“تابعوا قناتي الجديدة على اليوتيوب، سأقدم لكم أجمل الوصفات للحلو والحادق بأقل التكاليف وأسرع الطرق”.. منشور شاركته منار عبد العزيز مع أصدقائها على صفحتها الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي، في محاولة منها للبحث عن بديل لوظيفتها التي تركتها بسبب أزمة كورونا، والتي تسببت في توقف العديد من الأعمال، التي أثرت على أصحابها كما هو الحال مع “منار”.

 

تعمل “منار”، مدرسة لمادة اللغة الإنجليزية، لطلاب المرحلة الابتدائية، فبعد تخرجها في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية، وعملها بإحدى المدارس الخاصة لفترة تجاوزت الأعوام الخمسة، استطاعت التميز في مجالها، وأيضا تكوين شبكات وعلاقات بأولياء الأمور الذين طلبوا منها إعطاء أبنائهم دروسًا خصوصية في المنازل، وكان العائد المادي أكبر من راتبها بالمدرسة، فقررت ترك عملها بالمدرسة الخاصة، والاعتماد على الدروس الخصوصية، وظلت فترة طويلة تقاسم راتبها الشهري مع راتب زوجها الذي يعمل محاسبًا بأحد الشركات، حتى تسير الأمور بحسب وصفها.

جاءت جائحة كورونا، لتقضي على الاستقرار الذي كانت تعيش فيه “منار”، مع زوجها وطفليها: “الدنيا كانت ماشية تمام لحد شهر مارس الماضي، القرار طلع بتعليق الدراسة ومفيش ولاد يروحوا المدارس، والأهالي بدأت تخاف، فطلبوا مني نوقف شوية الدروس علشان مش عاوزين يدخلوا حد البيت”.

 

وبعد مرور الشهر الأول، طلب أولياء الأمور من “منار”، استمرار التوقف عن الدروس الخصوصية، لأن معالم الأزمة لم تتضح بعد، وبقاء الطلاب في المنزل سيظل لفترة طويلة، “وكمان بعد كده جاء قرار وزارة التربية والتعليم بإلغاء الامتحان واستبداله بالبحوث، فأصحبوا غير محتاجين مدرسين، يعنى ممكن هما يساعدوا ولادهم في تنفيذ البحث، وأنا تفهمت الأمر لأن أنا كمان عندي طفلين ولو مكانهم حعمل كده”.

بحكم الفئة العمرية التي تدرس لهم “منار”، يصعب التعامل معها من خلال الدروس “أونلاين”، بعكس ما يمكن تنفيذه مع الطلاب في المراحل العمرية الأكبر: “طلبة ابتدائي أطفال صغيرين ازاي ممكن تقنع طفل إنه يقعد قدام نت ويسمعك ويفهمك كما لو كنت أمامه، كمان الدروس أونلاين محتاجة نت بسرعة عالية وده محتاج تكلفة جديدة، والثقافة دي أصلا مش موجودة عندنا، إحنا فجأة لقينا نفسنا وسطة أزمة أول مرة نتحط فيها”.

 

اقرأ أيضا:

“كورونا” وعاملات المصانع.. سيف التسريح يهدد الأمهات

 

مرت 3 أشهر ولم تحصل “منار”، على دخل، كانت تبحث يوميا عن فرص عمل لأماكن بحاجة لمدرسين لغة إنجليزية، ولكن بحسب قولها: “الدنيا والمجالات كلها واقفة مش بس التدريس”، حتى تلقت اتصالًا هاتفيًا من زوجة شقيقها تشكرها على كعكة أعدتها لها، ففكرت حينها أنها بجانب كونها مدرسة ناجحة، فهي أيضًا تستطيع صنع حلويات ومأكولات تحظى بإعجاب الجميع.

قناة على يوتيوب

فكرت “منار”، في إنشاء قناة خاصة على موقع “يوتيوب”، لعرض أكلاتها، وما تستطيع صنعه من أصناف مختلفة لجذب أكبر عدد من المشاهدات وبالتالي التربح ماليًا، وهو الأمر الذي يقوم به عدد كبير من السيدات لكسب الأموال من المنزل، ولكنها بحسب وصفها رحلة طويلة تحتاج لصبر: “طبعا الموضوع محتاج صبر ووقت لكن ده اللي قدامي حاليا، وأنا بحب الأكل وبحب أعمل أكل شكله حلو لولادي وجوزي، فكل أكله بعملها بصورها وأرفعها، وأفضل أحطها على الفيس بوك وأبعتها لصحابي وأقول لهم يبعتوها لصحابهم علشان يبقى في مشاهدات كتير”.

كل ما تحتاجه “منار”، حاليا لتفعيل قناتها الخاصة، هو كاميرا هاتف محمول، فتستعين بنجلها الأصغر، في تصويرها وهي تعد الأطباق، ثم تقوم بتحميلها على قناتها الخاصة، بانتظار المشاهدات، التي ستحقق فيما بعد الدخل المادي.

البحث عن مجال جديد

الأزمة المالية، وأزمة توقف العديد من الأعمال، التي أثرت على “منار”، أثرت كذلك على دينا منير، التي تعمل مدربة للبرامج المحاسبية، بأحد المراكز الخاصة، وكانت تعطي دروات ودروسا لطلاب الجامعة في المركز الخاص الذي تعمل به، والذي توقف العمل به أيضا منذ مارس الماضي: “صاحب السنتر قرر يعلق العمل ثم وقفه بعد ذلك، لأن الطلبة مبقوش يحضروا، ثم صدر قرار بغلق كل الأماكن اللي فيها تجمعات، وطبعا هو مش حكومة ولا شركة كبيرة فبالتالي مرتباتنا كمان وقفت، وقالنا لما الأزمة تخلص والكورسات ترجع احنا كمان هنرجع”.

 

اقرأ أيضا:

3 منظمات حقوقية: كورونا يهدد ملايين النساء الأوروبيات بعواقب وخيمة

 

ظلت “دينا” طوال شهري مارس وأبريل، على أمل عودة الدورات التدريبية مجددا، ولكن هذا الأمر لم يحدث، فبدأت البحث عن مجال آخر للعمل به للحصول على دخل شهري يكفي احتياجاتها: “أنا مش متجوزة بس كنت خلاص بصرف على نفسي وشايلة مصاريفي بعيدًا عن ماما ومكنتش بسبب لها أي ضغط مادي، ومع الأزمة رجعت أخد منها فلوس تاني، وأنا عندي أخوات صغيرين هما أولى بالفلوس دي، فقررت أدور على أي فرصة في أي مجال تاني علشان أرجع أقبض من جديد وأتحمل مسؤولية نفسي”.

 

لم تحدد “دينا”، مجالًا معينًا للبحث عن وظيفة، فكانت تدخل يوميًا تبحث عن فرص عمل بكافة المجالات، حتى صادفها إعلان مجموعة صيدليات تحتاج لموظفين في إدارة الموارد البشرية، فقررت التقدم للوظيفة: “طبعا ده مجال تاني خالص، وفلوسه كمان أقل من فلوس الكورسات، بس هو ده المتاح، وكل اللي محتاجه الشغل إني أكون كويسة في مجال الإيكسل والحسابات وده بحكم شغلي بقدر أعمله كويس”.

أجرت “دينا”، المقابلة الشخصية مع صاحب العمل، الذي عرض عليها راتبًا أقل بنسبة تصل إلى 30 % من راتبها الذي كانت تحصل عليه من وظيفتها السابقة، لكنها وافقت على الفور، وبدأت العمل في مجال جديد لا تعلم هل سيكون مجالها المقبل، أم ستنتهي الجائحة وتعود لعملها الأصلي.

 

محاولة تدبير المصاريف

استطاعتا كل من “منار، و”دينا”، إيجاد بديل للأزمة الحالية التي تؤثر على الجميع، ولكن صباح علي، التي كانت تعمل مساعدة منزل، لم تتمكن من تدبير فرصة عمل جديدة بعد توقف عملها منذ أبريل الماضي: “كنت اشتعل في أكتر من بيت على مدار الأسبوع ما بين تنظيف وطبخ، والمرتب اللي كان بيجي آخر الشهر كان بيكفي مصاريف الـ3 بنات على القد”.

بعد وفاة زوج “صباح” أصبح عملها في المنازل هو دخلها الأساسي والوحيد، والتي قررت منذ بداية الأمر عدم المبيت في تلك المنازل، والعودة في نهاية اليوم لبناتها، حتى حلت الأزمة، وطلبت السيدات التي كانت تعمل معهن “صباح”، توقف العمل، حتى انتهاء الجائحة: “أول ما قالوا في حظر تجوال وكله هيقفل، الستات اللي بشتغل عندهم قالوا مش هينفع أروح لهم البيت، ومنهم اللي فضلت تديني فلوسي كاملة واللي نزلت منها شوية لحد ما اليومين دول يعدوا”.

 

اقرأ أيضا:

عاملات المنازل.. أجنبيات في سوق “النخاسة” و سخرة بلا حقوق

 

لم تمر الأيام كما قالت “صباح”، وأصبحت مهددة بعدم القدرة على دفع الإيجار، أو تلبية احتياجات بناتها الـ3: “الستات كتر خيرهم اللي تقدر تدفع حاجة كل شهر تدفع، لكن دي حاجة تطوعية ومش دايمة ولازم أشوف مصدر تاني آكل منه أنا وبناتي، وبقى عليا لصاحب البيت إيجار شهرين لازم أدفعهم”.

تحدثت “صباح”، مع إحدى السيدات اللاتي كانت تعمل في بيوتهن، فدبرت لها مبلغ الإيجار لدفعه لصاحب المنزل، واقترحت عليها إعداد أطعمة وتوصيلها للمنازل: “المدام كتر خيرها قالت لي إنها هتكتب على النت لو حد من صحابتها عاوزني أجهز لهم أكل في البيت عندي وأوصله لحد قدام الشقة، أو أجهز خضار وأنظفة وأجيب طلبات البيت وأسيبها على الباب برضه لحد مربنا يسهل ويرجع الشغل تاني، ومستنية لما ترد عليا”.

تنتظر “صباح”، رد السيدة التي أخبرتها أنها ستسأل صديقاتها ومعارفها لمحاولة إيجاد بديل للعمل، بينما تكمل “منار” فيديوهاتها التي تبثها على قناتها الخاصة في انتظار كثرة المشاهدات، وتستمر “دينا” في عملها الجديد في انتظار انتهاء الجائحة والعودة لعملها الأول الذي اعتادت عليه.