یؤثر انتشار فيروس كورونا بالسلب على مصادر مصر من النقد الأجنبي، ويشمل ذلك عائدات السياحة ومتحصلات الصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس.

ويسلط معهد التخطيط القومي، من خلال سلسلة “أوراق سياسيات” حول تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد المصري، الضوء على مصادر مصر من النقد الأجنبي، ومدى تطور هذه المصادر، وتداعيات كورونا والآثار المتوقعة على العوائد المصرية من النقد الأجنبي.

صدمة تداعيات “كورونا”

وأوضحت وكالة “مودیز” في تقرير لها أن الصدمة التي سببتها تداعيات أزمة انتشار كورونا بالنسبة للاقتصاد المصري تتمثل بشكل رئيسي في الضغط على متطلبات التمويل الخارجي، وانخفاض عائدات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي.

وتوقعت حدوث ارتفاع مؤقت في عجز الحساب الجاري يصل إلى 4.5 %من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، وأن تتراوح الفجوة التمويلية ما بين 12 و13 مليار دولار.

كما أن تأثر مصادر النقد الأجنبي حال استمراره حتى نهاية عام 2020، يقف عقبة أمام عودة النشاط الاقتصادي بكامل طاقته، وهو ما يعني ارتفاع الالتزامات الخارجية خاصة على مستوى الواردات وبالأخص مستلزمات الإنتاج.

 

ركود طويل

وتعتبر الاستثمارات الكلية من أبرز المؤشرات التي ستتأثر سلبًا، حيث من المتوقع انخفاض حجم الاستثمارات الخاصة مما سيؤثر بدوره على حجم الاستثمارات الكلية، وفي حال استمرار الأزمة حتى منتصف العام المالي 2020/2021 ،ستنخفض الاستثمارات الكلية من 960 مليار جنيه إلى 740 مليار جنيه، أي بانخفاض قدره 220 مليار جنيه، وبنسبة تراجع متوقعة 23 %، كما أن هناك العديد من القطاعات التي سوف تتأثر، منها قطاع السياحة والمطاعم، وقطاع الترفيه والخدمات العامة، مثل خدمات الغذاء حیث إن كل المؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي والاقتصاد المصري، سيشهدان فترة ليست قصيرة من الركود.

 

قطاع السياحة

“كورونا” لم يهدد قطاع السياحة في مصر فقط ولكن على مستوى العالم، وبدأت التداعيات تظهر خلال فبراير الماضي على مؤشرات السياحة في مصر، حیث تراجعت الأعداد والإيرادات لتسجل – 6 %و- 23 %على التوالي.

وازدادت حدة الانخفاض في مارس لتسجل تراجعا بنسبة – 63 %في الأعداد و – 36 % في الإيرادات، أدى إلى تراجع مؤشرات الربع الأول لعام 2020 بنسبة – 19 %في أعداد السائحين الوافدين ونسبة -11 %في الإيرادات، وهذا يمثل خسائر تقدر حوالي 295 ملبون دولار مقارنة بذات الفترة من عام 2019.

ومع توقف حركة السياحة والطيران، من المتوقع أن تنخفض الإيرادات السياحية من أوربا بنحو 4 مليارات دولار، ومن الدول العربية بحوالي 8,1 مليار دولار.

ومع انخفاض سقف التوقعات فيما بتعلق بسرعة التعافي من الركود العالمي، والذي يقدره صندوق النقد الدولي بـ 3 % في أبريل 2020 سيحتاج قطاع السياحة إلى بضعة أعوام حتى يعاود نشاطه، وتوقعت “سي آي كابیتال” انخفاض عائدات السياحة في مصر بمقدار بتراوح بين 5.2 و3 مليار دولار في الربع الثاني من عام 2020.

ولا يقتصر التأثير الناجم على تراجع الإنفاق السياحي فحسب ولكنه يمتد إلى صناعات الفنادق والمطاعم، ومشروعات سيارات الأجرة، والعاملين في مجال الإرشاد السياحي، وأيضا تجهيز ومعالجة الأغذية، وقطاع الزراعة، فقد أشارت دراسة لمنظمة العمل الدولية إلى تأثر حوالي 81 % من القوى العاملة العالمية بسبب الإغلاق الكلى أو الجزئي لأماكن العمل، وهو ما قد يفقد سوق العمل العالمي حوالي 200 ملبون وظيفة.

 

التصدير والاستيراد

أدى انتشار فيروس كورونا إلى اضطراب حركة التجارة وسلاسل التوريد، والتي قد تصل إلى صعوبة توفير بعض مكونات الإنتاج وقطع الغيار، وقد يواجه الموردون صعوبات في التوريد.

ومن المتوقع أن يؤدي تباطؤ الطلب العالمي إلى انخفاض الصادرات المصرية، كما أن إجراءات الحظر وارتباك سلاسل الإمداد العالمية، ستحد من الواردات، ومن المرجح أن تنخفض الصادرات المصرية بنسبة أكبر من الانخفاض في الواردات، فيزداد العجز في الميزان التجاري.

 

اقرأ أيضا:

تأثر الاقتصاد بسبب “كورونا”.. النجاة في الشمول المالي

 

وأشار تقرير غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة إلى تراجع عائدات التصدير لمصر بنسبة 25 %عام 2020، حیث إن أكبر الشركاء التجاريين لمصر هم الاتحاد الأوروبي وإيطاليا والإمارات والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية والصين وتركيا.

فعلى صعيد التصدير، تواجه حركة الصادرات خاصة إلى إيطاليا والولايات المتحدة – تأخيرات داخلية وخارجية.

ومن المرجح أن تستورد مصر كميات أقل، حيث يركز الموردون بالخارج على الأسواق المحلية، مما سيؤثر على عدد من الشركات المصنعة في مصر، خاصة في قطاعات الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والمنسوجات، التي تعتمد بشكل كبير على مستلزمات الإنتاج المستوردة.

الاستثمارات الأجنبية

تسبب انتشار كورونا في خروج المزيد من استثمارات المحافظ الأجنبية، لتسجل حوالي 8-10 مليار دولار خلال الفترة من 20 فبراير حتى بداية يونيو 2020، ومن المتوقع حدوث انخفاض محتمل في الاستيراد، وبالتالي تراجع منحنى التكلفة.

وقد يسعى بعض المستثمرين في أسواق الأسهم إلى خروج رأس المال من مصر لتسوية خسائرهم في الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى تراجع أسعار صرف العملة المحلية؛ مما يعني تحمل الحكومة لأعباء إضافية قد تؤدي إلى مشكلات في سداد أقساط وأعباء خدمة الديون الخارجية وتشدد الشروط الائتمانية للحصول على قروض جديدة.

 

تحويلات العاملين لخارج

يوجد نحو 65 %من المصريين العاملين بالخارج في دول الخليج، ومع هبوط أسعار النفط العالمية، وما تتعرض له دول الخليج من ضغوط مالية متأثرة بفيروس كورونا وانخفاض أسعار النفط،  انخفضت تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 10 %، بنهاية يونيو 2020، وفقًا لتقديرات البنك الدولي.

ويؤثر تراجع التحويلات المالية على معدل استهلاك الأسر المعيشية من السلع الاستهلاكية مما يؤدي إلى تضرر قطاعات إنتاج السلع الوسيطة.

وأشار تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) خلال مارس الماضي، إلى أن تراجع النمو الاقتصادي العالمي إلى ما دون 2 % قد يكلف خسائر اقتصادية في حدود تريلیون دولار ستتحمل تبعاتها جميع دول العالم بدرجات متفاوتة.

وتوقع التقرير أن یؤدى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتعطل حركة التجارة العالمية إلى التأثر في جانب العرض؛ حيث تعتمد مصر كغيرها من الدول النامية على مدخلات الإنتاج والمواد الخام المستوردة، مما سينعكس سلبًا على معدلات الإنتاج ومستويات التوظيف.

إيرادات قناة السويس

يؤدي انخفاض أسعار النفط العالمية إلى تباطؤ حركة السفن المارة بقناة السويس، حيث تصبح الطرق البديلة للقناة أرخص رغم أنها أطول.

الدراسة تشير إلى أن تباطؤ معدلات النمو العالمي، خاصة لدى أهم الشركاء التجاريین لمصر مثل دول الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، الصین، تؤكد أن انخفاض تدفقات التجارة العالمية، سيقلل من إيرادات قناة السويس.

وأشار تقرير غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة إلى أنه مع الأزمة التي ضربت التجارة العالمية بشدة، تشهد ممرات التجارة الدولية بالفعل انخفاضات ملحوظة في حركة المرور والإيرادات، لذا من المتوقع أن تشهد القناة بعض التراجعات، ففي فبراير الماضي انخفض عدد سفن الحاويات المارة عبر القناة بنسبة 3.7%، في حین تراجع عدد سفن الركاب والبضائع بنسبة 2.22 % و3.1  % على التوالي.

 

الاحتياطي النقدي

انخفض احتياطي مصر من النقد الأجنبي خلال شهري مارس وأبريل الماضيين بنحو 5.8 مليار دولار، بعد خروج نحو 15 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدین الحكومية، بحسب تقديرات وكالة مودیز للتصنيف الائتماني، لكن الوكالة قالت إن مستوى الاحتياطيات الدولية في وضع جید، يسمح بالتغلب على هذه التدفقات الخارجية على المدي القصير، ولكن سيقابل ذلك جزئيًا انخفاض الطلب المتوقع على الواردات في الفترة المقبلة.

 

اقرأ أيضأ:

تداعيات “كورونا” في رصد لـ”القومي للتخطيط”.. خسائر اقتصادية ومقايضة للصحة

 

إجراءات الحكومة

ومن جانبها اتخذت الحكومة عددا من الإجراءات لمواجهة التداعيات الاقتصادية الناتجة عن أزمة كورونا، وتقديم المساعدة للقطاعات الأكثر تضررًا في الاقتصاد المصري، منها تخصيص مبلغ قيمته 100 مليار جنيه مصري لمواجهة آثار كورونا على الاقتصاد، مع دفع البنوك لزيادة القروض الموجهة إلى القطاع الخاص، خاصة القطاعات الأكثر تضررًا، بجانب زيادة التحويلات النقدية الموجهة للأسر الفقيرة، مما مكن البنك المركزي من استخدام احتياطي النقد الأجنبي لتغطية عجز العملة الصعبة في سوق الصرف لدعم قيمة الجنيه حال خروج موجة ثانية من استثمارات الأجانب من مصر، فالموجات التالية لنزوح الأموال وإن حدثت سوف تكون بوتيرة أقل كثيرًا مما حدث في مارس الماضي، ومن ثم فإن الانخفاض الوقتي في الاحتياطي سيتم تعويضه بمجرد تعافي ميزان المعاملات الجارية.