تنتهي العلاقة الحميمية بينها وبين زوجها، فتتذكر اليوم الذي قُطع خلاله جزء من جسدها رغمًا عنها، تتذكره وكأنه حدث بالأمس، بتفاصيله الموجعة والثقيلة على القلب، والتي تسببت في عدم وصولها للرضاء عن حياتها الجنسية مع زوجها، بسبب عملية الختان التي ما زالت تعاني من آثارها النفسية والجسدية إلى اليوم.

“أسماء محمد” زوجة وأم لطفلة تبلغ من العمر 8 أشهر، أجريت لها عملية ختان عندما كان عمرها 13 عاما، لتبدأ رحلتها الأليمة من هذه السن: “كنت راجعة من المدرسة وماما فجأ سحبتني على جوه ولقيت بعد شوية واحدة داخلة عليا كتفوني وقطعوا حته من جسمي وقتها مفهمتش اللي حصل ولا أدركته ولا حتى حد حاول يفهمني وفضلت 3 أيام مش بتحرك ومش بروح المدرسة“.

مشرط الختان

عادت الطفلة للمدرسة مجددًا، ونسيت الأمر باعتبارها طفلة، وسألت والدتها لماذا حدث هذا الأمر الموجع بالنسبة لها، لترد عليها: “بطلي كلام كتير ده لازم يحصل لكل البنات”، حتى وصلت للمرحلة الثانوية، وهنا أدركت أن ما جرى لها ليس أمرًا يحدث لكل البنات كما وصفته والدتها، وإنما هو قطع لجزء من جسدها سيسبب لها المتاعب مستقبلًا.

تحدثت مع والدتها عن الأمر، وعما عرفته من زملائها عن مخاطر عملية الختان، فنهرتها الأم غاضبة: “بطلوا قلة أدب ما هو لازم نعمل لكم كده علشان تبطلوا تتكلموا في الحاجات دي“.

بدأت حينها موجة الحديث عن أضرار الختان والمطالبات بوقفه تتزايد في في وسائل الإعلام والصحف المصرية، ولكن الأم كانت ترى أنها على صواب، وستكرر الأمر مع طفلتها الصغرى: “الموضوع فضل عامل لي أزمة نفسية وحسيت إنه ناقصني حاجة عن بنات كتير في سني متقطعش من جسمهم حتة وبدأت أخاف على أختى كمان من المشهد ده يتكرر تاني معاها، المشهد اللي تفاصيله بالمشرط بشكل الست وهي بتهجم عليا مبيروحش من ذاكرتي أبدا“.

الانتصار لشقيقتها

وصلت “أسماء” للمرحلة الجامعية، ووصلت شقيقتها لسن 12 عامًا، وبدأت الأم تفكر في تحديد موعد لإجراء نفس العملية التي أجرتها لشقيقتها الكبرى، برغم المناشدات والمطالبات الإعلامية بوقف تلك العملية التي وصفت بالجريمة، ونفي الأطباء أن لها جوانب إيجابية بل أضرار نفسية، لكن الأم كانت مصرة على الأمر، فرفضت “أسماء” أن تعيش شقيقتها نفس المصير.

اقرأ أيضًا:

كفالة الأطفال.. مخاوف تهدد أحلام الأمومة

لجأت لأعمامها الذين حلوا محل والدها عقب وفاته، وطلبت منهم مساندتها، فرفضوا في بداية الأمر لأنه أمر متعارف عليه ويتم للبنات، ولكنها لم تيأس فحاولت أكثر من مرة إقناعهم أن الأمر لا علاقة له بالطب أو الدين، فاستجاب أحدهم وطلب من الأم تأجيل الأمر حتى حسمه.

استشار العم الأصغر أحد الأطباء الذي أكد له أن عملية الختان لا نفع من ورائها، بالعكس فلها العديد من الجوانب السلبية على الفتاة، مؤكدًا أن قطع هذا الجزء من جسم الفتاة أو الطفلة لا علاقة له بالعفة أو الطهارة كما هو شائع، فطلب العم من الأم عدم تكرار مع حدث مع الشقيقة الكبرى: “ماما سمعت كلام عمي طبعا وحسيت بفرحة وانتصار إني رحمت أختي الصغيرة من الجريمة دي اللي كنت متأكدة إنها هتفضل معايا طول العمر“.

نشرت “بي بي سي”، تقريرًا أكدت خلاله أن عملية الختان تتم بشكل رئيسي في 30 دولة في إفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنها تُمارَس في بعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية، كما تقول الأمم المتحدة إن بعض المهاجرين الذين يعيشون في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا يمارسونها أيضًا.

ويقول تقرير لـ”ليونيسيف” شمل 29 دولة في إفريقيا والشرق الأوسط، إن الختان لا يزال يُمارس على نطاق واسع في تلك الدول، على الرغم من أن 24 من هذه الدول لديها قوانين أو شكل من أشكال القرارات التي تحظر عملية الختان.

العقوبة القانونية

وفي القانون المصري، يعاقب من يقوم بختان الإناث، بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، وذلك بعد أن كانت العقوبة قبل التعديل هي الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز 5 آلاف جنيه، وتضمن التعديل الأخير للقانون على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تتجاوز ثلاث سنوات كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها على النحو المنصوص عليه بالمادة 242 مكرر من القانون، إلا أن هناك مناطق وخاصة بالريف المصري والحضر أيضًا لا زالت تمارس تلك العادة الضارة، التي تحصد ضحايا من الأطفال، آخرهم الطفلة “ندى”، ضحية الختان في أسيوط، التي توفيت داخل عيادة خاصة.

مصير “أسماء”، كان من الممكن أن يكون مثل مصير “ندى”، وهو الأمر الأهون بالنسبة لها، لكنها عاشت التجربة الأصعب: “لو كنت مت كنت هرتاح لكن التعب النفسي وكرهي لنفسي ولجسمي بيقتلني كل يوم لحد مجالي عريس واتجوزت في آخر سنة وبرضه من غير إرادتي لأني كنت رافضة فكرة الجواز للسبب ده لكن ماما اتعودت إن رأيها هو اللي بيمشي واتخطبت واتحدد ميعاد الفرح“.

حددت الأم موعد عقد القران، ورضخت الابنة للأمر، وهي تعلم أنها ستبدأ رحلة جديدة من العذاب: “إحساس فظيع إنه أنا كارهة نفسي وجسمي ومش قادرة حد يقرب مني وجوزي اللي اتعرفت عليه في الخطوبة حد كويس جدًا وفعلا حبيته بس برغم الحب ده كله ما يقرب مني أحس إني جماد مش قادرة أحسسه بالسعادة أو أحس بيها في العلاقة الزوجية وبمثل إني سعيدة علشان هو ميتجرحش.

العلاج النفسي

ذهبت “أسماء”، لطبيبة نفسية للتحدث معها، ونصحتها الطبيبة بنسيان الماضي وبداية حياتها من جديد مع زوجها، وأكدت لها الطبيبة أن العملية لها تأثير سلبي حقيقي ولكنه من الممكن أن يزول مع الوقت، وما تعيشه حاليًا هو تأثير نفسي يمكن عند التغلب عليه، والاستمتاع بالعلاقة الزوجية مجددًا.

وعقد المجلس القومي للمرأة، العديد من الحملات للقضاء على ظاهرة الختان، منها “شهر بدور”، و”احميها من الختان”، وغيرها من الحملات، التي تتم بالتعاون بين المجلس والمجلس القومي للطفولة والأمومة، وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف” أعلنت في تقرير لها في 2018 أن مصر تحتل المركز الرابع عالميًا والثالث على مستوى الدول العربية بنسبة 91%، حيث يحتل الصومال صدارة العالم والدول العربية في نسب انتشار ختان الإناث، بنسبة 98%، ويليه في القائمة غينيا ثم جيبوتي، ثم تأتي مصر وبعدها السودان في المرتبة الثامنة عالميًا والرابعة عربيا بنسبة 88%.

اقرأ أيضًا:

“العيب” يهدد حماية الأطفال.. لماذا التربية الجنسية ضرورية؟

كما أرجعت “اليونسيف” ختان الإناث إلى الموروثات الاجتماعية التي تربط بين الختان والطهارة والاستعداد للزواج، حيث بلغت نسبة انتشار ختان الإناث في مصر عام 2000، نحو 97%، وسجلت انخفاضًا عام 2015 إلى 92%، ثم إلى 87% عام 2016، إلا أن انتشار تلك الممارسة عاد إلى الصعود إلى 91% عام 2017، رغم تبني الحكومة منذ عام 2008 تشريعات عقابية لمن يقوم بالختان للإناث.

تكمل “أسماء”، علاجها النفسي، بالرغم من إنجابها طفلة، لتحاول التخلص من التجربة السيئة: “نفسي مرة أحس إني ست بتستمتع بالعلاقة الزوجية مع جوزها مش مجرد أداء واجب تقيل على قلبي وواجب بيحسسني بالخوف والتوتر من غير أي مشاعر، نفسي أنسى شكل المشرط ووش الست اللي عملت فيا كدة“.

بالرغم من إحساس “أسماء” بالانتصار في منعها ختان شقيقتها الصغرى، إلا أنها ما زالت تعاني آثار التجربة السيئة، التي لا تعترف بها والدتها، ولا تعترف بعلاجها النفسي أيضًا، حيث تصرح دائمًا: “ما كلنا حصل لنا كدة وكبرنا واتجوزنا وخلفنا عادي“.