الإجهاض في مصر، أمر محظور بموجب المواد 260-264 من قانون العقوبات لعام 1937، ووفقًا للمادة 61 من قانون العقوبات، ويجوز منح استثناءات للإجهاض في حالات الضرورة، لإنقاذ حياة المرأة الحامل، ويتم هذا الأمر في أضيق الحدود، ومع صدور بيان وزارة الصحة والسكان، والذي يضم مناشدة للسيدات المتزوجات بتأجيل قرار الحمل حتى تنتهي جائحة كورونا، بسبب تأثير الفيروس على الجنين، يظل طلب الإجهاض في العيادات والمستشفيات أمرًا ممنوعًا.

الحمل الخطر

“الحمل الخطر”، عنوان لغرفة ظلت بها أماني عمر، التي تبلغ من العمر 32 عامًا، بإحدى المستشفيات بمدينة المنصورة، بعد وفاة جنينها في بطنها في الشهر الرابع من الحمل، استعدادًا لإجراء عملية الإجهاض، لتقول: “طبعًا في الظروف اللي زي دي المستشفيات كلها فيها حالات كورونا ومش أحسن مكان، بس بحمد ربنا إن الإجهاض تم من نفسه بدل مكنت أدخل في حيرة بين الدكاترة اللي بيرفضوا يعملوا أي عملية تنزل البيبي إلا في حالة إنه يكون ميت”.

حملت الأم، منذ 4 أشهر في طفلها الثاني، ولم تعلم حينها أن الحمل خطر في تلك الأوقات، قبل أن تُصدر وزارة الصحة بيانها وفقًا للمعلومات التي تنشرها منظمة الصحة العالمية، والتي تُحدثها أولًا بأول مع أي اكتشافات جديدة أو تغيرات في طبيعة الوباء، وكيفية انتقاله وتأثيره أيضًا.

بدأ الخوف يراود الأم عقب صدرو بيان وزارة الصحة، وتحدثت مع طبيبها الخاص، الذي أخبرها أنه لا يمكن إجراء أي عملية إجهاض إلا في حالة موت الجنين وتأثيره على حياة الأم، وحاول طمـأنتها بالبقاء في المنزل، لحماية نفسها وجنينها من الفيروس، حتى تمر شهور الحمل، ويخرج الجنين للنور.

تؤكد اماني عمر: “جوزي كمان كان رافض فكرة نزول الجنين وانا كمان مكنتش حباها، وفضلت يومين كاملين بعيط بس وبدعي ربنا الطفل يجي سليم، وفضلت أنضف في الشقة بشكل لا إرادي وكأني بطلع همي في التنضيف، وفجأة لقيت دم بينزل عليا، جريت على جوزي واتصلنا بالدكتور وقالنا نروح له”.

ذهبت الأم، للطبيب بصحبة زوجها، ليخبرها أن الجنين بالفعل توفى في رحمها، وتحتاج لإجراء عملية تنظيف للرحم، وحدد لها موعدًا في اليوم التالي لتجري العملية في المستشفى.

ذهبت الأم في اليوم التالي للمستشفى، وظلت بالحجرة انتظارًا لدورها في إجراء العملية: “طبعًا قلبي بيتقطع على ابني ولا بنتي، بس ده تدبير ربنا إنه يرحمني من عذاب الخوف والحيرة إنه يجي ويحصله حاجة، فده تعب أهون من تعب لحد ما أزمة فيروس كورونا تنتهي وابقى أحمل تاني”.

إجراء الطبيب، لعملية الإجهاض، حتى عند موت الجنين، يحتاج لقسيمة الزواج لإثبات أن السيدة متزوحه بالفعل، وهو ما حدث مع “أماني”، التي استطاعت التخلص من الجنين بعد وفاته في رحمها، وبدأت في أخذ أقراص منع الحمل، حتى انتهاء الجائحة تنفيذًا لمناشدات وزارة الصحة.

مناشدات منع الحمل

نصح قطاع تنظيم الأسرة والسكان بوزارة الصحة، الأزواج بتأجيل الحمل خلال الفترة الحالية، لتفادي الأخطار المتوقع حدوثها للأم والطفل بسبب فيروس كورونا، وذكر القطاع في منشور توعوي أن مناعة المرأة تقل أثناء فترة الحمل، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة خاصة أن تأثير الوباء على الجنين غير معروف حتى الآن، وأن الحمى من أعراض فيروس كورونا، قد تؤدي إلى تشوهات خلقية في الجنين، قد تصل إلى وفاته.

برغم التحذيرات من الآثار السلبية التي من الممكن أن تصيب الجنين في تلك الفترة بسبب فيروس كورونا، إلا أن قرار الإجهاض وتنفيذه ما زال مستحيلًا، كما قالت صفاء سعد، التي علمت بحملها الأول منذ ما يقرب من 5 أسابيع، وصدر عقب ذلك البيان التوعوي لتأجيل الإنجاب، فتواصلت مع طبيبها الخاص، لإجراء عملية إجهاض، فرد عليها قائلًا: “مينفعش يا مدام طالما صحتك كويسة والجنين بخير مقدرش أعمل كده”، فأوضحت له بيان وزارة الصحة، ليؤكد لها أنه سببًا غير كافيًا، مضيفظًا: “تقدري تعملي كده عند حد تاني”.

بحث زوج “صفاء”، عن أقراص يمكن للسيدة أخذها قبل حلول الشهر الثاني من الحمل، وبداية تكون الجنين، لتساعدها في الإجهاض، إلا أنه لم يجدها في الصيدليات، وأخبره أحد العاملين بواحدة من الصيدليات التي سأل بها عن تلك الأقراص أنها غير موجودة في مصر، وغير مصرح باستخدامها.

ووفقًا لقانون العقوبات المصري، فإن المواد 260 و261 و262 و263، تعتبر الإجهاض جنحة وقد تتحول لجناية عقوبتها الأصلية الحبس لمدة تتراوح من 24 ساعة إلى 3 سنوات، وقد تصل إلى السجن المشدد، وقدّرت دراسة أعدها المجلس الدولي للسكان بالتعاون مع الجمعية المصرية لرعاية الخصوبة، أن معدل الإجهاض في مصر يقترب من 14.8% حالة إجهاض لكل 100 مولود، فيما ذكرت وزارة الصحة، ن الإجهاض تسبب في 1.9% من الوفيات المتعلقة برعاية الأمومة في عام 2006.

وبحسب المادة 262 من قانون العقوبات، فإن الطبيب أو الصيدلي أو الجراح الذي يقوم بالإجهاض سواء بإجراء عملية جراحية أو بإعطاء المرأة أدوية تساعد على الإجهاض بدون ضرورة طبية، قد تصل عقوبته للسجن المشدد.

وأوضحت منظمة الصحة العالمية، أن هناك ما يقرب من 25 مليون حالة إجهاض غير آمن حول العالم حدثت سنويا في الفترة بين عامي 2010 و2014، أي ما يعادل 45% من إجمالي حالات الإجهاض في العالم.

أقراض للإجهاض “دليفري”

القلق والحيرة تتزايدان يومًا بعد يوم، ولا تعرف “صفاء” كيف تتصرف: “خوفي بيزيد يوم عن يوم، وكمان الجنين بيكبر، أنا أكيد مش عاوزة اقتل أول فرحتي بس إيه الحل لو لا قدر الله حصل له حاجة”، لتجد “جروبات”، على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن بيع أقراص للإجهاص بمبلغ 500 جنيه، ويمكن توصيلها للمنزل.

“كلمت المسؤول عن الصفحة وقال إن الأدوية عنده ومستوردة بس مرضيش يقولي الاسم وسعرها 500 جنيه، فأنا خفت أنا عاوزة حاجة طبية ومضمونة وقانونية، خايفة كمان أخد دوا غلط  بدل مينزل الجنين يعمله مشكلة أكبر”، هكذا أوضحت أن الحيرة لم تنتهي، بشأن حملها الأول، لتبدأ معه المتاعب.

ومع زيادة المواقع والصفحات التي تعلن بيع تلك الأقراص للتخلص من الحمل، تقدمت النائبة إيناس عبدالحليم، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة بشأن بيع أدوية ممنوعة على السوشيال ميديا دون رقابة الأجهزة المعنية، موضحة أنه انتشرت في الآونة الأخيرة، عمليات بيع وتسويق للأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون أي رقابة حقيقية من أجهزة الدولة المعنية، حتى وصل الأمر إلى بيع أدوية للإجهاض بالمخالفة للقانون.

مطالبات حقوقية

مطالبات حقوقية عدة ظهرت، لتنادي بما وصفته الإجهاض الآمن، وهو الأمر الذي قابله العديد من رموز المجتمع بالرفض، وكان وما زال الأمر محل نقاش، وطالبت العديد من المنظمات، وعلى رأسها المبادرة المصرية للحقوق والحريات، بتنظيم يومًا للإجهاض الآمن، وحرية تخلص المرأة من الحمل غير المرغوب فيه.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أوضحت في ورقة عمل لها، أن النساء تتعرضن لابتزاز بعض الأطباء للحصول على أثمان أعلى أو خدمات جنسية مقابل إنهاء الحمل غير المرغوب فيه، وفي شهادات النساء التي جمعتها المبادرة يوجد الكثيرات ممن يقمن في الشارع بلا مأوى، وبسبب الفقر اضطررن لاستخدام طرق غير آمنة للإجهاض، منها شرب الصودا المغلية ومنهن من لم تستطع إتمام الإجهاض على الإطلاق.

حيرة “أماني” انتهت وتخلصت من الجنين بعد موته، لكن حيرة “صفاء” مستمرة بعد ولم تنتهي، حاولت التواصل مع أطباء أعلنوا إجراء عمليات إجهاض: “برضه العيادات دي مش مضمونة وممكن لو حصل أي حاجة محدش يلحقني وكمان الدكاترة اللي اتكلمت معاهم طلبوا مبالغ كبيرة مش متوفرة معانا دلوقتي، وفي الأخر مضطرة استنى يمكن أمر ربنا يجي والبيبي ينزل لوحده واترحم من العذاب ده”.

كما طالبت 100 منظمة غير حكومية، الحكومات الأوروبية بضمان فوري لوصول النساء والفتيات إلى خدمات الرعاية المتعلقة بالإجهاض وذلك على نحو آمن وفي التوقيت اللازم، في وقت يجتاح فيه وباء فيروس كورونا، نقلا عن “بي بي سي”.