تعددت مستويات الخطاب الإعلامي المصري، المرئي والمقروء، في تناول أزمة فيروس كورونا، فتخبط الخطاب بين خطاب توعوي  جاء مرات كثيرة  سطحي ومشوش، وفي القليل منها اتسم بالعمق والإقناع، وبين التدفق الغزير للمعلومات والتصورات حول كورونا ومدى انتشاره، وفرص انحساره والتي كانت أحيانًا مثيرة للسخرية، وما تم التوصل له من علاجات تجريبية ومدى نجاحها، حتى على مستوى المعلومات الوقائية الصادرة من مصدر واحد، وتعددت رواياته بشأن الواقعة الواحدة، فيما استطاع مرات ولو ليست بالكثيرة، في لمس عمق الأزمة وتداعياتها على حياة المواطنين باختلاف شرائحهم.

في دورية يوليو من إصدار “الملف المصري”، تناول مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، من خلال ثلاث ورقات بحثية، برؤية نقدية، أداء الإعلام المصري خلال الجائحة.

توقعات انتشار الفيروس وانحساره

بمجرد إعلان مصر عن الحالات الأولى لمصابي كورونا، تناول الإعلام المرئي والمقروء، بكثافة شديدة، أطروحات متعددة متعلقة بمدى الانتشار المتوقع للفيروس وفرص انحساره، الكثير من هذه الأطروحات لم يكن لها سندًا علميًا، رغم التناول الواسع لها في القنوات التلفزيونية والجرائد الورقية والمواقع الإليكترونية، من أشهر هذه الأطروحات ما تبناه الدكتور هاني الناظر، أستاذ الأمراض الجلدية والرئيس السابق للمركز القومي للبحوث، وظل يدافع عنه لعدة أسابيع، من القضاء على الوباء بمجرد حلول فصل الصيف، متأثرًا بارتفاع درجات الحرارة، هذا التوقع الخالي من أي أساس علمي، أو إشارة من مؤسسة دولية، لاقى تقبلًا كبيرًا بين الأوساط الشعبية، ربما لسعي الناس إلى معلومات مطمئنة تقول لها أن الوضع سيتم السيطرة عليه، وما هي ألا فترة قليلة وكل شيء سيكون على ما يرام، وهذا أمرًا مفهوم، لكن الأزمة هنا تلقف الإعلام بقوة، لهذا الطرح.

لكن أغرب هذه التوقعات، كان تصريح وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بوصول مصر للحالة “صفر إصابات”، بعد بلوغ الإصابات لـ 40 ألف إصابة، حيث ستتناقص المعدلات تدريجيًا حتى نصل لعدم تسجيل أي إصابات.

هذا التصريح، ورغم صدوره من مسؤول حكومي إلا أنه لما يلاقى تصديقًا بين المواطنين، ربما نتيجة لمسهم للواقع، ومدى انتشار الوباء، وربما لزيادة وعيهم الإدراكي لمصادر المعلومات المحلية والدولية والمواقع التي يمكن الوثوق بها، ورغم أن الإعلام لم يتناول هذا التصريح بكثافة، إلا أنه لم يقدم خطابًا نقديًا له.

الخطاب التوعوي

يرى الدكتور عمرو الشوبكي، في ورقته البحثية المنشورة بدورية “الملف المصري” التي أشرنا إليها، أن الخطاب التوعوي كان إرشادي أشبه بمجلات الحائط، يقوم على الوعظ، وغاب عن الإعلام خطاب توعوي يتسم بالعمق، من خلال برامج وتحقيقات حول الفيروس، قادرة على التوجه للريف إضافة لأهل المدن، وإفراد مساحة للمتخصصين لبث خطاب توعوي علمي.

ويدلل الشوبكي، على ضعف الخطاب التوعوي العميق والعلمي حول كورونا، وعدم وصوله لقطاعات أوسع، بما حدث من حالات رفض الأهالي دفن جثامين المصابين بالفيروس في بعض القرى، خوفًا من العدوى، وزيادة وتيرة التنمر ضد المصابين، والاستسلام لفكرة الشعب الجاهل، وهو ما يعد تقصيرًا من لإعلام في هذه النقطة.

إهمال المبادرات الأهلية

ركز الإعلام خاصة الرسمي، على جهود مؤسسات الدولة في مواجهة كورونا، بينما أهمل إلى حد كبير المبادرات الأهلية، التي سعت بإمكانيات محدودة إلى مساعدة الناس سواء فيما يتعلق بتوعية حقيقية على الأرض، مثل محاولة مبادرات فردية تنظيم الأهالي في البنوك ومكاتب البريد والأسواق، أو عمليات التطهير التي قام بها مجموعات شبابية خاصة في القرى للأسواق والشوارع والمنازل، أو مبادرات تجهيز الطعام والدواء للمصابين بالمنازل.

إن القول إنه لم يكن هناك رصدًا من الإعلام لمثل هذه النشاطات، به تجنٍ شديد خاصة وأن عدد من المواقع فرد مساحات لتناول هذه المبادرات، لكن ما نقوله إنه بالنسبة لمجمل المشهد الإعلامي لم تأخذ ما تستحق من تسليط للضوء، لحساب المبادرات والإجراءات الحكومية، لقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر رصدًا لهذه المبادرات.

حضور القضايا الكبرى

من مميزات الخطاب الإعلامي خلال أزمة كورونا، خاصة المواقع التي تعتمد مادتها على موضوعات تحليلية مطولة، عدم تغييب كورونا للقضايا الكبرى والاستراتيجية التي تنطوي على أهمية كبيرة، مثل قضية سد النهضة، والحرب في ليبيا، والقضايا المرتبطة بالأحداث سواء المحلية مثل وقائع التحرش الأخيرة في مصر، أو العالمية مثل مقتل “جورج فلويد” بالولايات المتحدة الأمريكية، ومسألة العنصرية ضد السود، فقد أفرد عدد لا بأس به من المواقع مساحات واسعة لتلك القضايا وتناولها برؤى تتسم بالعمق والتحليل.

إهمال أثر كورونا على المواطنين

لم تلقى مسألة تأثير فيروس كورونا على حياة المواطنين وتدهور ظروفهم المعيشية، اهتمامًا كبيرًا في الإعلام المرئي والمقروء، وباستثناء بعض المواقع التي نشرت، موضوعات تشريحية لأثر كورونا على الفئات الاجتماعية المختلفة، كان الأداء ضعيفًا من أغلب المنصات الإعلامية، وهو ما يشير إليه أيضًا الشوبكي في ورقته.

التجارب العلاجية

لهث الإعلام، وراء أي نبأ عن الاكتشافات العلاجية لكورونا والتجارب السريرية، مصورًا الأمر في كثير من الأحيان كما أن هذه العلاجات قد أُقرت بالفعل، معتمدًا على عناوين مثل: “أمل جديد للبشرية – الاقتراب من اكتشاف علاج لفيروس كورونا” إلى غير ذلك من العناوين الباحثة عن زيادة القراءات، أو المشاهدات في حال مواد الفيديو، وفي هذه  المسألة، تضرب الباحثة رنا ممدوح، في ورقتها بدورية “الملف المصري”،  مثالًا بعلاج المصابين بـ”بلازمة المتعافين” والتي أفردت له البرامج التلفزيونية والمواقع الإليكترونية مساحات واسعة، مسهبة في الحديث عنه، ما أدى إلى ظهور حالات بيع بلازمة المتعافين والتي وصل سعرها لـ 20 ألف جنيه، رغم محدودية نجاح نتائج هذه التجارب،  والتأكيد على هذا من أكثر من مسؤول دولي ومصري، حيث أسفرت نتائج العلاج بالبلازمية عن شفاء أربع حالات ووفاة أربع من بين 19 حالة أجريت عليهم التجارب.

 فرصة لكسب الثقة

في وقت الأزمات الكبرى والتي تصاحبها حالة من الهلع كما هو الحال في أزمة كورونا، تزداد عمليات بحث المواطنين عن مصادر يمكن أن تفك غموض تلك الأزمات، أو تدلهم على معلومات من شأنها أن تخفف من خوفهم وتساعد على طمأنتهم، أو تتحدث عن معاناتهم جراء الأزمة. هنا تخضع وسائل الإعلام لاختبارٍ صعب، كما يتاح أمامها فرصة عظيمة لكسب ثقة القراء، فبقدر ما تقدم هذه المنصة الإعلامية أو تلك من موضوعات تلمس القراء وتجاوب على أسئلتهم دون ابتزاز مشاعرهم أو زيادة خوفهم أو الاستخفاف بعقولهم، بقدر ما تكسب من ثقتهم، هذه الثقة التي تمتد لما بعد الأزمة