متى يمكنك الإجابة عن تساؤلات طفلك حول أعضائه التناسلية؟، ومتى يجب علينا الرد على أسئلة الأطفال الجنسية التي نصفها بالمحرجة؟، فكيف يمكننا إمداد أطفالنا بالمعلومات السليمة والصحيحة بعيدًا عن المعلومات المشوهة؟، جميعها أسئلة تدور في ذهن الآباء والأمهات، فعند الحديث عن الجنس والأعضاء التناسلية، يخاف الأهل، منهم من يرفض إجابة الطفل على سؤاله أو تجاهله، وآخرون يقررون الحرص على تلقى أطفالهم المعلومات السليمة التي تناسب المرحلة العمرية.

عبير فتح الله، أم لطفلة تبلغ من العمر 4 أعوام، بعد وضعها طفلتها الأولى بدأت في مرحلة من الخوف الشديد عليها: “دخلت في رحلة خوف على البنت جامدة جدا وفضلت أفكر في اللي بيحصل واللي بسمعه من حوادث فيها عنف جسدي وجنسي على الأطفال وإزاي ممكن أخلي بنتي تواجه ده ومتبقاش زيي لأن أنا كنت بتعرض للحوادث دي وأنا ساكته مبتكلمش علشان محدش من أهلي قرر يتكلم معايا فيها”.

قررت “عبير” مع قدوم مولودتها التخلص من الحرج الذي عاشت فيه مع والدتها، خوفًا من بحث الطفلة عن مصادر خاطئة لأخذ المعلومات، مثلما كانت تفعل الأم وهي صغيرة، وكانت الحيرة هي كيف تمد طفلتها بالمعلومات الجنسية الصحيحة، وما هو الوقت المناسب؟.

 

التربية الجنسية

بدأت الأم تبحث عن كتب في تربية الأطفال، باللغتين العربية والأجنبية، تبحث عن إجابات لأسئلتها، وتتواصل مع مختصين في أمور التربية، حتى وجدت “كورس” للتربية الجنسية للأطفال، فقررت الاشتراك به، ومن خلال الدورة التدريبية، تمكنت من معرفة أهمية تعليم الأبناء عن الجنس، وأيضًا مخاطر إغفال هذا الأمر، بجانب مخاطر عدم التربية الجنسية عن التكوين النفسي والهوية الجنسية للطفل، وأساليب التربية الجنسية الخاصة بكل مرحلة عمرية.

الزوج رفض في بداية الأمر، لكنه بعد إلحاح الزوجة وافق: “جوزي كان رافض تماما وكان شايف إنه مش صح وإننا كلنا كبرنا من غير الأمور دي، حاولت أقنعه وأجيب له أبحاث وكتب ووصلته بالمتخصصة النفسية اللي استشرها ورشحت لي الكورس ده واتكلمت معاه وأقنعته”.

اختلاف الأطفال

وفقًا لموقع “about kids health”، فكل طفل يختلف عن الآخر، ولكن هناك دليل تقريبي عن السن المناسبة حول التوعية الجنسية والمعلومات لكل عمر، وهو نفس الأمر الذي أكدته الأم من خلال الدورة التدريبية التي بدأتها وطفلتها في عمر عامين، وحينها أخبرها المدرب ضرورة مساعدة طفلتها في التمييز بين الجنسين الذكر والأنثى، وهي الخطوة الأولى في التربية الجنسية للأطفال.

انتقلت “عبير”، للمرحلة الثانية من “الكورس”، وهي المرحلة التي تبدأ من عامين وحتى 5 أعوام، وفيها يجب أن يعلم الطفل عملية التكاثر، وأن الرجل والمرأة مسؤولان عن إنجاب الأطفال الذين يخرجون من رحم الأم، مع التأكيد على عدم إطلاع أحد على أعضائهم التناسلية، أو لمسها.

 

اقرأ أيضا:

بناء الثقة وعدم اللوم.. كيف تربي طفلك على حماية جسده من التحرش؟

 

بالفعل بدأت الأم تطبيق المرحلة الثانية مع طفلتها، حتى وصلت لسن الرابعة من عمرها: “بنتي دلوقتي مبتقلعش قدام حد، حتى قدام باباها ونجحت أخليها يكون عندها خصوصية في الموضوع ده بفضل الكورس، اللي كملته وهفضل محتفظة بكل مراحله علشان أطبقها مع البنت لحد متكبر”.

الدورة التدريبية التي حصلت عليها الأم، أكدت أنها ساعدتها وستساعدها مع كبر ابنتها على زرع العديد من المفاهيم بها مثل الخصوصية وعدم السماح لأحد بلمس أعضائها التناسلية، وأيضًا الحديث عن مرحلة البلوغ عند الاقتراب منها، ثم الدخول لمرحلة المراهقة، والتعريفات المبسطة والسليمة أيضا للعملية الجنسية.

 

المصطلح المرفوض

مصطلح التربية الجنسية أمر ترفضه الأمهات كبار السن، وهو ما حدث مع والدة “عبير”، التي سمعتها تتحدث في الأمر مع زوجة شقيقها، فتدخلت لإنهاء الحديث باعتباره “عيب وقلة أدب”، بحسب قول الأم، وهو المعتقد الذي ما زال يسيطر على العديد من الأسر، كما قالت الدكتورة نورهان السيد، أخصائية التخاطب وتنمية مهارات الأطفال، مشيرة إلى أن كل طفل له قدرة استيعابية مختلفة عن الطفل الآخر، وهنا يجب على الأم والأب التعامل مع الطفل من خلال تلك القدرة.

وأضافت أن هناك العديد من الممارسات الخاطئة التي يقع فيها الأب والأم، والتي تؤثر على الحياة الجنسية للطفل عند الكبر، ومنها ممارسة العلاقة الزوجية في وجود الطفل الرضيع بنفس الغرفة، باعتباره لا يفقه الأمر، موضحة أن هذا الأمر يظل في الذاكرة ومن الممكن أن يسبب تأثيرات سلبية في حياة الأطفال عند الكبر.

 

أقرا أيضا:

“سمعة العائلة وخوف الانتقام”.. أسباب دفعت ضحايا التحرش إلى الصمت

 

أكدت “السيد”، ضرورة فصل الأطفال عند البلوغ، وعدم تركهم ينامون في حجرة واحدة، وشرح الاختلاف بين أجساد البنات والأولاد، وشرح اختلاف الأعضاء التناسلية أيضًا، بطرق مبسطة وفقًا للمرحلة العمرية.

وأعلنت وزارة التربية التونسية في 20 نوفمبر 2019 إدراج التربية الجنسية في المناهج المدرسية، لتكون موجهة إلى الأطفال بين 5 و15 عامًا، لمساعدة الأطفال على التعرف على أجسادهم وتعليمهم قيمة احترام الجسد من أي اعتداء ينتهك حرمته.

وأثار هذا الأمر جدلًا واسعًا، باعتبار الأمر غريبًا على المجتمع، لكن وزارة التربية والتعليم التونسية، أوضحت أن إحصائيات حالات التحرش الجنسي بطلبة المدارس الابتدائية خلال الفترة ما بين أكتوبر 2018 و18 مارس 2019، بلغت 87 حالة تحرش.

وفي مصر يثار الجدل أيضا حول الأمر، ففي العام الماضي تداول عدد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن إضافة مادة حول الثقافة الجنسية في المناهج المصرية، فنفى مركز تطوير المناهج التابع لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني الأمر، مشيرا إلى أنه المناهج تضم مواد حول التعلم والوطنية والأخلاق الحميدة.

مع الرفض المجتمعي الذي يقابل مطالبات إدراج مواد حول التربية الجنسية في المناهج، تتغلب أمهات على هذا الأمر من خلال الدورات التدريبية التي تتيحها المراكز الخاصة، وترفض أمهات أخريات الأمر، باعتباره “عيب”، وغير مقبول “ميصحش نفتح عيون ولادنا على الكلام ده”، كما ترى والدة “عبير”.

 

تدريس التربية الجنسية

تخوفات الأمهات والآباء من المناهج الدراسية حول التربية الجنسية، أو حتى الدورات التدريبية، تكون بسبب القلق من الجرأة التي من الممكن أن يحصل عليها الأطفال أو الشباب في سن مبكر، والتجارب الجنسية، ولكن هنا ترى الدكتورة نورهان السيد، أن التربية الجنسية لا تعني شرح التجارب الجنسية للطفل أو دفعه لممارستها، ولكنها شرح لتغيرات الجسم وفهم طبيعته، وعند إعطاء المعلومات السليمة للأطفال لن يلجأوا للتجربة الخاطئة، بالعكس فقلة المعلومات أو رفض الحديث عن الأمر سيدفعهم للبحث عن معلومات من مصادر غير موثوق فيها، والتي من الممكن أن تدفعهم لتجارب خاطئة أيضًا.

وتعتبر السويد من أولى الدول التي طبقت تدريس التربية الجنسية في المدارس، وتم اعتبارها مادة إلزامية في عام 1955، وتركز على طرح موضوعات الثقافة الجنسية ضمن قضايا الصحة العامة، وتتناول أهم الأمراض التي يتم نقلها عن طريق التواصل الجنسي، وتقدم أيضا شرحا للجسم البشري وتشريحه، بالإضافة للتعريف بوسائل منع الحمل، وكذلك تتطرق إلى قضايا التحرش الجنسي والمساواة بين المرأة والرجل.

ويؤكد خبراء المدارس الكندية أن تعلم التربية الجنسية يجب أن يبدأ من المنزل، فالآباء والأمهات عليهم إرشاد أطفالهم وشرح كل ما يتعلق بالحمل والولادة وفقا للمرحلة العمرية للطفل، فتعلم التربية الجنسية وضمها لمناهج المدارس لا يعني زيادة رغبة الأطفال في ممارسة الجنس، ولكن الأمر سيكون في صورة إجابات سليمة لأسئلة تحيرهم، مثل ما يحدث في ألمانيا، فيتم تعليم الأطفال ما يتعلق بالتواصل الجنسي وحدوث الحمل والولادة، وشرح العملية الجنسية، وذلك منذ المرحلة الابتدائية، مع إشراك الآباء والأمهات في العملية التعليمية للطفل.