تُمثل دولة تنزانيا نموذجًا فريدًا في الإدارة الاقتصادية للموارد، بعدما سجلت بفضل سلسلة القرارات الحكومية انطلاقة اقتصادية في غضون أعوام قليلة، رفعت من خلالها الناتج المحلي إلى 63.18 مليار دولار في 2019، مقابل 47.3 مليار قبل خمسة أعوام فقط.

وحققت تنزانيا في 2019 نموًا اقتصاديا بنسبة 7% مما يجعلها واحدة من أسرع الاقتصاديات نموا في إفريقيا، وباتت حاليًا ثاني أكبر اقتصاد في شرق القارة، وثاني دولة يتم وضعها في الدول ذات الدخل المتوسط ​​بعد كينيا.

تدين الدولة الواقعة في شرق إفريقيا إلى سياسات جون ماجوفولي، الرجل قوي البنية، الذي خاص من أول أيامه حربًا على الفساد، فقرر تعليق سفريات المسئولين للخارج دون إذن مسبق، وجمع سيارات المسئولين التابعة للدولة من نوع الدفع الرباعي وطرحها للبيع في مزاد علني، ومنحهم سيارات أخرى تقليدية.

أجرى “ماجوفولي” تحقيقًا حول ملفات جميع العالمين بالدولة وتجريا عن شهاداتهم أسفر عن اكتشاف قرابة 10 آلاف موظف بشهادات مزيفة وتم فصلهم، مما قلص كثيًرا من بند الأجور والنفقات في الموازنة العامة للدولة، ولجأ إلى أسلوب الاقتصاص من غير الضروري وتوجيه للأهم، لينقل قرابة 93 ألف دولار من نفقات افتتاح البرلمان الجديد وتوجيهها لبناء مستشفى مركزي.

 

تعتمد تنزانيا بشكل أساسي على قطاعي الزراعة والسياحة بنسبة 29و10% على التوالي، لكنها بفضل تحسين مناخ الاستثمار الأجنبي استطاعت أن تنمو بقطاعات أخرى مصل التعدين والتصنيع اللذان باتا يشكلان معاً نحو 10% من الناتج المحلي وفقا لمكتب الإحصاء في البلاد.

ويتمتع المستثمر الأجنبي الجديد في تنزانيا حالًيا بإعفاءات من ضريبة الشركات لمدة 10 سنوات، وكذلك الحال بالنسبة لضريبة القيمة المضافة على المواد الخام المستخدمة في التصنيع وإعفاء من الروم الجمركية على المواد الخام ومستلزمات البناء ما أثار لعاب الراغبين في جني مكاسب الاستثمار طويل الأجل في دولة غنية بالموارد.

 

اقرأ أيضًا

“النفايات السامة” تجارة إفريقيا الرائجة على حساب الإنسانية

 

واستطاعت تنزانيا أن تحقق جذبا كبيرا للاستثمارات العربية، ففي حين أسس مجموعة من المستثمرين المصريين شركة للاستثمار في تنزانيا خصيصًا دون الدول الإفريقية الأخرى بسبب مناخ الاستثمار المشجع وتواجد ميناء دار السلام الذي يسهل الوصول إلى 7 دول أخرى عبره، بينما وقعت المغرب 18 اتفاقية ومذكرة تفاهم للاستثمار في المدينة ذاتها بقيمة ملياري دولار تقريبًا.

أصبحت تنزانيا رابع أكبر منتج للذهب في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا ومالي بقيمة صادرات بلغت 2.14 مليار دولار، لتشكل ربع إجمالي صادرات البلاد التي بلغت 9.53 مليار دولار على أساس سنوي.

 

نمو السياحة

وتشهد إيرادات السياحة ارتفاعاً مطرًدا ليبلغ 2.52 مليار دولار مقابل 2.42 مليار دولار في 2018، مع استقطابها هواة الحياة البرية في الغابات المطيرة والحدائق الوطنية والمحميات البرية التي تمثل الموطن الأصلي لحيوانات الغوريلا، وجزيرة زنجبار الواقعة بالمحيط الهندي التي تمثل أفضل الوجهات التنزانية وأكثرها شهرة عالمية.

وساهمت خطط الحكومة في تصنيف البنك الدولي لتنزانيا قبل ساعات ضمن الدول متوسط الدخل قبل خمس سنوات من خطة الحكومة لتحقيق ذلك الإنجاز، والذي كان من المقرر تحقيقه عام 2025.

وقال حسن عباسي المتحدث باسم الحكومة، في مؤتمر صحفي بالعاصمة دودوما، نقلته وسائل الإعلام الأجنبية، إن “الانضباط في الإنفاق المالي والسلام والهدوء وتعزيز أخلاقيات القيادة وتنفيذ المشاريع الرائدة والاستثمار في التنمية البشرية، هي السبب الرئيسي لتحقيق ذلك الإنجاز.

 

كشف وزير المالية التنزاني، أواخر يونيو الماضي، النقاب عن الميزانية الأكثر تفاؤلاً لعام 2020/2021 في منطقة شرق إفريقيا بإجمالي يصل إلى 34.88 تريليون تعادل 15 مليار دولار، مع إعلان خلو البلاد من فيروس كورونا، ورغم تدمير الأمطار الغزيرة البنية التحتية لوسائل النقل.

وخصصت الحكومة لمشاريع التنمية الجارية نحو 12.78 تريليون شلن (5.53 مليار دولار) تعادل 27% من إجمالي الموازنة، مع هبوط تكاليف النقل والتصنيع بسبب تراجع أسعار النفط وارتفاع أسعار الذهب.

 

اقرأ أيضًا:

غرب إفريقيا : انتهاكات “صارخة ” لأمن المعلومات

 

ويؤكد فرانشيسكو فيريرا، كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة إفريقيا بالبنك الدولي، أن صادرات دول جنوب الصحراء بإفريقيا لا تزال مرتكزة على السلع الأولية الاستراتيجية لكنها تمضي بصورة جيدة في تنويع شركائها، والتوسع الكبير في نقل الأنشطة التجارية الدولية من مناطق في آسيا إلى إفريقيا.

ويقول “فيريرا”، في نشرة للبنك الدولي صادرة باللغة الإنجليزية، إن بلدان جنوب الصحراء تنمو بسرعة أكبر من كثير من البلدان الأخرى حول العالم، بسبب الموارد الطبيعية، ففي الفترة بين عامين 1995 و2012، زاد إجمالي قيمة صادرات المنطقة من 68 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار دولار مع تنامي صادرات النفط والمعادن والمواد الخام.