لم تعد كينيا جمهورية للشاي والقهوة كما كان دارجًا عنها حتى وقت قريب، وأصبحت حاليا تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا المالية في إدارة حياة مواطنيها حتى في المهن التقليدية كالزراعة، مع تبنى الدولة خططًا موضوعة بدقة تهدف إلى احتلال مرتبة متقدمة في اقتصاديات منطقة جنوب الصحراء الكبرى.

 قبل 13 عامًا، كانت ثقافة تحويل الأموال عبر الهواتف المحمولة نادرة الاستخدام في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، لكنها كانت تشق طريقها في دولة كينيا الواقعة في شرق إفريقيا عبر منصة “إم بيسار”، لشركة “سفاري. كوم”، التي تقدم خدماتها المالية التقنية حاليا لأكثر من نصف سكان كينيا البالغ عددهم 52 مليون نسمة.

 تقدم الشركة تحويل الأموال عن طريق الرسائل النصية عبر الهواتف المحمولة بدءا من عام 2007 وإجراء عمليات الإيداع والسحب عبر شبكة من الوكلاء يقومون بنفس طريقة عمل ماكينات الصراف الآلي في البنوك، ووسعت شبكة الفروع التي تقدم خدماتها حتى وصلت إلى 110 آلاف وكيل.

 

تشمل خدمات “إم بيسا” حاليًا ادخار أموال بفوائد والحصول على قروض قصيرة وقروض لصغار المزارعين عبر الموبايل لسداد أعباء الأسمدة والبذور والأعلاف، ووسعت خدماتها لتشمل سداد مقابل المحاصيل التي يقومون ببيعها ليصبح قطاع الزارعة الذي يعمل به حوالي 75% من السكان شبه مميكن بالكامل.

شركات التكنولوجيا

تشير التقارير الدولية إلى “حمى” تأسيس شركات تعتمد على التكنولوجيا في كينيا، التي تتضمن حاليًا قرابة 40 شركة، حققت أرباحا بنحو 129 مليون دولار عام 2016، حتى أصبحت كينيا تجتذب ثاني أكبر عدد من الاستثمارات في ذلك القطاع بعد جنوب إفريقيا.

وفي ظل انتعاش التكنولوجيا المالية، تأسست مدرسة “مورينجا” المتخصصة في التكنولوجيا الرقمية التي نشأت لتوفير مواهب للعمل في شركات التقنية المالية، واستطاعت في غضون سنوات أن تتوسع ليس على المستوى المحلي، ولكن دوليًا ليصبح لديها فروع في دول أسيوية مثل باكستان والعديد من الدول الإفريقية الأخرى، كما اجتذبت الآلاف من الراغبين في دراسة ذلك النمط باعتباره يضمن وظيفة مرموقة راتبه يتراوح بين 20 و40 ألف دولار سنويًا (الدولار يعادل 100 شلن كيني).

 

اقرأ أيضا

كينيا تنتج المواهب ..وأمريكا تحصد نجاحها

 

تقول الدكتورة غادة البياع، الباحثة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن العديد من الدول الإفريقية سجلت تطورًا ملحوظًا في تطبيق تقنيات البلوك تشين والتعامل في العملات الرقمية المشفرة مع تنامي استخدام الإنترنت، معتبرة أن تلك التقنية يتم استخدامها بدلاً من ثقافة الشمول المالي بمعناه التقليدي في التعامل المالي بين السكان.

على الجانب الآخر لم تنسى كينيا هويتها في خضم رغبتها في اللحاق بركب التكنولوجيا، فأصبحت مثل اليابانيين الذين يعملون نهارًا في الأبراج الشاهقة بملابس رسمية، وفي الليل يجلسون على الأرض بزيهم التقليدي ومنازلهم المتواضعة فلا يزال القطاع الزراعي والسياحي هو المحرك الأساسي للنمو ويلقى كل الدعم من قبل الدولة.

 

عملات مشفرة

 وتقول البياع، لـ”360″، إن تقنيات العملات المشفرة دارجة الاستخدام ولكنها ليست مقننة بشكل كامل وساعدت السكان في إفريقيا على استقبال تحويلات المهاجرين في الخارج والتغلب على الطبيعة الصعبة وتناثر السكان في أماكن متباعدة، ومواجهة معدلات التضخم المرتفعة وانخفاض قيمة العملات التقليدية أو ما يبادلها من السلع فأصبحت العملات المشفرة مخزنًا للقيمة، كما يتم استغلالها إفريقيًا في تقديم الخدمات المصرفية بجانب الأمور المتعلقة بنقل الملكية وسداد الالتزامات والأمور المتعلقة بالتراخيص.

 كينيا تحتل حالياً المرتبة الثالثة في قائمة أكبر اقتصاديات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بعد كل من نيجيريا وجنوب إفريقيا، مدفوعة بشكل أساسي بالزراعة التي تمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي و40% من الصادرات، لكن الدولة تخطط لتنويع أكثر للاقتصاد عبر تصنيع المنتجات الزراعية بدلاً من تصديرها في صورة خامات.

 

مشروعات كبري

 ودشنت الحكومة سلسلة من المشروعات الكبرى، منها شبكة سكك حديدية بين العاصمة وأهم موانيها “مومباسا”، ومحطات الطاقة الحرارية الأرضية، ومشاريع الري، وشبكة جديدة لأنابيب النفط الذي تم اكتشافه قبل عامين لكنه لم يدخل حيز التصدير إلا في سبتمبر الماضي، وساهمت تلك المشروعات في القضاء على معوقات الاستثمار.

 

اقرأ أيضا:

“جائحة صامتة”.. إفريقيا تواجه تفشي “كورونا” في هدوء

 

 نجحت الدولة الإفريقية في تقديم نفسها عالميًا كأفضل وجهات رحلات السفاري في إفريقيا وامتلاك شبكة كبيرة من البنية التحتية المؤهلة لذلك، مع زيادة عدد الأسرة في الفنادق، حتى أصبحت تستقبل سنويًا ما بين 1.5 إلى 2 مليون زائر.

وبلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي في 2019 نحو 95.5 مليار دولار بزيادة قدرها 10 مليارات دولار عن عام 2018 السابق، وارتفع معه نصيب الفرد من الناتج المحلي ليبلغ 1750 دولارًا مقابل 1600 دولار في الفترة المقارنة ذاتها، لكن يتوقع أن تتسبب أزمة كورونا في تقليص معدل النمو الذي بلغ العام الماضي نحو 5.5% مع تقلص حجم صادرات الأغذية عالميًا.