مجتمع شيخه عبدالله رشدي هو المجتمع الذي لا يتحمل قبلة بريئة من شاب لحبيبته في العلن بكامل إرادتها، وفى ذات الوقت يتستر ويدافع ويبرر لمغتصب ومتحرش بكل الطرق والأساليب ويلوم الضحية هو مجتمع منافق وسادي   وقاسي وظالم، مجتمع راسبوتين الراهب زير النساء.

مجتمع يعاني من خلل في منظومة الأخلاق والقانون والدين.

خلل صنعته جماعات الإسلام السياسي   لتي خلطت بين مفهوم الدين والأخلاق والقانون، لتجعل من تأويلها القاصر للدين هو المرجعية الوحيدة للمجتمع   لفرض رؤيتها على المجتمع ولقمع الاختلاف والتنوع ومصادرة الحريات وقمع النساء ومصادرة حرياتهم.

 بدأت المأساة مع أفكار حسن البنا وأبوالأعلى المودودي وسيد قطب، وتطورت على يد الرئيس السادات الرئيس المؤمن الذي وظف هذا الخلط بين الدين والأخلاق والقانون، فهو” الرئيس المؤمن” الذي لا يمكن معارضته لأنه كبير الأسرة المصرية كما تقول “أخلاق القرية ” والذي عدل الدستور لتصبح الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع   في “دولة العلم والايمان “.

هذا الخلط الذي تجسد في أبهى صوره في شخصية الشيخ صلاح أبو اسماعيل – والد حازم صلاح أبو إسماعيل –   الأزهري عضو جماعة الإخوان المسلمين وعضو البرلمان المصري   وتاجر العملة   في آن واحد!.

فالإسلام لا يحرم تجارة العملة، بالرغم من إضرارها باقتصاد الدولة، كما أن الدين لا يجرم تزويج القاصرات، فمن الشائع أن نجد مشايخ التيار السلفي يتزوجون فتيات قاصرات بغرض المتعة فقط، فيصل بعضهم للزواج بأكثر من عشرين فتاة بفارق في السن احيانا يتجاوز 30 عاما!.

 وهو أمر له جذور في الجماعة وهذا التيار، فقد جاء في مجلة الدعوة عام 1950، على لسان صالح عشماوي، أحد قيادات الجماعة، أنهم عندما اختلفوا حول قضية الانحرافات غير الأخلاقية – تحرش بالأخوات – لعبد الحكيم عابدين الأمين العام للجماعة وزوج شقيقة حسن البنا !، والذي شغل منصب الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمين حتى قرار الحل في 1948، والتي كشفها الوكيل العام لجماعة الإخوان الأستاذ أحمد السكرى الذي تم فصله بعد ذلك جزاء له !!، قال لهم البنا: “للمرشد أن يُـخالف إجماع أهل المجلس!” وذلك بعد إجماع مكتب الارشاد على فصل عابدين بسبب تجاوزاته الأخلاقية وإصرار البنا على بقاء عابدين في منصبه.

أنه الخلط بين الدين والأخلاق والقانون الذي يفسد الدين ويجعل الاعتداء على النساء مقدس ويحط بالأخلاق   إلى أدنى مستوياتها ويجعل القانون قانون الغابة.

 ربما يظن البعض أننا ونحن نحتفل بذكرى 30 يونية قد تخلصنا من دجل الإخوان، ولكن للأسف.

فبعد مرور سبع سنوات على رحيلهم من السلطة إلا أن تعويذة الجماعة التي سحرتنا بها مفعولها ساري، فالقبض على فتيات صغيرات السن لاستخدامهن تطبيقات الهواتف الذكية كـ ” تيك توك ” واتهامهم بهدم قيم الأسرة المصرية هو صورة من بقايا دجل الإخوان الذي يخلط بين الأخلاق والدين والقانون.

قانون مكافحة الدعارة الذي يحاكم النساء فقط ولا يحاكم الرجل شريك الفعل. 

وقانون العقوبات الذي يميز بين زنا الرجل وزنا الزوجة   فجريمة الزنا للرجل لا تقع إلا في مسكن الزوجية؟!

بينما زنا الزوجة يقع في أي مكان! ويعاقب المرأة عقوبة أشد من عقوبة الرجل. 

كل هذه التشريعات تخلط الدين بالأخلاق بالقانون، فتأتى بمسخ يتنافى مع أبسط حقوق الإنسان في العدالة والمساواة.

فالأخلاق هي علم معياري يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه السلوك الفاضل، فهي تبحث في الفضيلة والرذيلة والخير والشر. في حين أن القانون: هو مجموعة قواعد أو أحكام عامة مجردة مكتوبة تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، وهذه القواعد مُلْزِمَة ومقترنة بجزاءات توقعها السلطة العامة على من يخالفها.

والدين هو العلاقة بين الإنسان وخالقه، تلك العلاقة التي تفسد بتدخل المجتمع فيها وتحول الانسان إلى منافق في الدرك الأسفل من النار.

إن الأخلاق تهتم بالمقاصد والنوايا التي تعتمل في ضمير الإنسان. أما القانون فإن قواعده لا تتعلق بالنوايا والمقاصد الباطنية، طالما ظلت حبيسة النفس البشرية ولم تقترن بسلوك مادي خارجي، فلا يوجد قانون يعاقب على الكذب، لكن كل القوانين تعاقب على السرقة. 

خلط الأخلاق بالقانون بالدين هو خلط مستمد من الظرف التاريخي الذي جاء فيه الإسلام قبل ظهور مفهوم الدولة الحديثة، فقد جاء الإسلام في إطار مجتمع قبلي لا يفرق بين الدين وبين الأخلاق وبين القانون الذي يجب تطبيقه.

فقد بدأ ظهور القانون وتميزه عن الأخلاق، عندما بدأت تتبلور السلطة السياسية داخل الجماعة في شكل شيوخ أو حكماء الجماعة الذين يتولون فرض احترام القواعد الأخلاقية السائدة فيها، مع توقيع الجزاء على المخالف. وقد ظهر مفهوم القانون، أول الأمر، باعتباره نوعاً من العرف الأخلاقي السائد والمقبول. وبذلك بدأ ظهور القانون كجزء من الأخلاق كما تمثلها الأعراف والتقاليد السائدة، وبذلك بدأ القانون على شكل تقنين لأعراف مستقرة ومقبولة. وبعد فترة من استقرار سلطة الحكم في الجماعة، بدأت تتميز طبقة الحكام الذين لا يكتفون بتطبيق الأعراف الموروثة بل يصدرون الأوامر واجبة الاحترام، شأنها في ذلك شأن قواعد العرف المستقرة. وبذلك بدأت أوامر الحاكم تأخذ حكم التقاليد والأعراف في ضرورة الخضوع لها. ومن هنا أصبح القانون أيضاً هو أمر الحاكم.

ومع ظهور الدولة الحديثة، خاصة مع تطور المجتمعات الصناعية، لم يعد من الممكن الاقتصار على العادات والتقاليد لمواجهة احتياجات الحياة في ظل سرعة التطورات وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وبذلك ظهرت الحاجة إلى ضرورة التنظيم للأوضاع الجديدة عن طريق الأوامر والتشريعات. وأخيراً جاءت الثورات الشعبية التي تطالب بالحكم من خلال ممثلين للشعب في المجالس البرلمانية وحيث تصدر القوانين من خلال التشريع من هذه المجالس المنتخبة.

وتطورت علاقة الفرد بدولته لتصبح مواطنة كاملة تتساوي فيها الحقوق والواجبات بين الجميع بغض النظر عن معتقداتهم الدينية او تقاليدهم وعاداتهم الأخلاقية.

 ثم جاءت مفاهيم حقوق الإنسان لترسخ حقوق عالمية للبشر يعترف العالم بيها وتعترف بها الدول الراغبة في اللحاق بركب البشرية وتأتى الحقوق الفردية (الشخصية) على رأس هذه الحقوق.

والآن وبعد هذا التطور، يثور التساؤل عن العلاقة بين الأخلاق والقانون، فهل يتطابقان؟ وهل يقومان بنفس الوظائف أم أن لكل منهما وظائف مختلفة؟ وإذا كانت هذه الوظائف مختلفة، فهل هي متعارضة أم متكاملة؟

فأما من حيث النطاق، فإن نطاق القانون أضيق أحياناً وأوسع أحياناً أخرى من نطاق الأخلاق. فرغم أن كلاً من القانون والأخلاق يسعيان إلى تحقيق السلوك السليم في المجتمع، فإن القانون لا يعنى بكل مظاهر السلوك السليم ويقتصر فقط على الأمور ذات العلاقة بالمجتمع التي يمكن أن تعكر الاستقرار والتقدم الاجتماعي.

وعليه فالقانون لا يتدخل في المساحة الشخصية للمواطنين ومنها ما يتعلق باختيارات الشخص لنفسه في المأكل والمشرب والملبس وشريك الحياة …الخ. 

فالأخلاق الذاتية مرجعتيها التوافق مع الضمير، والأخلاق الموضوعية مرجعتيها موقف المجتمع دفاعا عن مصالحه وسعيه لعدم الحاق الضرر بأفراده.

 لا تداخل بين القانون والأخلاق الذاتية ولا تداخل بينه وبين الأخلاق الاجتماعية إلا عندما يسبب التنكر للأخلاق أذى ظاهرا للمجتمع. القانون لا يعني بالكذب إلا إذا اكتسب شكل التزوير أو شهادة الزور. ولا يعني باختياراتك الشخصية إلا إذا ألحقت أذى ظاهرا بالمجتمع. ولا يهتم القانون كثيرا بكذب الزوج علي زوجه ولكنه ينتفض في المجتمعات السوية إذا كذب الموظف العام على مواطنيه.

وغياب الحدود بين هذه الضوابط السلوكية تعبير عن خلل مجتمعي. تدخل المجتمع فيما هو ذاتي وتدخل القانون فيما هو خلقي صرف وتدخل الأفراد والجماعات في تفضيلات الآخرين يستر خلفه خللا اجتماعيا أكبر في عجز الأفراد والقانون عن حماية المصلحة الحقيقية والحرية المصونة.

العلاقة بين هذه المجالات المعيارية الثلاثة أشبه بالأواني المستطرقة. القانون المستبد تتبعه قيم أخلاقية مجتمعية مشوهة وهشة، والمجتمع المتسلط أخلاقيا يؤدي لضمور الاخلاق الفردية، ونمو الوعي الأخلاقي الذاتي يقلل الحاجة للضبط القانوني والمجتمعي.