أثارت قضية طالب الجامعة الأمريكية، أحمد بسام زكي، الذي تحرش بأكثر من 100 فتاة جدلاً واسعًا، ووصل صداها لجدران النائب العام، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بقصص وروايات لفتيات تعرضن لابتزاز وتحرش جنسي من قبله.
تحركت الأجهزة الأمنية للقبض على الطالب والتحقيق معه بتهمة هتك عرض 3 فتيات والاعتداء على قيم المجتمع، بعد تقديم بلاغ ضده، وهو ما يثير التساؤلات حول صمت بقية الفتيات والضحايا عن الأمر؟
أحدثت قضية زكي، حراكًا واسعًا ضد جرائم التحرش والاغتصاب، ووافقت الحكومة المصرية، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، على مشروع قانون حماية سرية أقوال المجني عليها في تلك القضايا، عبر عدم الكشف عن هويتهم، بحسب بيان رسمي.
وجاء في نص المشروع “أن يكون لقاضي التحقيق لظرف يُقدره، عدم إثبات بيانات المجني عليه في أي من الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات، أو في المادتين 306 مكررا أو 306 مكررا ب، من ذات القانون، أو في المادة 96 من قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، وينشأ في الحالة المشار إليها، ملف فرعي يضمن سرية بيانات المجني عليه كاملة، يعرض على المحكمة والمتهم والدفاع كلما طُلب ذلك”.
ويبدو أن قضية طالب الجامعة الأمريكية، التي ستشغل الرأي العام كثيرا، سيكون لها أبعاد على المستوى الاجتماعي والقانوني في التعاطي مع قضايا التحرش الجنسي.
400 شكوي
ووجهت الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، الشكر إلى الحكومة على التعديل التشريعي لضمان سرية بيانات المجني عليهن في قضايا التحرش، معلقة أن “حبس أحمد زكي أثلج قلوب نساء وفتيات مصر”
وقالت “مايا” في مداخلة هاتفية لبرنامج “مساء دي ام سي” الذي يقدمه الاعلامي رامي رضوان، إن التشريع سيضمن سرية بيانات المجني عليهن يساهم في مواجهة التحرش، مشيرة إلى أن مكتب الشكاوى تلقى بلاغات بشأن قضايا تحرش جديدة وصلت إلى 400 شكوى خلال الأسبوع الماضي، لافتةً إلى أن البلاغات الخاصة بقضايا التحرش تتمتع بالسرية التامة داخل المجلس القومي للمرأة.
بوليس الاعتداءات الجنسية
في الأول من شهر يوليو الجاري، نشرت إحدى صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” والتي تسمى “سيدات مصر”، منشورًا تتحدث فيه، عن إنشاء مجموعة من الفتيات لحساب على موقع تبادل الصور والفيديوهات “إنستجرام”، تحت مسمى “بوليس الاعتداءات الجنسية” تم من خلاله دعوة كافة الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش أو الابتزاز أو التهديد من شخص يدعى أحمد بسام زكي، ثم تداول الامر بشكل واسع تحت هاشتاج بنفس الاسم.
وسرعان ما أعلن المجلس القومي للمرأة، أنه سيتقدم ببلاغ إلى النائب العام، المستشار حمادة الصاوي، ضد الشاب، على خلفية ما يتداول من معلومات تدينه بارتكاب أعمال مخالفة للآداب بحق عددا من الفتيات، بينما أصدرت الجامعة الأمريكية بيان تكسف فيها أن المتهم ليس طالبًا حاليًا لديها بل غادر الجامعة منذ 2018.
اقرأ أيضًا:
لكن رغم كل هذه التداعيات، أعلنت النيابة العامة أنها لم تتلق سوى شكوى واحدة ضد الشاب قائلة إنها تتابع عن كثب كل يُتداول على مواقع التواصل في ذات الشأن، وبعدها بساعات تم القبض عليه وحبسها 4 أيام على ذمة التحقيق.
كما أقر المتهم في التحقيقات بتعرفه على 6 فتيات من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي، قائلا إنه “تلقى منهن صوراً إباحية لهن، فاحتفظ بها، وهددهن لاحقاً بإرسالها لأهلهن بعد إبدائهن الرغبة في إنهاء علاقتهن به، منكراً ما أُذيع ورُوِج عنه بمواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية”.
في المقابل، قدم رجل الأعمال وخبير الاتصالات بسام زكي، والد الشاب، استقالته من منصبه كمسئول الشؤون التجارية لإحدى الشركات المرموقة العاملة في مجال الاتصالات، على خلفية الاتهامات الموجهة لابنه.
أسباب نفسية
قضية “زكي” وما أثير حولها من ضجة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع المصري، واتجاه الفتيات لسرد العديد من الفتيات معاناتهم من التحرش والابتزاز الجنسي، لم يصل للمحاكم إلى عدد قليل منها، فكثير من ضحايا التحرش في جميع بلدان العالم يفضلن الصمت عن اللجوء للقانون.
وتعتبر أحد الأسباب الرئيسية لعدم تقدم النساء للإبلاغ عن التحرش أو الاعتداء الجنسي هو العار من الجرح العاطفي الشديد الذي تعانين منه عند تعرضهن للانتهاك الجنسي، وهو رد فعل طبيعي على الانتهاك أو الإساءة، وبشكل خاص مع الانتهاكات الجنسية؛ لأن الضحية تشعر بالخزي والإهانة كونها عاجزة وتحت رحمة شخص آخر، بحسب موقع “سايكولوجي توداي” الأمريكي المتخصص في الطب النفسي.
بينما يشكل الخوف من التداعيات عقبة كبيرة تواجهها المرأة عندما يتعلق الأمر بالإبلاغ عن التحرش أو الاعتداء الجنسي، مثل: الخوف من فقدان وظيفتها ومصداقيتها أو من التعرض للكره والنبذ.
اقرأ أيضًا:
منها لباس المرأة وإثبات الذكورة.. جهل رجال الدين ينشر ظاهرة التحرش
سبب آخر لعدم إبلاغ الضحايا أو تأخير الإبلاغ، هو أنهن تخشين الانتقام؛ إذ أن أولئك الذين أبلغوا عن التحرش أو الاعتداء الجنسي، وخاصة من قبل الرجال الأقوياء، أفدن أنهن فقدن وظائفهن، بحسب الموقع.
” وصمة العار والخوف من الأهل”، هكذا ارجع الدكتور على عبد الراضي، إخصائي الطب النفسي، أسباب صمت ضحايا التحرش عن الإبلاغ عن الجاني، مشيرًا إلى أن اعتبار المرأة هي الحلقة الأضعف في المجتمع، وتربيتهن علي انهم كائن ناقص يحتاج للستر حتي تكتمل حياتها، من أبرز الأسباب في تفشي الظاهرة بشكل عام.
وتابع اخصائي الطب النفسي، أن مشاعر اليأس والصدمة التي تتلبس ضحايا التحرش، لسنوات ممكن بعد الحادثة، تجعلهن مستسلمات لقدرهن وعدم الاقدام طلب المساعدة او الإفصاح عن الأمر خوفًا من عدم مصداقيتهم أو الشك في اخلاقهم، كما أن صعوبة المعاملة التي تتلقاها متقدمة البلاغ في بعض الأحيان وترديد جمل كالسمعة السيئة أو نظرة المجتمع تدفعها لتتأخذ الصمت خيار لها.
العقل الجمعي
في حين، يري المهتمون بحقوق المرأة، بأن الخلل القيمي والإنساني الذي أصاب المجتمع في العقد الأخير، ساهم في عدم اعتراف البنات لأهاليهم، بسبب لوم الأسرة، بل وفي بعض الحالات تصل إلى انتهاكها وعقابها حتي الموت.
الى جانب أن العقل الجمعي لا يستنكر قصة التحرش، سواء من قبل الشخص نفسه، أو ممن حوله، فلا وجود لاستنكار أسري، بصوت قوي، فهي جريمة “صامتة” في الأغلب، بحسب الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع.
وأضافت أستاذة علم الاجتماع، أن المجتمع في حالات التحرش والاغتصاب، يلوم الضحية ويترك الجاني، لذا تفضل ضحايا تلك القضايا أن تبتلع قهرها، واصفة هذه الأسباب بأنها “غير أخلاقية”، وهي ما يدفع الفتيات للتغاضى عما حدث معها، مما يزيد من انتشار الظاهرة.
واستطردت: “لا نستطع إلقاء اللوم علي الفتاة فقط في عدم الإبلاغ، فهناك أسر كثيرة تفضل الصمت تجاه هذه القضايا، لاسيما الاغتصاب، خوفًا علي سمعة العائلة والفتاة، من وجهة نظرهم، بل العديد منهم يرحلون من مكان الواقعة إلي مكان أخر، وإذا حاولت الفتاة التحدث يدفعونها للصمت عنوة، وهو درب يسلكه الكثير من الأسر في المجتمع، حتي أصبح هو النهج أو الكتالوج للتعامل مع هذه الوقائع”.
فيما يري “عبد الراضي” أن الحل للحد من هذه الظاهرة هو رفع الوعي لدي المرأة، التي تشكل نواة تأسيس المجتمع الأصغر وهو “الأسرة”، فيجب تربية الأبناء علي عدم الخوف من العيب أو العار، وضرورة مقاضاة كل من يخطئ، حتي لا يتفاقم مذل هذه الظواهر كالمرض في المجتمع، بجانب ذلك يجب تغير نظر الرجل في المجتمعات المحافظة الي المرأة، وذلك يرجع إلي التربية الرجل علي احترام المرأة في أي مكان أو بأي هيئة، وتدريس الثقافة الجنسية، باعتبارها علما، فالكثير من الشباب لا يتلقون التوعية عن الجنس الآخر من مصادر موثوق بها.
واختتم، بأن القضية الأخيرة كما زادت من الوعي والتحرك المجتمع تجاه قضايا التحرش ألا أن علي المدي البعيد وإذا لم يتم اتخاذ إجراء رادع، سترتب آثار سلبية، لاسيما مع صمت الضحايا عن اتخاذ المسلك القانوني، مما سيشكل مقدمات لإرهاب وقلق اجتماعي وانخفاض الثقة وانعدام الأمان لدي الفتيات، فهذه سيكولوجية أنثى، ستصبح مسئولة عن تربية جيل بأكلمه.