات المختلفة، فتولى أكثر من 90 وزيراً حقائب وزارية عدة من أبناء المنوفية كان من بينهم، عبد العزيز فهمي، وصبري أبو علم، وأحمد حسني، وفخري عبد النبي وأحمد سميح طلعت جميعهم تولوا وزارة العدل في فترات مختلفة.
أما في وزارة الأوقاف، فتولاها من أبناء المنوفية، أحمد عبدالله طعيمه والأحمدي أبو النور، كما حصدت المنوفية ألقاباً عدة في كرسي المشيخة والإمامة، بداية من تولى إبراهيم الباجوري منصب الإمام وشيخ الأزهر، ولاحقاً الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر الأسبق.
كما تولى كمال الشاذلي منصب وزير شئون مجلسى الشعب والشورى السابق والمشرف العام على المجالس القومية المتخصصة، وأحمد زكي بدر وزير التعليم السابق، وغيرها من الأسماء اللامعة المعروف في أماكن سيادية في الدولة.
فن وأدب
رغم اهتمام أهل المنوفية بالسياسة والسلطة وتقلد المناصب العليا والسيادية في الدولة، إلا أن أهلها لم يغفلوا أبدأ الفن والأدب، فنبغوا في مناحي فنية عدة، وخرج من بينهم نوابغ لها إبداعات عديدة، كان من بينهم عدد من الممثلين مثل سعيد صالح، صلاح السعدني، ممدوح عبد العليم، ماجدة الصباحي، إبراهيم سعفان، محمود المليجي، رياض الخولي، فاروق الفيشاوي، توفيق الدقن، وغيرهم من المواهب الفنية.
لكن السؤال المطروح، لماذا يخرج كل هؤلاء من المنوفية؟، بالبحث في الأمر تبين أن هناك عدة عوامل تجتمع معاً لتشكل شخصية أبناء المنوفية، مع الأخذ في الاعتبار أن المنوفي الذي ولد وتربى داخل المنوفية، يختلف من حيث الطباع عن المنوفي الذي لم تطأ قدماه يوماً أرض المحافظة، فهو ينتسب اسماً فقط لها وإن ورث بعض السمات من أهلها أيضاً.
سر الأمهات
المرأة في المنوفية لها دور حيوي على كل الأصعدة، ربما يختلف قليلاً دور باقي السيدات في مختلف المحافظات، فنظراً لطبيعة الأرض هناك، هي محافظة ليست زراعية، وبالتالي لا يمكن القول بأن المرأة تخرج للغيط لمساعدة الزوج لتعينه على العمل كما هو الحال في عدد كبير من المحافظات القائمة بذاتها على الزراعة، وهو أمر عظيم أن تكون للمرأة دور فيه، لكن في المنوفية المسؤولية مركبة بعض الشيء، فمساحة المحافظة صغيرة الأمر الذي يجعلها طاردة لشبابها بعض الشيء، خاصة الذكور منهم، فتعلم جميع الأمهات هناك أن الفتى الذي تربيه هو آجلاً أو عاجلاً سيتركها وينزل إلى القاهرة، وربما يسافر خارج القطر المصري نفسه بحثاً عن لقمة العيش، لذا فهي تعده إعداداً جيداً ليكن قادر على القيام بذلك، تعلمه كيف يعتمد على نفسه، كيف يحافظ على أمواله حتى وإن كانت بسيطة، فهي تحتاط دائماً من اليوم الذي سيأتي على أبنها وهو في القاهرة وعليه تدبر كل أمور حياته بنفسه، وهو ما يجعل البعض يأخذ فكرة مغلوطة عن أبناء المنوفية وينعتهم البعض بـ “البخل”، وهو في حقيقة الأمر حذر وحيطة من مستقبل مجهول.
تقول عزة مصطفى، أم منوفية، لديها 3 أبناء جميعهم ذكور من مركز الباجور، أنها منذ إنجابها لولدها الأول محمود وهي تحمل هم اليوم الذي سيتركها فيه وينزل إلى القاهرة أو الإسكندرية من أجل العمل، فكانت حريصة على أن تجعل منه رجل صغير وهو في السابعة من عمره، تتركه يذهب مع والده للقاهرة بعض الوقت لشراء بعض المستلزمات وزيارة الأقارب، وتترك له مسؤولية تقسيم مصروف المنزل الذي يتركه الأب ليوزعه على الاحتياجات الأساسية، وتعيد هي التوزيع مرة أخرى، لكنها تريد أن يأخذ الصغير بزمام الامور ويعتاد عليها ، كثفت خطتها وطبقتها على أحمد ومصطفى أبنائها الأخرون اللذين انجبتهم بعد محمود، دورها لم يعد يقتصر على الطبخ والتنظيف، فالأولاد الصغار كبروا وأصبح الأول مهندس مدني، والثاني طبيب أسنان وحصل على بعثة وسافر لألمانيا منذ عامين، والثالث في السنة النهائية بكلية الشرطة، تقول “عزة “أنها فخورة بكل شيء زرعته في أولادها، وكان أوله الصبر والضمير والمثابرة في العمل، حتى استطاع كل منهم تحقيق هدفه في مجاله.
شغف التعلم
لم تكن التربية وحدها هي المشكل الرئيسي لشخصية الأبناء والاطفال في المنوفية، ففي تصريح أدلت به وزير التضامن الاجتماعي، الدكتورة نيفين القباج، مطلع فبراير الماضي، خلال حديثها عن محافظة المنوفية، قالت “إن محافظة المنوفية ظاهرة تستحق الدراسة، فهي محافظة تحب العلم والتعلم ويتواجد على أرضها 3 جامعات، وتصل نسبة تعليم أبنائها نحو 90% من عدد سكانها”، حيث يعتبر التعليم وسيلة من ضمن وسائل أخرى للترقي الاجتماعي في المنوفية.
بالبحث وراء تصريح “القباج” تبين تفوق نسبة السكان الحاصلين على الشهادة الابتدائية والمؤهل الأقل من المتوسط والمؤهل المتوسط في محافظة المنوفية لتصل إلى 39.3%، مقابل 34.2% بالجمهورية، أي أن المحافظة تتفوق على محافظات الجمهورية جميعها من حيث عدد الحاصلين بداخلها على مؤهلات متوسطة ومؤهلات أقل من متوسطة، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد سكان محافظة المنوفية يبلغ 4 مليون نسمة تقريباً، ويمثلون ما يقرب من 5% من إجمالي عدد سكان مصر.
الأرض الطيبة
بالرجوع لأصل محافظة المنوفية تبين أنها كانت تسمى “الأرض الطيبة” في مصر القديمة، وبعد الفتح الإسلامي سُميت “مانوفيس” ثم ظهر اسم المنوفية الحالي، نسبة إلى مدينة منوف، والتي يرجع تاريخها للعصر الفرعوني، والتي اشتهرت كثيراً بالذهب.
“المنوفية طبيعة وليست طبع” ، تقولها “سعيدة عبد المغني” أحد بنات عائلات المنوفية الكبيرة، موضحة أن موقع المنوفية الجغرافي كان له سبب وضلع كبير فيما هي عليه الآن، فبسبب قربها من القاهرة، وكثرة عدد سكانها وحبهم للأبناء أصبحت الهجرة إلزامية بين الأسر، ودلت على وجهة نظرها ببعض الدراسات الاجتماعية التي توضح أن أكبر محافظتين طاردتين للسكان هما المنوفية وسوهاج، بحثاً عن لقمة العيش.