شهدت السنوات الماضية ظهور وجوه “شابة” على الساحة، بدأت في طرح ومناقشة القضايا الدينية والتنويرية، في تجربة انتقدها الكثيرون، سواء من أتباع التيار المتدين أو المتمدن، منتقدين عدم حكمتهم وتمكنهم من مناقشة تلك القضايا، ليظهروا في ثوب نماذج تاريخية قدمت الكثير من أجل قضاياها، حتى لقي بعضهم حتفه نتيجة دفاعه وإيمانه بقضيته.

المشهد في مصر يبدو “ضبابيًا”، فالآلة الإعلامية تركز على وجوه بعينها دون أخرى، لنظر قضايا من المفترض أن تساهم في تقوية وعي المجتمع، ومحاربة الأفكار المتطرفة، ما يؤدي في النهاية إلى تحقيق طفرة تُساهم في إحداث نقلة فكرية نوعية، وتضع حدًا لسيطرة “أفكار ظلامية” تقود إلى الهاوية.

اقرأ أيضًا:

نقص مراكز التأهيل النفسي.. يلقي بضحايا التحرش داخل صندوق مظلم

بداية نقاشنا ستكون فيما يتعلق بتيار التنوير في مصر، والذي بدا في العقدين الماضيين في حالة “وهن”، خاصة بعد استشهاد المفكر فرج فودة عام 1992، بعد أشهر قليلة من مناظرته الفكرية القوية وبصحبته محمد خلف الله أحد أعضاء حزب التجمع مع المفكر الإسلامي الشيخ محمد الغزالي، ومرشد الإخوان مأمون الهضيبي، والمفكر المصري محمد عمارة، فخلال السنوات العشر الأخيرة تصدرت 3 أسماء فقط الساحة، وهم “إسلام البحيري، والشيخ محمد عبد الله نصر، والدكتور خالد منتصر”.

“إسلام البحيري”

إسلام البحيري، صاحب الـ46 عامًا، والذي تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1996، و  حصل على ماجستير في “طرائق التعامل مع التراث” من جامعة “ويلز” بإنجلترا.

“البحيري” طرح نفسه منذ 2003 من خلال الكتابة في بعض الصحف المستقلة، أبرزها صحيفة الدستور، على أنه مفكر وباحث تنويري يسير على خطى التنويرين، ويجعل من نفسه خليفة للمفكرين الراحلين فرج فودة ونصر حامد أبو زيد، اللذين يعدان أبرز رموز الفكر التنويري في مصر.

 

 

بدأ صيت “البحيري” يذيع في عام 2012 خلال فترة حكم جماعة الإخوان، محملًا بأفكار نقدية تتشابه في مجملها مع الأفكار التي طرحاها “فودة” و”أبو زيد”، خاصة بعد مناظراته مع بعض الرموز الدينية أمثال محمود شعبان، والداعية اليمني الحبيب علي الجفري، لتنطلق رحلته، ليقدم بعدها برنامجًا جديدًا باسم “مع إسلام” عبر “قناة القاهرة والناس”، انتهى بصراع مع الأزهر، وصدر ضده حكم بحبسه، ليغادر السجن بعد 11 شهرًا بعفو رئاسي، ليواصل أطروحاته النقدية لكتب التراث.

“البحيري”، أكد في العديد من المناسبات على ضرورة التفكير وإعمال العقل في الدين، دون وصاية من أحد، وبدون وضع أي ضوابط يمكن من خلالها بناء النقد للحديث أو التفسير القديم للقرآن والسنة، وهو ما اعتبر عدم إدراك بأسس النقد، فضلا عن اتباعه طريقة اعتبرت مسئية في طرح أفكاره، تجعل الكثيرين ينفرون من مجرد الاستماع إليه، والتفكير فيما يطرحه.

محمد عبدالله نصر

ومن “البحيري”، إلى الشيخ محمد عبد الله نصر، صاحب الـ43 عامًا، والذي تخرج في كلية أصول الدين قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بتقدير جيد، عام 2003، كانت بداية ظهوره خلال أحداث ثورة 25 يناير عام 2011، وما تلاها، حيث طل على المشاركين في المظاهرات والاعتصامات بالزي الأزهري المعروف، حتى لقبه البعض بـ”إمام التحرير”، لينطلق هو الآخر في العديد من اللقاءات التلفزيونية خاصة خلال فترة حكم جماعة الإخوان، مبينًا أنه أحد رموز التنوير في مصر.

“نصر” لم يحظى بفرصة تقديم برنامج كالتي حظي بها “البحيري”، لكنه تشابه معه في كونه حاد الطباع بعيدًا عن الفكر التنويري، ولا يمتلك الحجة الكافية للرد على مناظريه، وذكر في بعض لقاءاته أنه يتبع نظرية الصدمة لتحطيم الأصنام الفكرية، التي يتبعها المسلمون ويغرقون في عبادتها والإخلاص لها، ما حاول إثباته في إحدى المرات من خلال إعلان أنه “المهدي المنتظر”، عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يخرج للرد.

اعتذار “القمني”

“مصر 360” تواصلت مع المفكر والباحث في علوم الدين واجتماعيات الشريعة الإسلامية الدكتور سيد القمني، لمناقشته في خفوت نجم “تيار التنوير في مصر”، وعدم استطاعته استكمال مسيرة الراحلين فرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، على مدار السنوات الماضية، لكنه اعتذر عن ذلك، مشيرًا إلى أنه لا يريد حاليًا الدخول في صراعات، ليس خوفًا من الصراعات، ولكن لقراره بالحصول على راحة نفسية خلال الفترة الحالية، حسب قوله.

أنصاف تنويريين

الكاتب المصري، رامي يحيى، رأى أن “البحيري” و”خالد منتصر” و”محمد نصر” أنصاف “تنويريين”، وأن مصر بها “تنويريون” أقوياء جدًا، إلا أنهم يواجهون تعنتًا، مشيرًا إلى أن من بين رموز التنوير المتمكنين الدكتور سيد القمني، إلا أنه ليس موجودا على القنوات الإعلامية المصرية، وأنه حين تمكن من الظهور في إحداها، تم التعتيم عليه، ومنع مناقشة أفكاره والرد عليها حتى لا تحدث”جلبة”، ويتم نقاشها.

اقرأ أيضًا:

الطريق إلى مجلس الشيوخ.. نشاط في الحركة السياسية والمعارضة “محلك سر”

وأكد “يحيى” في تصريحات خاصة لـ”مصر 360″، أن أجهزة في الدولة تسعى طوال الوقت إلى “تنجيم العملة الرديئة” سواء بالإيجاب أو السلب، حتى لا يكون هناك النموذج القوي الذي يُبحث عنه، فتظهر القضية في الأساس في مظهر “ضعيف” ليرفضها الجميع، ويبقى الوضع على ما هو عليه، ومن ثم عدم استقطاب عقول جديدة لإنهاء سيطرة المؤسسات الدينية على المجتمع، بأفكارها المتشددة.

“التيار الديني”

المشهد بالنسبة لتيار التنوير في مصر، ليس مختلفا عن نظيره بالنسبة للدعاة، فالوضع متشابه بل يكاد يكون متطابقا بشكل كامل وأسوأ، فقبل أحداث ثورة يناير 2011، كان المشهد الديني شبه متروك لمشايخ التيارات السلفية “المتشددة”، حتى أن بعضهم كان يمتلك قناة، ليتمكنوا من جذب العديد من الشباب إلى قافلتهم، التي تعاني مصر من ويلاتها منذ أحداث ثورة 30 يونيو 2013.

في أعقاب ثورة يناير، ازداد الوضع سوءًا خاصة مع تراجع دور الأزهر والإفتاء وترك المساجد، وطفو جماعة الإخوان على سطح الحياة السياسية، امتلكت هي الأخرى آلة إعلامية ضخمة محاولة استقطاب الشباب إليها، بخلاف تحركاتها السابقة في الشارع، لكن أحداث ثورة 30 يونيو غيرت المعادلة بالكامل، وأنهت تواجد الإخوان وقلصت من ظهور التيار السلفي هو الآخر.

مصطفى حسني

“الشاشة الصغيرة” لم يظهر عليها سوى بعض الدعاة الجدد، أبرزهم مصطفى حسني صاحب الـ42 عامًا، والحاصل على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس عام 2000، وحاصل على شهادة معهد إعداد الدعاة التابع لوزارة الأوقاف المصرية، بدأ طريقه الدعوي عقب تخرجه بسنوات قليلة.

 

 

“حسني”، بدأ الظهور عبر قناة “اقرأ” السعودية، مقدمًا برنامجًا دينيًا، يحمل لواء توعية “الشباب والفتيات” دينيا، وإعلامهم بتعاليم الدين، لينطلق من قناة إلى أخرى، ومن برنامج إلى غيره، ليحقق نجاحًا كبيرًا في أوساط الشباب لكنه لم يكن ذو دور قوي، حتى واجهته انتقادات عدة لمحاولته الاعتماد على “التريندات”، وعدم تقديم نقاشات دينية جادة مع دفع الشباب في النهاية إلى الانفضاض من حوله، حيث بدأوا خلال الفترة الأخيرة تداول “فيديوهاته” متهكمين عليها، لعل آخرها مقطع فيديو له في بدايته ينتقد فيها زي المرأة.

عبدالله رشدي

وبخلاف “حسني”، نبغ اسم الداعية الإسلامي وأحد أئمة وزارة الأوقاف عبد الله رشدي، صاحب الـ36 عامًا، والذي كان سببًا في إحداث أزمة مؤخرًا عقب محاولته تحميل المرأة جزءًا من المسؤولية في تعرضها للتحرش، رغم إعلان الأزهر- الذي يتغنى “رشدي” ليل نهار بفخره بالانتماء إليه، وموافقته الرأي، بالعكس تمامًا، الجزء الآخر المفقود من مصطفى حسني.

“رشدي”، لمع نجمه على الساحة الدينية بعدما قدَّم برنامج “القول الفصل” لإجراء المناظرات والحوارات بين الشيوخ والدعاة، في عام 2011 عبر قناة الفجر الفضائية، فضلا عن تقديم برنامج آخر على قناة “الشباب” و”الصحة والجمال”، ليتحول الشاب مفتول العضلات إلى “رمز ديني” للكثيريين، سرعان ما تحطم عند بعضهم، بسبب جدلية آرائه والتي ردت عليها وزارة الأوقاف في الكثير من الأحيان، وتسببت في إيقافه في أكثر من مناسبة، فضلا عن تبرؤ الأزهر من موقفه.

“مصر 360” تواصلت مع أحد علماء الأزهر المعروفين على الساحة الدينية، -والذي طلب عدم ذكر اسمه-، وأكد أن الإعلام الديني في مصر على مدار سنوات لم يكن على القدر المأمول، مشيرًا إلى أن هناك آلة إعلامية تستعين ببعض “المرضي عنهم”، ليبدو المشهد في هذا الشكل.

وشدد المصدر على أن الأزهر بريء تمامًا من المسؤولية في هذا الاتجاه، ولا يفرض شروطًا على ظهور أحد علمائه دون الآخر، لافتًا إلى أن الوضع يحتاج إلى تغيير جذري، وإعطاء الفرصة لأصحاب العلوم الحقيقية، بدلا من الذين لا يملكون علمًا كافيًا ومن ثم إحداث بلبلة، تنتهي بتوجيه اللوم إلى الأزهر والمؤسسات الدينية عمومًا.