قصص صادمة نسمعها من حين لآخر عن الأخطاء الطبية، وكانت أعنف ما تلقته أذناي من أنباء مفارقة “زينب” للحياة تلك الشابة التي تزوجت حديثًا وذهبت إلى الطبيب لتضع طفلتها الأولى، وخرجت من عيادته وسط فرحة الأسرة التي لم تكتمل لأكثر من ساعات معدودة لتفاجأ بالكارثة، نزيف داخلي نتيجة خطأ الطبيب في التعامل مع جرح الولادة القيصرية، ليتم نقل الضحية إلى مستشفى القصر العيني وقبل وصولها تفارق الحياة، تاركة طفلتها الرضيعة تواجه بؤس حياتها وسط تعاطف أهل قريتها وتصبح اليتيمة ابنة الجميع محرومة من حنان أمها طوال حياتها، ولم تحصل أسرة الضحية إلا على واجب العزاء، بينما ينعم الطبيب بحياته هادئًا، ويكمل عمله وربما يقتل غيرها دون محاسبة رادعة، فبعدما كان هناك تندر على الأخطاء الطبية في القرن السابق، أصبح الأمر يتطور بشكل كبير لنجد بعض الأخطاء تؤدي إلى القتل وسرقة الأعضاء والإهمال الجسيم.

 

بداية ظهور الأخطاء الطبية:

ظهرت مشكلة الأخطاء الطبية التي يمكن رصدها في الأخبار في عام 1999، عندما نشرت مجلة معهد الطب الأمريكي “ُError is Human”  في تقرير لها بعنوان “بناء نظام صحي أكثر أمانًا” أن “ما يقدر بنحو 98000 حالة وفاة غير ضرورية تحدث كل عام في أمريكا وحدها، وقد ألهم ذلك التقرير الكثيرين لتأسيس “حركة سلامة المرضى” ولكن بعد مرور عقدين من الزمان، لم يتم إحراز تقدم كافٍ تقريبًا، كما يقول العديد من الخبراء.
منظمة الصحة العالمية قدرت في تقرير لها في سبتمبر 2019 أن خمسة أشخاص يفقدون حياتهم كل دقيقة في العالم بسبب الأخطاء الطبية، وهو ما يفوق عدد ضحايا الحروب والكوارث سنويًا، وقدرت جامعة مانشستر في بحث لها أن 6% من المرضى على مستوى العالم يتعرضون للإعاقة أو الموت بسبب أخطاء الأطباء.

180 ألف خطأ طبي في مصر والعقوبة 300 جنيه غرامة:

تقدر وزارة الصحة عدد الأخطاء الطبية في مصر سنويًا بـ 180 ألف حالة، عدد قليل منها يصل إلى تقديم شكوى أو يتم نظره أمام القضاء، وحسب تصريحات نقابة الأطباء فإن نحو 20 طبيبًا يتم شطبهم من النقابة سنويًا بسبب الأخطاء الطبية، ورغم أن الكثير من الأخطاء ينتج عنها الوفاة إلا أن قانون العقوبات المعمول به في مصر ينص في المادة رقم ٢٤٤ على أن عقوبة الخطأ الطبي الجسيم الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز ٢٠٠ أو ٣٠٠ جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

أخطاء طبية شهيرة:

تزدحم صفحات الحوادث بالكثير من القصص حول أخطاء طبية أودت بحياة مرضى ذهبوا إلى الطبيب أو المستشفى بشكاوى مرضية بسيطة وخرجوا منها بشهادة وفاة، من أشهرها:
  •  وفاة المؤلفة وكاتبة السيناريو “نادين شمس” والتي دخلت مستشفى خاص وشهير لإجراء جراحة بسيطة بالرحم، لكن خطأ طبيًا تسبب في إصابتها بثقب في القولون وتلوث الدم، مما أدى إلى وفاتها.
  •  الفتاة “هبة العيوطي” والتي توجهت بناء على طلب طبيبها لمستشفى خاص لإجراء أشعة بالصبغة، لكنها حقنت بمادة كاوية بدلاً من الصبغة، والتي سببت لها في “غرغرينا” في المعدة، مما أدى إلى وفاتها.
  •  “كريمة مطر” التي دخلت مستشفى خاص بكفر الزيات قبل عيد الفطر، لإجراء عملية المرارة وإزالة حصوة في القناة المرارية، وبعد ساعتين من العملية قرر الأطباء إجراء عملية أخرى لها نتيجة حدوث نزيف، وتدهورت حالتها وبعد عدة أيام توفيت رغم عدم شكواها من أي أمراض مزمنة قبل دخولها المستشفى، وهو ما دعا وزير الصحة إلى إصدار قرار بإغلاق المستشفى والتحقيق في الواقعة.
  •  وفاة طفلة عمرها سبع سنوات في سوهاج بعد أن لدغها عقرب، توجهت لمستشفى المنشأة العام، والذي حقنها بالمصل المضاد وخرجت من المستشفى لتموت في اليوم التالي، وبعد غضب من الأهالي وانتشار أنباء عن عدم توفر مصل العقرب بالمستشفى، نفت مديرية الصحة الشائعات وأفادت بتوفر الأمصال وأن الطفلة قد تم حقنها به قبل خروجها، وأحيلت الحادثة للنيابة الإدارية، لكن المحافظ قرر إحالة الأمر للنيابة العامة والتحقيق فيه بعد أن ثبت مخالفة الأطباء لبروتوكول العلاج في تلك الحالة وكان يجب عليهم حجز الطفلة لمدة 24 ساعة بالمستشفى تحت الملاحظة.

 

قانون المسئولية الطبية

بعد ازدياد عدد الحوادث الناتجة عن الأخطاء الطبية، وشكاوى الأطباء من كيدية الاتهامات في أحيان كثيرة، وعدم حصول الضحايا على تعويضات مناسبة في حالة تعرضهم لخطأ طبي، تقدم عدد من النواب بتعديلات لقانون المسئولية الطبية تحاول سد تلك الثغرات وتتضمن:
  •  تشكيل لجنة عليا للمسئولية الطبية، تضم عددًا من كبار الأطباء لتلقي شكاوى المرضى ودراسة ما يرد إليها من ادعاءات بحدوث خطأ طبي، وتصدر اللجنة قراراتها بشأن الواقعة وتحديد مسئولية الطبيب في حالة اعتبارها خطأ طبي.
  •  عدم جواز القبض على الأطباء أو حبسهم احتياطيًا في وقائع الاتهام بالخطأ الطبي الا بأمر من النائب العام.
  •  إلغاء عقوبة الحبس في قضايا الإهمال الطبي، والاقتصار على التعويض المدني فقط في حالة ثبوت الخطأ.
  •  معاقبة المؤسسة الطبية التي يعمل بها الطبيب في حالة عدم تطبيق المعايير المهنية والطبية، أو الامتناع عن الشهادة أو إخفاء الأدلة في وقائع يعاقب عليها القانون.
  •  إلزام المؤسسات الطبية بالتأمين الإجباري على مقدمي الخدمة لديها، لضمان حصول المرضى على تعويض مالي مناسب لحجم الضرر الواقع عليهم.
وباستثناء البند الأخير، صبت كل التعديلات في مصلحة الأطباء ومساعدتهم على التخلص من مسئوليتهم عن الأخطاء الطبية تجاه الضحايا، ووفقًا لهذه التعديلات أيًا كانت نتيجة التحقيق في وقائع الأخطاء الطبية حتى لو أدت إلى الوفاة، لن يتعرض الطبيب لأي عقوبة وستغطي وثيقة التأمين الإجباري قيمة التعويض للمتضرر.