شقاوة، مرح، جنون.. عالم خالي من التكليفات الشرعية أو المسئوليات المجتمعية، عالم تحكمه قواعد البراءة واللهو واللعب فقط، إنه عالم الأطفال في أبسط تعريف له، ولكن خارج حدود هذا العالم، يوجد عالم آخر لأطفال آخرون، يعيشون حياة فرضت عليهم تفاصيلها، فوجدوا أنفسهم، نماذج مصغرة لآباء يحملون أفكارًا متشددة ومتعصبة لتيارات حاكت دينها وفقًا لأهوائها وحاولت فرضه على الجميع.

فبينما ينتظر الآباء أبنائهم ليكونوا أملًا في غدا أفضل، تحمل أرحام الكيانات المتطرفة أطفالًا مكبلين بمسئوليات أكبر من أناملهم الصغيرة وحكايات أقوى من عظامهم الهشة

العديد من التفاصيل تسردها السطور القادمة حول حياة الأطفال المنتمين لأسر متشددة، وكيف يعيشون في مجتمع خاص يختلف عن الواقع الذي يحيط بهم.

 

الاسم والنشأة

تشكيل هوية الطفل المتشدد يبدأ منذ اللحظات الأولى لميلاده، حيث يتم تحديد اسم له ذو طابع ديني وتاريخي، يحمل في حروفه نماذج لشخصيات لها أثر واضح في تكوين الدولة الإسلامية، مثل حمزة أو زيد أو معاوية أو سفيان، وهو اختيار متعمد لربط الطفل بتلك النماذج منذ الصغر.

“اختيار اسماء أبنائها كان له طابع ديني، ليتعلم الطفل أنه ليس مثل غيره من الأطفال، وأن الدين هو أساس الحياة وليس شيء آخر، وأن الأطفال المحيطين به ممن لا يلتزمون بأمور دينهم لا يجوز الاقتراب منهم لأنهم بعيدين عن الله”، هكذا قالت “س.م”  والتي نشأت في أسرة تنتمي لجماعة الإخوان.

وذكرت “س.م” ، أنها وزوجها يحاولان العمل على تدريب أبنائهم على نوعية حياة تقربهم من حياة الصحابة، فمثلًا لا يسمحون للطفل بأن يقول “بابا” أو “ماما، ويجب أن يقولون “أبي وأمي”، ولا يسمح لهم باستخدام اللغة “العامية”، حيث يعودونهم على الحديث على اللغة العربية الفصحى، مؤكدة أن هذا الأمر يشعر الأطفال باختلافهم عن غيرهم لكنه لا يسبب أزمات قوية، معقبة: ” الحديث بالفصحى يميز أبنائنا عن غيرهم، لأنهم جيل يمكنه إعادة راية الدين لما كانت عليه من قبل”.

 

 

قوائم الممنوعات

الممنوعات في حياة الأطفال في بيوت التشدد لا تقتصر على الكلمات، ولكن هناك العديد من الأمور التي تُحرم عليهم بأمر من آبائهم، منها الحرمان من مشاهدة التليفزيون أو سماع الموسيقى أو الرسم، باعتبارها أمور محرمة، لا يجوز فعلها، كما لا يسمح لهم بعمل صداقات مع أطفال غير منتمين للجماعة إلا في حدود ضيقة جدًا، فيما يتم تدريب الأطفال على ارتداء ملابس معينة ليعتادوا عليها، مثل الجلباب القصير والبنطلون ولف الرأس بشال صغير بالنسبة للولد، والاسدال والعباءة الفضفاضة والخمار الصغير للفتاة، ويمنع على الفتاة ارتداء الملابس الضيقة أو المفتوحة.

الترفيه في حياة أطفال التشدد

تختلف كلمة “الترفيه”، في بيوت المتشددين عن المعنى المألوف، فهي تعنى استغلال كل الوسائل لإعداد طفل مقاتل وليس طفلًا عاديًا، فيتم تعليم الأطفال أناشيد حماسية عن الدين والجهاد وعظماء التاريخ الإسلامي، حيث يتم تنشئتهم على أنهم محررين للأراضي المحتلة، وأنهم خلفاء لصلاح الدين الأيوبي، ومن الكلمات التي تحملها تلك الأناشيد “سنخوض معاركنا معهم وسنمضي جموعًا نردعهم ونعيد الحق المغتصب وبكل القوة نمنعهم”، وهي أنشودة شهيرة جدًا، يحفظها معظم الأطفال الذين نشأوا في بيوت متشددة.

كما يتم عمل ما يشبه العمل المسرحي ويتقمص الأطفال أدوار المجاهدين والمقاتلين في التاريخ الإسلامي كلا وفقا لاختياره، كما يتم عمل رحلات ترفيهية في إحدى الفلل أو المزارع وقضاء يوم كامل وسط مجموعة من الأطفال، وتحت إشراف شخص مسئول عادة ما يكون المشرف على إعدادهم دينيًا، ويتبادلون خلالها قواعد الفقه وأحكام الشريعة وفقًا لتفسير كل جماعة، كما يرددون الأناشيد الحماسية التي تعلموها.

مجتمع أطفال التشدد

رغم أن الإسلام دعى للانفتاح على الآخر والتعلم من الثقافات المختلفة والرفق والشفقة على الأطفال والابتعاد بهم عن أفكار الجاهلية، إلا أن الأمر يختلف في بيوت المتشددين، الذين يفرضون على أبنائهم صداقات معينة لا تخرج عن إطار أبناء المنتمين لتلك الجماعات.

يروي “إسلام .م” أحد المنتمين للتيار السلفي، كيفية إعداد معسكرات للأطفال تشرف عليها لجنة “البراعم” التي كونها السلفيون في إسكندرية لتربية الأطفال وفقًا للمفهوم السلفي .

ويقول إسلام، إن حياة الطفل يتم تشكيلها وفقًا لقادة التيار، حيث يتم تدريبه على طاعة شيخه وعدم الخروج عن نهجه أبدًا، وعدم الخروج عن الجماعة التي ينتمي إليها، وإلا يُعتبر خطاءً عظيمًا.

ويتابع إسلام، أنه كان يتم جمع الأطفال في معسكرات تُقام بأماكن متطرفة حتى يعتادون على بعضهم البعض ويتم تدريبهم على رفض الآخر وعدم منح الأمان والثقة إلا لمن يتبع جماعة السلفية، وأن الآخرون لا يتبعون الاسلام الصحيح وأنهم ضالون وجبت هدايتهم، وهكذا يظل الطفل اثير لتلك الأفكار التي يصطدم بغيرها عند البلوغ والخروج للواقع المغاير لتلك المفاهيم.

 

 

الوضع النفسي للأطفال في الأسر المتشددة 

وضع الإسلام أسس ومعايير لتربية الأطفال كونهم النواة الأساسية في بناء المجتمع السليم، بينما لم يخرج المتشددين سوى نماذج تعاني من اضطرابات نفسية متعددة وغير قادرة على الانسجام في المجتمع.

الأمر الذي كشفه الخبير النفسي جمال فرويز، والذي أشار إلى أن العديد من الأطفال الذين ينشأون في أسر متطرفة يعانون من اضطرابات نفسية كبيرة، فمثلًا الابن الذي تربى على التطرف يلجأ للإلحاد، والذي يتربى وسط العنف يكره السلطة والتعنيف.

وأكد فرويز، أن تلك الشخصيات يتم العمل على تعديلها فقط لأنها لا تكون سوية 100%، هذا بخلاف ضرورة وجود استعداد قوى لديهم لتعديل اضطرابهم النفسي، مشيرًا إلى أن التربية المتشددة المتطرفة تنتج طفل متعصب متشدد، بينه وبين الآخرين مسافة كبيرة، ويعاني من نظرة أحادية لمن حوله، بخلاف كراهية المجتمع أو بعض أنماطه.

وأشار فرويز، إلى أن الحياة المتطرفة تخلف طفلًا ليس لديه مرونة في التعامل مع الآخرين ويصبح متطرفًا أو متعصبًا لفكرة أو رأي، موضحًا أنه عند سن معين تتحكم علاقته بوالديه بطريقة استكمال حياته، فإذا كانت علاقة جيدة يكمل طريق التشدد، وإن كانت سيئة يبحث لنفسه عن حياة عكس التي كان يعيشها تمامًا.

فيما حذرت رحاب العوضي، المتخصصة في سلوكيات الطفل من أن الأسر المتطرفة فكريًا يعاني أطفالها من الخنوع لأي شخص أو التسلط والتأهب للصراع، ويكونون عاجزين عن التواصل مع المجتمع.

وأكدت العوضي، أن التشكيك في الآخرين سمة هؤلاء الأطفال، فهم لا يشعرون بالأمان مع غيرهم، ويتأهبون دائمًا لصراع وشيك، ويشعرون أنهم غير أقرانهم، ويتحسسون ضدهم دائمًا.